كَتَبَهُ لموقع “بيغ ثينك”: أربان بتشاريا
ترجمة: ياسين إدوحموش
تدقيق لغوي: عقيل صكر
تصميم: مينا خالد
إن نبرة الكثير من التعليقات السياسية والاجتماعية الحديثة تنم عن السخرية: إدانة الناس “الأغبياء” بسبب آرائهم غير العلمية. يُنكر الكثير من الناس الإجماع العلمي؛ حول مواضيع ذات أهمية كبيرة، مثل تغير المناخ والتطعيمات. في الواقع، تُظهر الأبحاث أن صياغة أفكار غير علمية أمر طبيعي لعلم النفس البشري، إذ وفقاً لـ”سارة جورمان”، الحاصلة على دكتوراه، وجاك إم. جورمان، الحاصل على دكتوراه في الطب، وهما مؤلفا كتاب (الحرمان من القبر: لماذا نتجاهل الحقائق التي ستنقذنا)، لا ينبغي لنا أن معاملة الناس الذين يحملون آراء غير علمية بازدراء، ويجادلون بدل ذلك أنه ينبغي لنا أن نُدرك كيف أن هذه الأفكار شائعة وطبيعية، وأن ندرس كيف ولماذا تنشأ في المقام الأول.
في مقال لصحيفة التايم، يؤكد جورمان وجورمان أن جميع البشر يميلون لإنكار العلم؛ وأن العديد من الأشخاص الأذكياء يؤيدون مجموعة واسعة من هذه الآراء. فمجرد “الغباء” ونقص التعليم، إذن، ليسا سببين لهذه الأفكار، كما يجادلون بأن الأسباب وراء ذلك نفسية.
وفي الواقع، فإن علم النفس البشري ميال للتعامل مع نقص المعرفة وتقييم المخاطر بشكل غير علمي للغاية، حيث تصف “سارة” و ” جاك جورمان” كيف أننا ميالون إلى اختلاق تفسيرات للظواهر المعقّدة، إذ يقولان:
لقد أثبتت الأبحاث أن البشر منزعجون بشكل واضح من الأحداث أو الظواهر التي ليست لها أسباب واضحة، وعندما لا نعرف شيئاً ما، فإننا نميل إلى سد الفجوات بأنفسنا. خذ مثالاً: الوالدُ الذي يُعاني طفلهُ من مرض التوحّد، وهي حالة مدمّرة لا يُعرف سببها. إن المحاولة اليائسة لمعرفة سبب إصابة طفلك بالتوحد، حتى لو لم يكن هناك شيء بوسعك القيام به حيال ذلك، تعتبر ظاهرة إنسانية طبيعية تماماً. ولما كنا نجهل سبب حدوث ذلك، يصبح من السهل إلقاء اللوم على الآخرين.
يثبت “آل جورمان”: إن الأشخاص الذين يطوّرون معتقدات خاطئة ليسوا أغبياءً؛ ولا غريبي الأطوار. بدلاً من ذلك، فإنهم غالبا ما يستجيبون للمعلومات الصعبة بطريقة إنسانية جداً، كما يصفان بعدها كيف يُظهر الناس أيضاً ميلاً طبيعياً نحو التقييم الضعيف؛ المخاطر، حيث يكتبان:
لا يقوم البشر بتقييم المخاطر بطريقة مدروسة أو عقلانية. بالمقابل، تعتمد تقييمات المخاطر إلى حدٍّ كبير على ما يطلق عليه أحياناً بلفظ “القدرة على التخيّل”، والذي يشير إلى القدرة على استحضار صورة لشيء ما في ذهن المرء. وبحكم أننا مخلوقات متعاطفة في الأساس، فإننا نستجيب للقصص أكثر من استجابتنا للإحصاءات. هذا بالضبط ما يجعل “تخيّل” معارضي التلقيح لخطر موت أطفالهم من جراء التلقيح أمراً طبيعياً أكثر من كونهم يفهمون الإحصائيات؛ بأن اللقاحات آمنة.
مرة أخرى، يشرح “جورمان” و “جورمان” كيف يقوم الناس بشكل طبيعي؛ بتكوين وجهات نظر غير علمية، من خلال خاصيات أساسية في سيكولوجيتنا. إن افتقار البشر إلى الحدس النفسي للتفكير العلمي والقائم على الاحتمالات؛ قد يكون متماشياً مع كيف أن هذه التخصصات قد نشأت وتطوّرت منذ عهد قريب نسبياً في تاريخ جنسنا.
وبالنظر إلى النزعات النفسية لدى البشر نحو الاستدلال غير العلمي، فإن جورمان وجورمان يحثان المربين والشخصيات العامة على الابتعاد عن إدانة الناس الذين يعتنقون وجهات نظر معينة، لأنه، إن لم يكن لأي سبب آخر، لا يعمل ببساطة كوسيلة لتغيير الأفكار. والواقع أن العديد من الحملات التثقيفية التي تهدف إلى التصدي للمعلومات المغلوطة غالباً ما تأتي بنتائج عكسية وتعزز المعتقدات ذاتها التي كانوا يحاولون تصحيحها.
من أجل تحسين أوجه القصور الحالية التي تواجه التعليم العلمي، يوصي آل غورمان أولاً بسؤال كيف تظهر بعض المعتقدات الزائفة – وفي النهاية، بإظهار التعاطف.
المقال باللغة الإنجليزية: هنا