كتبه لموقع ”كونفرسيشن“: جيفري م هودجسون
نشر بتاريخ: 31/10/2017
ترجمة: ريهام بكر أحمد
مراجعة وتدقيق: آلاء عبد الأمير
تصميم الصورة: مينا خالد
تولى البلاشفة سلطة روسيا، منذ مئة عام مضت، حيث أسسوا أول حكومة ماركسية دامت طويلًا. كما أخلفت الثورة الروسية الكثير من الآثار على نطاق واسع، كان من أهم التأثيرات -وأكثرها عرضة للإهمال- التغير الذي طرأ على فكرة ” اليسار” كمصطلح سياسي. فقد غدا مصطلح اليسار مرتبطاً بقوة بالملكية العامة، عقب استحواذ البلاشفة على الحكم.
يحمل مصطلح اليسار معنى مغاير تمامًا في الأصل؛ وإلّا فإنّ الجماعية، والملكية العامة ليست حكراً على المصطلح ” يسار”. أشتقت كلمة فاشية من الرمز” فاسس” من روما القديمة؛ وهو عبارة عن حزمة من العصي تضم فأساً، دلالة على قوة الجماعة.
كانت من ضمن آثار 1917 المزيد من التقويض للمصداقية الديمقراطية لليسار، والتي تم تقويضها بالفعل من قبل الاشتراكيين الأوائل مثل ”روبرت أوين“، الذي كان يعارض الديمقراطية. بعد روسيا السوفيتية ونظام ”ماو“ في الصين ارتبط جزء من اليسار بالنظم الشمولية التي تمارس انتهاكات حقوق الإنسان، والإعدام بدون محاكمة، والحد من حرية التعبير والمصادرة التعسفية للممتلكات.
أصل اليمين واليسار
ظهر المصطلحين السياسيين لليسار واليمين خلال الثورة الفرنسية. إذ بدأ في عام 1789 وفي الجمعية التأسيسية الوطنية منتقدي النظام الملكي من النواب، يجتمعون على المقاعد على يسار كرسي الرئيس. بينما تجمع أنصار المحافظين من الطبقة الأرستقراطية والملكية على الجانب الأيمن.
أراد أولئك الذين على اليمين الاحتفاظ بسلطة التاج عن طريق حق النقض الملكي، للحفاظ على بعض حقوق الطبقة الأرستقراطية، والحصول على مجلس أعلى غير منتخب، والحفاظ على الكثير من الممتلكات، والشروط الضريبية للتصويت.
بينما أراد هؤلاء على اليسار الحد من سلطات الملكية وإقامة جمهورية ديمقراطية، وطالبوا بوضع حد للامتيازات الأرستقراطية ووضع قيود لقوى الكنيسة والدولة.
ومن ثم فإن اليسار يعني في أصله الحرية، وحقوق الإنسان، والمساواة بموجب القانون. مما يعني معارضة الملكية والأرستقراطية والثيوقراطية واحتكارات الدولة وغيرها من الامتيازات المؤسساتية. كما أن جذور اليسار ترفض مبررات السلطة المستمدة من الدين أو من الولادة لأسرة النبيلة، و تدعم الديمقراطية والمشاريع الخاصة. وقف اليسار ضاهرياً دائماً من أجل المساواة؛ ولكن ما الذي يعنيه هذا؟ هل تعني المساواة بموجب القانون؟ لقد أنكر ”كارل ماركس“ واتباعه هذه المساواة صراحة قائلين أنه بعد الثورة ينبغي حرمان الطبقة البرجوازية من الحقوق القانونية، وقد وُضع هذا الأمر موضع التنفيذ بعد الثورة في روسيا في 1917.
ولا يقتصر السعي إلى تحقيق المساواة على الاشتراكيين؛ حيث روّج الليبراليون مثل ”توماس باين“ و“جون ستيوارت“ للتوزيع العادل للدخل والثروة، فضلاً عن المساواة بموجب القانون. يحبذ الليبراليون الأسواق والممتلكات الخاصة، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنها تساعد على حماية الاستقلال الذاتي الفردي. ولكن هل يمكن وصف الليبراليين على أنهم يساريون؟ أصبح اليسار اليوم مرتبطاً على نطاق واسع بالملكية العامة بحيث انه لن يشمل الليبراليين المتطرفين في حركته الواسعة.
وقد طرأ على مصطلح اليمين تغير في المعنى أيضاً، من الاعتذارات القومية والتقليدية للحصول على امتيازات الطبقة الأرستقراطية، إلى المزيد من الدعوة إلى الأسواق الحرة والملكية الخاصة، والتي كان من السخرية كونها أرض اليسار الأصلي عام 1789.
منعطفات خاطئة؟
تطورت الحكومة الماركسية في روسيا بسرعة لتصبح دولة الحزب الواحد. وتبع ذلك نظام من التطهير والإرهاب. أنا أجادل في كتابي (الخلافات الخاطئة: كيف ضاع اليسار) أن الانزلاق نحو الشمولية أمر لا مفر منه داخل الماركسية؛ هذا لأن المفهوم الماركسي للصراع الطبقي واقتراحه حكومة من الطبقة الكادحة يقوض فكرة حقوق الإنسان العالمية، التي تطورت في عصر التنوير وأعلنت في الثورة الفرنسية.
بحلول السبعينيات، ذهب البعض في اليسار إلى أبعد من ذلك، لمعارضة أي تصدير للأفكار الغربية، ورفض أي فكرة مفادها أن الدول الفقيرة تستحق التمتع بنفس حقوق الإنسان التي تم الترويج لها في أوروبا وأمريكا الشمالية. واعتُبرت اقتراحات نشر هذه الحقوق أو القيم بمثابة اعتذارات “للإمبريالية الغربية”. وفي حماستهم لـ “النضالات المعادية للإمبريالية”، دعم الكثيرون من اليسار الإرهابيين والمتطرفين الدينيين، بما في ذلك الجيش الجمهوري الإيرلندي وحماس وحزب الله والنظام في إيران. هذا أبعد ما يكون عن توجهات اليسار الأصلي.
بطبيعة الحال، فإن الأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم يميلون إلى اليسار ليسوا ملزمين باتباع أفكار اليسار الأصلي. لكن من المهم أن نفهم كيف انحرفت أفرعٌ من التفكير اليساري عن مصدرها الأصلي، وإدراك أن البدائل ممكنة خاصة عندما تكون لغة السياسة اليوم متضررة للغاية. كتب ”جورج أورويل“ في عام 1946: ”يجب على المرء أن يدرك أن الفوضى السياسية الحالية مرتبطة بانحلال اللغة، وأنه يمكن للمرء غالباً أن يحقق بعض التحسن إذا بدأ بالعمل على اللغة.“
طرأت الكثير من التغيرات في المعنى على مصطلح اليسار خلال القرنين الماضيين. مع هذا الاضمحلال كانت هناك درجة كبيرة من الفوضى. في هذه الأثناء، تعيش أحزاب اليسار في العالم أزمة نتيجة للتجزئة الأيديولوجية. إذا أردنا أن نحصل على تغيير تقدمي في المجتمع، نحتاج أولاً إلى إعادة تشكيل الخريطة السياسية، ولن نكتفي بعد ذلك بما أصبح يعرف اليسار واليمين.
المقال باللغة الإنجليزية: هنا