يمكنني التنقل حيث شئت بجواز سفري الألماني. ولكن عدد الدول التي تسمح للأمريكيين بالدخول تكاد تنعدم هذه الفترة.
كتبه لموقع “ذي أتلانتك” : ياشا ماونك
بتاريخ: 14 آب 2020
ترجمة: لبنى جمال
مراجعة وتدقيق: هندية عبدالله
تصميم الصورة: حسن عبدالأمير
لطالما أوليت اهتمامًا كبيرًا بالجنسية الأمريكية؛ ويعود ذلك لأسباب عديدة. فبصفتي مواطن ألماني بالولادة، فقد قدمت إلى الولايات المتحدة لأشعر بدفء الوطن، وأن أهيم به. وبالرغم من صور الظلم التي بُنِيَ عليها هذا البلد، لكنني بقيت مقتنعًا بأن الولايات المتحدة على الأرجح تهدف لإنشاء نظام ديمقراطي يتسم بالتنوع والازدهار أكثر من أي بلدٍ آخر في العالم. وعندما كتبت عن التهديد الذي يشكله الشعبويون في الحزب اليميني أمثال الرئيس دونالد ترامب على الجمهورية الأمريكية، فإنني أفتخر كوني أملك شجاعة الحديث عن هجومه لقيمنا ومؤسساتنا بصيغة المتكلم لا المخاطب.
كان لدي سببٌ وجيهٌ بالإضافة إلى جميع الدوافع البالغة في الأهمية، ألا وهو مسألة الامتيازات التي يوفرها الجواز الأمريكي. حيث يضمن لحامله إمكانية الذهاب حيث يشاء، والفرار من أي مكان. يا ترى أي الدولتين على الأرجح ستأمن حياتي –الولايات المتحدة أم ألمانيا- فيما لو علقت داخل بلد أجنبي ما مع تزامن قيام أزمة سياسية كبيرة داخله؟ هل سيرسل الجيش الألماني أم القوات الجوية الأمريكية آخر طائرة لإجلاء الرعايا الأجانب من تشاد أو تشيلي أو كندا قبل أن يدخل ذلك البلد في أتون الحرب الأهلية؟
لم تضمن لي الجنسية الأمريكية حرية اختيار موقع العيش سواء كان في نيويورك أم سان فرانسيسكو أو أي منطقة بينهما فحسب؛ بل أنها تركت لي حرية التنقل حول العالم بالتأمين الذي يوفره لي جواز سفري، حيث تنص مقدمة جواز سفري القديم بالتعهد التالي، ” يطلب وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية” أنه بإمكاني ” أن يمر دون تعطيل أو عرقلة ويتمتع بكافة الحقوق والحماية القانونية إذا دعت الضرورة.”
ولكن كل تلك الوعود الجوفاء تبخرت في ظل الجائحة الأخيرة هذا العام. ففي الوقت الذي وهبني جواز سفري الأمريكي قابلية الذهاب إلى عدد محدود من الدول فقط -لا تشمل ألمانيا أو أغلب الدول الديمقراطية المتقدمة في آسيا وأوروبا وأستراليا أو جنوب أمريكا. يسمح لي جواز سفري الألماني، الذي كان بإمكاني استرجاعه حين كنت متجنسًا كمواطن أمريكي، بالتنقل بشكل يكاد يشمل كل بقاع العالم. خرج أمر فيروس كورونا عن السيطرة تمامًا في الولايات المتحدة للدرجة التي زرع فيها شيئًا من القلق في قلوب مواطني بلدان أخرى (بشكل يمكننا تفهمه) حول انتقال العدوى من مواطنينا.
لم يكن افتراضي في محله فيما يخص تصوري لأكثر البلدان حرصًا على إعادة مواطنيهم إلى بلدانهم وقت الأزمات. فسترحب بي ألمانيا خير ترحيب حين عودتي من هذه الأرض الموبوءة بفايروس كوفيد-19، برغم أنني قد أُطَالَبْ بعزل نفسي ذاتيًا هناك. ولكن حاليًا يُتَدَاوَل مشروع مقترح في إدارة ترامب يشير إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية قد تسعى لمنع مواطنيها والمقيمين الدائمين بصفة قانونية من العودة إلى أراضي الوطن في حال اعتقد موظف الحدود التالي، ” إذا اعتقد بصورة معقولة من تعرض الفرد للفايروس أو إصابته بالعدوى.”
سيكون لهذا القرار على الأقل عائد عملي، بغض النظر عما يتضمنه من قسوة، في بلدان كأستراليا ونيوزيلاند، والتي تكاد تكون نسبة الاصابات بفايروس كورونا فيها خلال الشهور الاخيرة منعدمة. كما أن تطبيق هذه الخطة على أرض الواقع في الولايات المتحدة الامريكية، التي ترصد يومياً حوالي 50 ألف حالة دون أي عون من الدول الخارجية، لن يزيد الطين إلا بلة.
علمت عندما أصبحت مواطنًا أمريكيًا في آذار 2017، بِنية الرئيس ترامب بتحطيم عددٍ كبيرٍ من القيم الأمريكية التي لطالما أحببتها. لم يخطر لي في بال بأنه سيفشل حتى في المبدأ القائل “لن نترك أحدًا خلفنا.” ألا يتحتم على هذه العقيدة حمل مناشدة خاصة لشخص يدّعي نيته حماية أراضي الولايات المتحدة من مخاطر العالم؟ فقد استسلم ترامب لفايروس كورونا ماكثًا في منزله بدل أن يستخدم منصبه لحماية المواطنين الأمريكيين؛ بل قد تسعى حكومته الآن كذلك إلى خيانة الأمريكيين في الخارج.
رابط المقال الأصلي: هنا