كتبه لموقع “ذا اتلانتك”: ديفيد كوامين
منشور بتاريخ: 26/8/2018
ترجمة: أحمد الحسيني
تدقيق: آلاء عبد الأمير
تصميم الصورة: أسماء عبد محمد
جادل علماء البيولوجيا لفترة طويلة، وقبل وقت طويل من بداية تعقيد وتطور علم الجينات الجزيئية، حول كيفية تعريف الأنواع. يعود هذا المفهوم على الاقل لـ “كارل لينيوس”، الذي عرّف الأنواع، خلال القرن الثامن عشر عن طريق نظامه ثنائي التسمية، على أنها كيان، أي: “تجمّع من المخلوقات، لكنها تعيش ككيان واحد” وكان هذا مفهوماً ثابتاً وجوهرياً.
رفض ”تشارلز داروين“ في القرن التاسع عشر، بمساعدة ”ألفريد والاس“ وآخرين، هذا النوع من المثالية، مقنعاً الناس بأن الأنواع تتغير، فأنواع تنشأ وأنواع تموت، وأنواع تتألف من أفراد يختلف أحدها عن الاخر، يشتركون بدرجة معينة من التشابه ولكن لا يوجد بينهم جوهر مشترك لا ينفصل.
في القرن العشرين، قدم ”إيرنست ماير“، أحد مؤسسي الدارونيين الجدد، تعريفاً أوضح للأنواع. كان تعريف ماير الشهير سنة 1942 يفيد بأن: “الأنواع هي مجموعات من مجاميع سكانية طبيعية قادرة على التزاوج فيما بينها فعلياً أو فرضياً، ومعزولة تكاثرياً عن مجموعات أخرى مماثلة”. وبفضل علماء ثوريين مثل عالم البيولوجيا ”كارل وويس“، تم تحديد “مملكة ثالثة” من الأشكال البيولوجية المعروفة باسم “الأركيا” على يده، وبتنا الآن نعرف ما يكفي لنرى مشكلتين مع تعريف ماير.
المشكلة الأولى: لا يمكن تطبيقها على البكتيريا والأركيا، لأنها لا “تتداخل” مع الطريقة التي ضمّنها ماير.
المشكلة الثانية تطرح بعض التساؤلات: كيف يمكن “للعزلة التكاثرية” أن تكون معيارًا مطلقًا إذا تم نقل الجينات بشكل أفقي وبصورة مستمرة (عن طريق العدوى الفيروسية والآليات الأخرى)؟ وإذا تم، علاوة على ذلك، كيف سيتكاثر أعضاء أحد الأنواع مع أعضاء آخرين، وينتجون أنسابًا جديدة من النسل المختلط؟ الإجابة: العزلة الإنجابية هي معيار مفيد وبديهي، نعم، ولكنه ليس مطلقًا.
خذ مثلاً الانسان العاقل “هومو سابينس”، النوع الأعز على قلوبنا. في عصر تسلسل الحمض النووي، أدرك العلماء أن الجينوم البشري يحتوي على أدلة أحداث تهجينية. حيث تم اكتشاف الإنسان البدائي “انسان النيادرتال” في عام 1856، وأطلق عليه الاسم في عام 1864، ولعدة عقود كان يعتبر نوعاً منفصلاً، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بنا في عائلة البشر، لكنه مستقل. ويعتبر بعض الخبراء الآن، أن الإنسان البدائي كان نوعاً من سلالات الإنسان العاقل (الإنسان البدائي العاقل)، ولكن البعض الآخر يقول إن (الإنسان البدائي) لا يزال هو الاسم الأكثر صحة، ويمثل المجموعة كنوع بحد ذاته.
على أي حال، تباعدت أنسابنا عن أنسابهم في وقت ما بين حوالي 300،000 و 600،000 سنة، وربما أكثر، عندما غادر الرواد الأوائل أفريقيا، واستعمروا ”اوراسيا“ وانحدر من هؤلاء الرواد العديد من الأنواع غير الأفريقية، بما في ذلك الإنسان البدائي.
بعد ذلك بكثير، قبل حوالي 50000 سنة، نسبنا، نحن المعروفون باسم “البشر المعاصرين”، أرسل موجة أخرى من إفريقيا لتستعمر أوروبا مرة أخرى. ثم، لسبب أو لآخر، اختفى النياندرتال، الإنسان البدائي.
لطالما تكهن علماء الإنسان القديم بأن الانسان البدائي قد قضى نحبه على يد أسلافنا، إما عن طريق العدوان المباشر، أو أجبروهم على الانقراض، بالمنافسة، أو أنهم استحوذوا عليهم إلى حد ما، عن طريق التزاوج. لكن لم يكن هناك دليل قاطع.
في الوقت الحاضر، منذ استعادة تسلسل الحمض النووي للنياندرتال بواسطة فريق ضم عالم الأحياء السويدي ”سفانتي بابو“، تشير التحليلات إلى أن التزاوج المهجّن قد حدث بالفعل بين الإنسان البدائي والبشر الحديث. وإن الجينوم البشري، خاصة بين الشعوب غير الإفريقية المنحدرة من تلك التزاوجات الهجينة، يحتوي الآن على حوالي 1-3% من الحمض النووي الخاص بالإنسان البدائي.
المقال باللغة الإنجليزية: هنا