كتبه لـ(ذا كونفرزيشن): محمد الموسوي
منشور بتاريخ: 2 شباط 2018
ترجمة: أحمد طريف المدرس
مراجعة وتدقيق: نعمان البياتي
تصميم: مينا خالد
يغير الاكتئاب كل شيء في حياتك، من الطريقة التي تتحرك بها وطريقة نومك، إلى كيفية تفاعلك مع الأشخاص حولك، بل يغير حتى الطريقة التي تتحدث بها وتعبر بها عن نفسك، في بعض الأحيان يمكن أن نسمي هذا لغة الاكتئاب والتي تؤثر بقوة على الآخرين، ويبدو ذلك واضحاً بمجرد النظر في تأثير شعر (سيلفيا بلاث) وكلمات أغاني(كورت كوبين)، الذين انتحرا بعد تعرضهم للاكتئاب.
حاول العلماء منذ فترة طويلة تحديد العلاقة الدقيقة بين الاكتئاب واللغة، وتساعدنا التكنولوجيا في الاقتراب من الصورة كاملة، وقد كشفت دراسة جديدة منشورة في مجلة العلوم النفسية السريرية، عن فئة من الكلمات التي يمكن أن تساعد في التنبؤ بدقة ما إذا كان شخص يعاني من الاكتئاب.
سابقاً كان يتم إجراء التحليلات اللغوية في هذا المجال من قبل الباحثين من خلال القراءة وتدوين الملاحظات، أما في الوقت الحاضر، فإن طرق تحليل النصوص الحاسوبية تسمح بمعالجة بنوك من بيانات ضخمة في دقائق، ويمكنها كذلك أن تساعد في تحديد الملامح اللغوية التي قد لا نلاحظها لوحدنا، وحساب النسبة المئوية لانتشار الكلمات وفئات الكلمات، والتنوع اللغوي، ومتوسط طول الجملة، والأنماط النحوية والعديد من المقاييس الأخرى.
حتى الآن، كانت المقالات الشخصية ومذكرات اليوميات من قبل الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب مفيدة، كما كان الحال مع أعمال فنانين معروفين مثل (بلاث) و(كوبين)، أما بالنسبة للأفكار المعبر عنها شفهياً، فإن نتائج هذا البحث تكشف عن اختلافات واضحة ومتسقة في اللغة بين الذين يعانون من أعراض الاكتئاب والأصحاء.
المحتوى
يمكن فصل اللغة إلى عنصرين: المحتوى والطراز، يتعلق المحتوى بما نعبر عنه، (المعاني والمواضيع)، وليس من المفاجئ معرفة أن الذين يعانون من أعراض الاكتئاب يستخدمون كمية زائدة من الكلمات التي تنقل المشاعر السلبية، وتحديداً الصفات والظروف السلبية مثل “وحيد” أو “حزين” أو “بائس”.
كما لوحظ تغيرٌ في استخدام الضمائر، إذ يستخدم الذين يعانون من أعراض الاكتئاب ضمائر المتكلم المفرد أكثر، مثل “أنا” أو “لي”، وضمائر المخاطب والغائب بشكل أقل، مثل “هم” أو “هو” أو “هي”؛ يشير هذا النمط من استخدام الضمير إلى إن الأشخاص المصابين بالاكتئاب يركزون بشكل أكبر ومنغلقون على أنفسهم، وأقل ارتباطاً بالآخرين، وقد أفاد الباحثون أن الضمائر أكثر موثوقية في كشف الاكتئاب من الكلمات العاطفة السلبية.
كما نعلم أن التفكير العميق في المشاكل الشخصية والعزلة الاجتماعية هي سمات مشتركة للاكتئاب، لكننا لا نعرف ما إذا كانت هذه النتائج تعكس اختلافات في نمط التفكير؛ هل يجعل الاكتئاب الناس يركزون على أنفسهم، أم إن الأشخاص الذين يركزون على أنفسهم يعانون من أعراض الاكتئاب؟
الطراز
يرتبط طراز أو أسلوب اللغة بكيفية تعبيرنا عن أنفسنا، بدلاً من المحتوى الذي نعبر عنه؛ أجرى مختبرنا مؤخراً تحليلاً كبيراً لبيانات نصية من 64 منتدى مختلفاً للصحة العقلية عبر الإنترنت، وفحص أكثر من 6400 عضو، ووُجد أن “الكلمات المطلقة” (وهي الكلمات التي تعبر عن المقدار المطلق أو الاحتمالات، مثل دائماً أو لا شيء أو تماماً)، كانت علامات أفضل لتمييز الصحة العقلية أكثر من الضمائر أو الكلمات العاطفية السلبية.
كما لوحظ ذلك في المنتديات الإلكترونية، فبمقارنة 19 منتدى، نجد أن انتشار الكلمات المطلقة يزيد بنسبة 50٪ تقريباً في منتديات القلق والاكتئاب، ويزيد بنسبة 80٪ تقريباً في منتديات التفكير الانتحاري.
كما أنتجت الضمائر نمطاً توزيعياً مماثل للكلمات عبر المنتديات، لكن تأثيرها كان أصغر، وعلى عكس ذلك، كانت الكلمات العاطفية السلبية أقل انتشاراً في منتديات التفكير الانتحاري من منتديات القلق والاكتئاب.
تفحص البحث كذلك منتديات التعافي، حيث يقوم الأعضاء المتعافون من الاكتئاب بكتابة مشاركات إيجابية ومشجعة حول شفائهم، ووجد أن الكلمات العاطفية السلبية استخدمت في هذه الحالة على مستويات متشابهة لباقي المنتديات، في حين ازدادت الكلمات العاطفية الإيجابية بنحو 70٪، ومع ذلك فإن انتشار الكلمات المطلقة بقي أكبر بكثير من منتديات المتابعة، ولكن أقل قليلاً من في منتديات القلق والاكتئاب.
وبينت الدراسة أن الذين عانوا من أعراض الاكتئاب، أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب مرة أخرى، لذلك يميلون أكثر للتفكير المطلق، حتى عندما لا توجد أعراض للاكتئاب، ولطريقة استخدام الضمائر، ولاستخدام العواطف السلبية ولكن بشكل أقل.
تطبيقات عملية
يمكن أن يساعدنا فهم لغة الاكتئاب في فهم الطريقة التي يفكر بها الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب، ويجمع الباحثون بين التحليل الآلي للنص والتعلم الآلي (أجهزة الكمبيوتر التي يمكن أن تتعلم من التجربة دون أن تتم برمجتها) لتصنيف مجموعة متنوعة من حالات الصحة العقلية من عينات نصوص اللغة الطبيعية مثل منشورات المدونات.
يتفوق هذا التصنيف على تصنيفات المعالجين المدربين، كما إن تصنيف التعلم الآلي قابل للتحسن مع توفير المزيد من البيانات وتطوير الخوارزميات، وقد بدأ العمل على استخدام أجهزة الكمبيوتر لتحديد فئات فرعية محددة بشكل متزايد من مشاكل الصحة العقلية مثل المثالية، ومشاكل احترام الذات والقلق الاجتماعي.
لكن من الممكن أن يكون استخدم لغة الاكتئاب غير مرتبط بالإصابة به، وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن أكثر من 300 مليون شخص في جميع أنحاء العالم يعيشون الآن في حالة اكتئاب، أكثر بـ 18٪ من عام 2005، ووجود المزيد من الأدوات للكشف عن هذه الحالة أمر مهم بالتأكيد لتحسين الصحة ومنع الانتحار المأساوي.
المقال باللغة الإنجليزية: هنا