كتبه لـ (بيغ ثينك): ديريك بيريس
بتاريخ: 16\4\2018
ترجمة: أحمد حازم سلطان
مراجعة وتدقيق: نعمان البياتي
تصميم: أحمد الوائلي
تلقى الأميركيون أخباراً مقلقة في ديسمبر 2017، فللسنة الثانية على التوالي، انخفض متوسط العمر القومي، بعد 20 عاماً من التصاعد المستمر، ويعتقد البعض أن ذلك بسبب أزمة الأفيون، التي أودت بحياة أكثر من 64000 شخص في عام 2016 – وهي إحصائية تستمر في الارتفاع.
وبالطبع، في الوقت الذي يؤدي فيه إدمان الأفيون إلى وفاة الأمريكيين أكثر من سرطان الثدي، فإن عوامل أخرى تلعب دوراً كبيراً أيضاً، بعضها يتعلق بوباء آخر، وهو السمنة، حيث لا تزال أمراض القلب والسرطان والسكتة الدماغية والخرف من الأمراض الرئيسية القاتلة، في الوقت الذي توضع الوفيات الناتجة عن تعاطي الأفيون تحت بند “الإصابات غير المتعمدة”، إلا إنها تعتبر السبب الرئيسي الثالث للوفاة في البلاد.
وبينما هناك العديد من الأسباب التي تسبب الوفاة، فإن النظر إلى خارج الارتباطات المادية البحتة أمر منطقي، إذ إن الصحة النفسية والصحة البدنية ليستا مجالين منفصلين، فما تؤمن به يؤثر على سير العمليات الجسدية، كما أظهرت ذلك التجارب المذهلة، فتأثير الدواء الوهمي (تأثير بلاسيبو) هو مثال رئيسي آخر على ذلك.
ما هو الدور الذي يلعبه الدين في الصحة وطول العمر؟ لطالما نوقش هذا السؤال، حيث يدعي المتدينون بأن عقيدتهم تبقيهم أصحاء، ولكن هل هذا صحيح؟ تظهر البيانات عكس ذلك.
وهكذا ندخل في جدال مربك ومثير للنزاع حول الاقتصاد والدين، إذ تميل الدول الأفقر إلى أن تكون أكثر تديناً، وربما تعكس فكرة أن الخلاص يقع في الآخرة بما أن الحاضر لا يفي بمستلزمات الحياة؛ فكلما كان البلد أكثر تطوراً اقتصادياً، كان المواطنون أقل تديناً، لكن على الرغم من أن الأميركيين يموتون في وقتٍ مبكر، إلا إن الازدهار الاقتصادي خلق مجموعة كبيرة من الملحدين.
تقول الحجة الاجتماعية للدين، بأن أتباع الديانات أكثر صحة بسبب مشاركتهم في المجتمع، لكن انتظر، هل الدين هو العامل الأساسي؟ تقدم نوادي الـ (فيتنس) والـ (يوغا) فوائد مماثلة مع حافز إضافي للنشاط البدني، ويبدو الاتصال الاجتماعي أكثر أهمية من الاعتقاد في أي نظام.
وهو السبب -ربما- في أن دراسة لمركز (بيو) للأبحاث حكمت بأن غير المنتسبين لأية ديانة (الملحدين واللاأدريين) يتمتعون بثاني أطول عمر من بين كل المجموعات، بعد اليهود مباشرة وقبل البوذيين، ومن المثير للاهتمام أن هذه المجموعات الثلاث جميعها قليلاً ما تعتمد على الأفكار الميتافيزيقية وكثيراً ما تعتمد على المجتمع وأفضل الممارسات أثناء الحياة، المجموعات الثلاث الأقل أداءً – المسيحيون والهندوس والمسلمون – تأخذ اتجاهاً معاكساً، مع اعتماد كبير جداً على الفلسفات الآخروية والثنائية، أي الإيمان بالنفس أو الروح التي تستمر بعد موت الجسد.
هذا تعميم لا ينطبق على كل عضو في كل مجموعة، فالكثير من الهندوس والمسلمين متدينون موسميون، يعتمدون على إيمانهم لأجل الهوية الثقافية لا غير، ويصلي اليهود المتدينون والبوذيون إلى آلهتهم ويتأملون في الحياة الآخرة على نطاق أوسع، ومع ذلك، تميل المجموعات الأخيرة إلى أن تكون أكثر عاطفية في الطبيعة والممارسة من تلك التي لديها أطول متوسط عمري.
لدرجة لا تصدق، يبدو أن الاقتصاد هو المحرك الرئيسي للمتوسط العمري، كما ذكرت (جوليا بيلوز) في موقع (فوكس): “هناك مجموعة واحدة في الولايات المتحدة تحقق أداءً أفضل من أي وقت مضى: الأغنياء؛ في الوقت الذي يموت فيه الأمريكيون سواءً الفقراء منهم أم الطبقة الوسطى في وقت مبكر هذه الأيام، فإن الأغنياء بيننا يتمتعون بطول عمر غير مسبوق”.
هذه أخبار مزعجة للمؤمنين، ولكن من وجهة نظر أشمل، فهي منطقية، فإذا تم الاعتناء باحتياجاتك الأساسية للبقاء على قيد الحياة، تقل الحاجة إلى الإيمان، فالحياة تعمل بالفعل لصالحك؛ مرة أخرى، إجمالاً يمكن أن يظهر لأصحاب الملايين الكثير من سمات الإيمان، ولكن عندما تكون لديك الإمكانية للتمتع بأفضل رعاية صحية، والأغذية العضوية، والوقت والمال للّياقة البدنية، فإن فرص تعاظم المخاوف الوجودية تكون أقل.
إلا إن الأمر مختلف إذا كنت تعيش في منطقة تعاني من الملاريا، والجفاف، والإيدز، والفيضانات، وغيرها من الأمراض والكوارث البيئية؛ لطالما كان التوق إلى شيء أفضل (أو غيره) جزءاً من تركيبتنا النفسية، ومن المرجح أن تكون أكثر ميلاً للإيمان بعالم آخر جميل عندما لا يكون عالمك كذلك.
هل يتبع الدين الاقتصاد أم هل تظهر بعض الحقائق الاقتصادية الثابتة متخذةً إيديولوجيات دينية معينة؟ إن ما سبق يبدو أكثر احتمالاً، على الرغم من أن ذلك مجرد تكهنات، وهو مثير للجدل خاصة بالنظر إلى مدى الإيمان العميق لبعض الناس وكيف يمكن أن يصبحوا في وضع دفاعي عندما يتم تحدي أفكارهم، وهو العامل الذي جعل الملحدين واللاأدريين في أعلى القائمة أعلاه، وهو ما يعقد الفكرة بأكملها عن طول العمر والإيمان.
يتطلب هذا الموضوع تنفيذ مبدأ أخلاقي مهم: وهو التواضع. فعند التعامل مع نظرة الأديان عن العالم الآخر، لا يمكن للمسيحيين والمسلمين والهندوس أن يكونوا على حق، إذا اتبعنا المبادئ التوجيهية التي أعلنها كل دين؛ وقد كان هذا الموضوع وعلى الدوام من الحوارات الشائكة، حتى بين أكثر المتدينين تسامحاً؛ فإذا كنت تؤمن بإخلاص بأن يسوع هو الطريق الوحيد إلى الجنة، فإن أي شخص ليس على متن سفينة معتقدك منبوذ، وبالتالي فإن عقلية “نحن أو هم” قد لا تكون صحية على المدى الطويل.
هل يعني هذا أن التركيز على الحياة الحالية بدلاً من الحياة المفترضة الأخرى يؤدي إلى ممارسات أفضل أثناء الحياة؟ قد يكون الأمر كذلك، من خلال هذه البيانات؛ يمكنك فقط مساعدة نفسك من خلال الاهتمام بصحتك الآن، لأن استبعادها لمستقبل غير محسوس لا يجعل حياة اليوم مثمرة.
رابط المقال باللغة الإنجليزية: هنا