العاطفة جزء لا يتجزاء من حياة معظم الناس، العالم الحديث يجعل من السهل علينا أن نغفل عن مشاعر الاخرين، يقول رومان كرزنارك: بأمكان الجميع تطوير هذه السمة الشخصية، العاطفة.
عند قرائتك الرواية الكلاسيكية للمؤلفة هاربر لي (To Kill A Mockingbird) قد تُلاحظ عبارة مميزة: “انت لن تفهم أبداً شخصاً اخر حتى ترى الامور من وجهة نظره الخاصة”.
وفقا لاخر أبحاث علم الاعصاب، 98% من البشر (مع استثناء ذوي للاضطرابات العقليه) لديهم القدرة على التعاطف، وبأمكانهم وضع انفسهم مكان الاخرين وفهم مشاعرهم ووجهات نظرهم. المشكلة أن الأغلبية لايستخدمون امكاناتهم العاطفية الكاملة في التعامل مع حياتهم اليومية. فمثلاً، من السهولة أن تجد نفسك ماراً بأم وهي تعاني وتواجه صعوبة في التحكم بعربة طفلها على درجات سلم وتمضي مسرعاً وتتركها ذاهباً إلى العمل، أو تقرأ عن مأساة هزة أرضية في بلد بعيد عنك، ثم يتشتت ذهنك عنه وتفتح رابطاً اخر يخص النتائج الاخيرة لمبارة ما.
الفراغ العاطفي من الممكن أن يظهر في العلاقات الشخصية ايضاً، فمثلاً: عندما أجد نفسي أصرخ بأحباط على أخويّ التؤم ذوي الست اعوام، أو عندما أفشل في أدراك أن شريكتي تقوم بأكثر من نصيبها العادل من الاعمال المنزلية.
اذاً، هل هناك شيء من الممكن أن تفعله لزيادة مستوى العاطفة لديك؟ الخبر السار هو أن الجميع تقريباً يمكن أن يتعلم كيف يكون اكثر تعاطفاً تماماً كما نتعلم كيفية ركوب الدراجه او قيادة السيارة.
– قم بتمرين سريع لتقييم قدراتك العاطفية:
عالم الاعصاب “سايمن بارن-كوهين” نصح باختبار يدعى ” قراءة العقل في العيون”، حيث تعرض عليك 36 صورة لازواج من العيون وعليك اختيار واحدة من اربع كلمات تصف مشاعر وتفكير كل شخص بدقة، على سبيل المثال: الغيرة، التكبر، الاضطراب أو الذعر والحقد.
متوسط الدرجة لحوالي 26 شخص تشير إلى أن غالبية الناس هم جيدين بصورة مدهشة في القراءة البصرية لمشاعر الاخرين على الرغم من البعد عن الكمال في هذه النتائج.
للذهاب خطوة ابعد من ذلك، هناك ثلاث استراتيجيات بسيطة، ولكنها قوية، لاطلاق العنان لأمكانات التعاطف الكامنة في داخلنا:
1. الاصغاء الى مشاعر الاخرين:
كتب “مارشال روزنبرغ” عالم النفس ومؤسس التواصل السلمي: “ان قدرتنا على أن نكون ضمن ما يحدث في الواقع حولنا يعود إلى المشاعر والاحتياجات الفريدة لكل شخص”. الاصغاء إلى مشاعر الاخرين واحتياجاتهم، فيما اذا كان صديق تم تشخيصها مؤخرا باصابتها بسرطان الثدي أو الزوج الذي يستاء منك لعملك لوقت متاخر، يعطيهم الشعور بانك تفهمهم .
دع الاخرين يقولون ما عندهم، وتوقف عن مقاطعتهم، وأعد ما قالوه لك امامهم حتى يشعرون انك حقاً مصغي لهم. يشير روزنبرغ إلى انه في منازعات ارباب العمل والموظفين، اذا كان كلا الجانبين كرر حرفيا ما قاله الجانب الاخر قبل التحدث مع انفسهم، يتم التوصل إلى حل للنزاعات 50% اسرع.
2. انظر للانسان رغم كل شيء:
الخطوة الثانية هي لتعميق العاطفة والاهتمام بالاخرين من خلال تطوير وعي بهؤلاء الافراد الذين يختبئون خلف اسطح حياتنا اليومية، والذين قد يكون لنا اعتماد عليهم بطريقة ما. هناك منهج بوذي يخص هذه النقطة، وهو أن تقضي يوماً كاملاً تكون فيه منتبهاً ومفكراً بكل شخص له علاقة باحداث روتينك اليومي. لذلك عندما تحتسي قهوتك الصباحية، فكر بالاشخاص الذين التقطوا حبوب البن، وعندما تغلق ازرار قميصك، فكر من هم هؤلاء الذين ثبتوا هذه الازرار؟ أين هم في هذا العالم؟ كيف هي طبيعة حياتهم؟
ثم استمر بذلك طوال اليوم، ليصل هذا الفضول إلى من يقود القطار ومن يكنس ارض المكتب ومن يرتب رفوف السوبرماركت، مثل هكذا وعي عقلي من الممكن أن يشجع على العمل الجاد، سواء عن شراء القهوة او أن تصبح صديقا لعامل تنظيف المكتب.
“برتولت بريشت” كتب قصيده رائعه عن هذا تدعى ” A Worker Reads History” ( العامل يقرا التاريخ)، والتي تبدا بـ:
من بنى البوابات السبعه للطيبات؟
الكتب تمتلئ باسماء الملوك
هل كان الملوك هم الذين سحبوا الكتل الصخريه الكبيره من الحجر؟
3. أن تصبح فضولياً تجاه الغرباء:
اعتدت أن اتجاوز بطريقي رجلاً مشرداً يتواجد بالقرب من زاوية حيث انا أسكن في اوكسفورد ولم انتبه له اطلاقاً. يوماً ما توقفت لمحادثته، فتبين أن اسمه كان “الن هيومان”. ولديه شهادة فلسفة في السياسة والاقتصاد من جامعة اوكسفورد. فبنينا بعد ذلك صداقة تطورت على اساس اهتماماتنا المشتركة في أخلاق أرسطو وبيتزا الببروني. هذا اللقاء علمني أن اجراء حوار مع الغرباء يوسع من عقولنا العاطفية.
فلن نلتقي باشخاص رائعين وجذابين فحسب بل ايضاً نتحدى الافتراضات والتحيزات التي لدينا عن الاخرين بناء على مظهرهم، لهجاتهم أو خلفياتهم. يجب على كل شخص أن يستعيد فضول الطفولة.
عليك تجاوز الكلام السطحي وأحذر استجواب الناس. علينا أحترام نصيحة المؤرخ “ستادز تيركل” الذي دائما ما تحدث للناس خلال تنقله اليومي وهو يقول: “لا تكن مدققا وفاحصاً، بل كن مهتماً”.
هذه هي انواع المحادثات التي ستجدها تجري في اول “متحف عالمي للتعاطف”، الذي سيقام في بريطانيا في اواخرعام 2015 ومن ثم ينطلق إلى استراليا وبلدان اخرى.
من بين المعارض الغير عادية ستكون مكتبة الانسان، والتي بدلاً من أن تقترض كتابا فانك تقترض شخصا للمحادثة ربما مراهق سيخي او مستثمر مصرفي غير سعيد أو أب مثلي الجنس، بعبارة اخرى اصناف من الناس الذين قد لا تسمح لك الفرصه بان تلتقي بهم في حياتك الاعتيادية.
العاطفة هي حجر الاساس في العلاقات الانسانية الصحية. من الواضح الان أنه مع القليل من الجهود يستطيع الجميع استخدام امكاناتهم العاطفية. لذلك اصنع لنفسك مغامرة وانظر إلى العالم من عيون الاخرين.
المصدر: هنا