بقلم: الكاتبة والباحثة ليزا ريفيرو
في يوم شتوي بارد، تجمعت القنافذ مع بعضها البعض لتحمي نفسها من التجمد حتى الموت، بعد مدة أجبرها الألم من وخزات أشواكها على التفرق مرة أخرى وبعدها اضطروا إلى الاقتراب بسبب البرد، وبين البرد وألم الوخز استمروا على هذه الحال حتى وجدوا المسافة الآمنة التي تضمن لهم الدفء بعيدا عن الألم. في أواسط القرن التاسع عشر، قام الفيلسوف الشهير آرثر شوبنهاور بنشر مثال القنفذ أو حيوان النيص، كطريقة لوصف المعضلة التي تواجه الإنسان بين حبه للتواصل مع الآخر وخوفه من الأذى.
في عام 1921 أشار سيجموند فرويد في مجموعة أبحاثه ومناقشاته حول ازدواجية الشعور وتحليل الأنا إلى معضلة القنفذ الكامنة في علاقات الإنسان طويلة الأمد. وكما لخص احد أبطال مسلسلات الكرتون المشهورة بقوله ” كلما اقتربنا أكثر كلما جرحنا بشكل أعمق” في القرن الواحد والعشرين يمكننا أن نرى معضلة القنفذ بوضوح، خصوصا في عالم وسائل التواصل . سحر وسائل التواصل الاجتماعي لطالما كنت أحب الاستيقاظ باكرا، قبل شروق الشمس حوالي الساعة 4:45 كل يوم، قبل أن يبدأ الكثيرون بالنوم العميق، إنه أفضل وأكثر الأوقات إنتاجية لدي وكل ما أفعله في هذه الساعات الأولى أفعله بكفاءة عالية. فكيف أقضي هذا الوقت الثمين؟ غالبا ما أقرأ بريدي الالكتروني وأرد عليه، أفتح حسابي على فيسبوك لأقرأ وأشاهد ما يفعله الآخرون في حياتهم، أغرد في تويتر وأطلع بعضا من المدونات التي أفضلها. هل أغلق المتصفح بعدها وأبدأ بالعمل والكتابة؟ لا، غالبا ما أعيد فعل هذه الأشياء مرارا وتكرارا. يمكن أن نعتبر وسائل التواصل الاجتماعي غرفة جلوس افتراضية كبيرة، يسكنها الكتّاب وغيرهم ممن يحتاج خلق علاقة مريحة مع ذواتهم أو البقاء وحدهم أطول وقت ممكن.
والمشكلة أقرب ما تكون كما وصفتها فرجينيا وولف في مقالها ” غرفة يمتلكها شخص واحد ” ” إذا كتبت امرأة، فغالبا ستكون قد كتبت في غرفة الجلوس وكما كانت تشتكي الآنسة نايتنغنيل دوما “لا تملك النساء نصف ساعة لهن وحدهن .. دائما يتم ازعاجهن” بقيت جين أوستن تكتب حتى آخر أيام حياتها ويقول ابن أخيها في مذكراته مندهشا منها ” كيف استطاعت فعل كل هذا ” لم تملك خططا وتنظيمات ومعظم ما أنجزته في حياتها تم في غرفة الجلوس .. حيث كل أنواع الإزعاج ” على أية حال، نحن الآن ندخل وسائل التواصل الاجتماعي أو ” غرفة الجلوس الافتراضية” للحصول على مساحتنا الخاصة وغالبا ما نبقى فيها وقتا أطول مما خططنا له، ونحدث أنفسنا بأن كلما نفعله ليس مضيعة للوقت إنما جزء من عملنا وبنائنا لمنصاتنا الخاصة، وهذا لا يخلو أبدا من الصحة، على سبيل المثال؛ الكتّاب اليوم يجب أن يكثفوا حضورهم على مواقع الانترنت والمدونات والتويتر وفيسبوك قبل أن يبدأو بطباعة ونشر أعمالهم، وحتى الكتاب الذي بدأوا بنشر أعمالهم فعلا يتوقع منهم أن يبنوا شبكة قراء الكترونية واسعة تساعدهم على تسويق كتبهم. إلى الآن يبدو الأمر جيدا، ولكننا ننسى أحيانا أن الفرص التي تقدمها لنا وسائل التواصل الاجتماعي لها ثمن،وهو الحرمان من تجربة الكتابة بانفراد وتحرر من جميع أنواع المقاطعات والإزعاج، هذا التدريب الذي نحتاجه لإتمام الكتاب لذي نود طباعته يوما. هل ستشارك أم ستنسحب؟ دائما ما أستمر بإلهاء عقلي عن وسائل التواصل الاجتماعي، أحاول اكتشاف القدر المريح والمناسب من المشاركة فيها، القدر الذي يمكنني من الاستمتاع وتحقيق أهدافي في ذات الوقت. أتعمد استعمال كلمة مريح خصوصا للأشخاص الذين تشكل وسائل التواصل جزءا من وقتهم الشخصي والمهني. إن اتساع دائرة خيارات وسائل التواصل من تويتر إلى لينكدإن , جودريدز إلى جوجل، يمكنه حقا أن يكون سببا في عدم الراحة ولكنه في ذات الوقت مصدر سريع للحصول على المعلومة والاستمتاع بالوقت. هذا الإزعاج مرتبط دوما بالانطوائيين والمرهقين من الضجيج وهميا كان أم غيره.
أنا لا أسعى لإلغاء وسائل التواصل ولا أتمنى العدة لأيام ما قبل الانترنت، على العكس؛ إني وبشكل يومي مندهشة ومقدرة لكل ما قدمته وسائل التواصل لابني والطلاب على الصعيدين المجتمعي والإعلامي. في الحقيقة بإمكان وسائل التواصل أن تقودنا إلى تواصل حقيقي غير افتراضي، على سبيل المثال؛ السنة الماضية ومن منشور فيسبوك اكتشفت أن الكاتبة ميلووكي والتي اعرفها عبر المدونات قد تشارك أولادنا سنوات عديدة في مسرح الطفل المحلي وقد عمل زوجانا سويا لمدة تزيد عن خمس وعشرين عاما، تقاطعت دوائرنا في فضاء الانترنت الشاسع وأفضى ذلك الى لا شخصي يحمل الكثير من المعاني والعواطف. مشكلتي ليست وسائل التواصل بحد ذاتها، بل تكمن المشكلة في ذاتي وكيف استخدامها لها. الى الآن يتلخص موقفي في محاولتي للانسحاب منها والإقلاع عن هوس تجربة كل برنامج تواصل جديد. إنه الوقت المناسب لي ” للمشاركة” والدخول إلى مواقع التواصل الاجتماعي المفيدة لي حقا. نيكولاس كارفي كتابه the shallows ذكر بدايات تأليفه للكتاب ” كنت اكتب بشكل متقطع” تماما ككتابة المدونات الالكترونية، ولإتمام الكتاب احتاج نيكولاس أن يوقف مشاركته على الانترنت” ” لم تكن هنالك تغطية لشبكات المحمول في بيتي الجديد،والانترنت يصلني من خلال اتصال Dsl عطلت حسابي على توتير وتوقفت عن استخدم الفيسبوك والمدونة ، أغلقت القارئ الالكتروني وقلصت استخدامي للسكايب.
عدت لاستخدام البريد الالكتروني ، لقد مضى وقت طويل عليه حيث أني كنت أتفقده كل دقيقة، أما الآن فأنا أتفقده كل ساعة وعندما بدأ البريد الالكتروني بإلهائي قمت بإغلاق البرنامج لعدة أيام” المثير للاهتمام، أن نيكولاس بعد إنهائه للكتاب عاد بسرعة إلى عاداته في التصفح والتدوين الالكتروني، كم من الصعب مقاومة نغمة وصول رسالة جديدة أو بريد ! وكما شوبنهاور ونيكولاس في نهاية الأمر، يدعوني هذا للتشاؤم لأني أرغب حقا لو كنا نملك سيطرة اكبر على أنفسنا ووقتنا و خياراتنا. إن مقال lev Grossman في مجلة TIME عن الروائي جوناثان فرانزن – هو المقال الأفضل لكل من يسعى لخلق علاقة جديدة متوازنة مع التكنولوجيا ووسائل التواصل.
” يعمل فرانزن في مكتب مؤجر كان قد أزال منه كل ما يمكن أن يلهيه، يستعمل حاسبوا محمولا ثقيلا ومهملا كان قد مسح منه جميع الالعاب والمسليات وصولا إلى قطعه عن الانترنت. يؤمن فرانزن أنه لا يمكن أن يكتب أدبا حقيقيا على حاسوب موصل بالانترنت، لم يكتفي بإزالة شريحة الانترنت بل أغلق منفذها كذلك، يردد فرانزن ” كل ما عليك فعله هو توصيل كيبل الانترنت ولن يرتفع رأسك أبدا عن الحاسوب” يكمل المقال : ” القراءة، في هدوئها وتركيزها المطردين تمثل الضد الحقيقي للانشغال والانزعاج، يقول فرانزن ” نحن مشتتون بسبب اجتياح التكنولوجيا التي صنعناها لحياتنا، مشتتون بسبب وابل المعلومات الكثيف التي تتعرض له عقولنا ، والآن وأكثر من أي وقت مضى، سيكون من الرائع والمفيد أن تزج نفسك أحيانا بين دفتي كتاب، المكان الأكثر طمأنينة وسكينة لتبدأ بالكتابة والقراءة بجدية، إنه المكان الذي يعطيك القدرة على اتخاذ قرارات مسؤولة ومهمة، المكان الذي يقويك على الارتباط بعالم مخيف وأهوج كعالمنا” السؤال الأهم الذي تطرحه معضلة القنفذ حول أعمالنا وحياتنا عبر الانترنت هو مدى استخدامنا لوسائل التواصل الاجتماعي من مسافة الأمان التي تجنبنا أضرارها وتمنحنا علاقات أقرب مع الآخرين وعلاقة أكثر هدوءا وعمقا مع أنفسنا . والأفضل هم من يبدعون طرقا لتقليل هوسهم بالتكنولوجيا والعثور على السكينة التي من الصعب إيجادها في مثل هذا الوقت . أجل هذا صعب، ولكنه ليس مستحيلا.
المصدر: هنا