قراءة في كتاب: في عصر أديسون: الضوء الكهربائي واختراع امريكا الحديثة
بقلم: ميشيل ليغرو
هذا الكتاب هو لمحة تاريخية عن إعطاء الناس ما يريدون.
في عام 1880 تم تحويل قطعة صغيرة من برودواي وبالتحديد من ميدان ماديسون الى ميدان الاتحاد لتتحول الى”الطريق الابيض العظيم”وذلك عندما تم تشغيل ثلاثة وعشرون قوساً من المصابيح عند حلول الظلام وقد احترقت تلك المصابيح عند شروق الشمس لليوم التالي.
لقد كان الضوء امراً مثيراً، فقد كتبت النيويورك تايمز :
الخطوط البيضاء الكبيرة تنعكس من المتاجر والرخام، ورغم الفوضى في الأسلاك التي لا تُطاق وحشدٌ من السيارات المتحركة تتعدى فوقها، لكن تم جلب الانارة بدقة. النساء قمن بحماية انفسهن من الضوء باستخدام المظلات. يصف أحد الاشخاص المشهد برعب قائلاً: “بدا الناس مرتعبين، كأن الكثير من الأشباح ترفرف حول المكان.”
في عصر أديسون:الضوء الكهربائي واختراع امريكا الحديثة هو كتاب لارنست فريبيرغ يرى فيه أن الضوء الكهربائي لم يكن مجرد اختراع للمصباح الكهربائي بل كان ادخال تجربة جديدة للحياة، إنها تجربة الاضاءة.
توماس اديسون لم يكن اول من اخترع المصباح الكهربائي بل كان الضوء موجوداً منذ مطلع القرن التاسع عشر بواسطة السير همفري ديفي والذي اضاء اول قوس كهربائي في الجمعية الملكية البريطانية عام 1810 عندما انطلق الضوء لاول مرة بين قضيبي كاربون. كان ضوء ديفي لفترة وجيزة لكن تاثيره كان رائعاً ومثيراً، فلقد قدّم للعالم امكانية نشر الضوء على نطاق واسع.
كانت الاضواء الكهربائية لأديسون قوية وفعالة وكانت تُسمّى الابراج التي تحمل الاضاءة”ابراج ضوء القمر” وكان حجم البرج الكهربائي بحجم ابراج الهاتف المحمول حديثاً، ينطلق منها ضوء ابيض وهّاج.
كان اديسون يُمثّل رمزاً لكامل عمّال مصنعه: مئات من المهندسين وبراءات الاختراع، جبل من المواد المهملة، آلاف الوعود والبدايات الخاطئة، الملايين من الدولارات كارباح موعودة وهيمنة كاملة على السوق لو تحقق الحلم.
كانت اختراعات اديسون على مراى ومسمع من الجمهور وأنه فاتح ابواب مختبره في مينلو بارك ، وكان يقول انه على استعداد للكشف عن الدرجة الاخرى في سلّم التقدم الانساني، الا أنه كان يحبس انفاسه عندما تشكك الصحف في كفاءة اختراعاته. لقد كانت الاخبار القادمة من مينلو بارك مثلها مثل الاخبار من كوبرتينو* اليوم او من مختبرات بيل في منتصف القرن العشرين ، هي اخبار يمكن ان تؤثر على سوق الاوراق المالية على نطاق واسع.
في اواخر عام 1879 افتتح اديسون ابواب معمله لتقديم نموذج جديد، نموذجه الجديد كان قادرا على الصمود اما الاحتراق لمدة تصل لثلاثمائة ساعة.
لقد وصفت احدى الصحف وقتها مصباح اديسون بانه”مقتطف صغير من أشعة الشمس والتي تنتج ضوء جميل وبرّاق ، انه مثل وهج يانع في غروب شمس على شاطئ ايطالي”واشارت الصحيفة نفسها الى ان مصابيح اديسون ليست كالاضاءة التي كانت معتمدة منذ الاف السنين على الخشب او الشحم او الغاز او الفحم، حيث لم يكن هناك دخان وكان الضوء لا يومض ولا يستهلك الهواء ولا يمتلك اية رائحة او لون.
كانت المدن والبلدات تتلهف لتجربة الضوء الجديد وكان مصباح اديسون المتوهج اكثر لمعانا من ضوء القمر. لقد ابتكر اديسون نظام اضاءة في سلسلة من المصابيح المتوهجة يقودها داينمو كبير، كان احتراق احد المصابيح لا يؤثر على منظومة الاضاءة كلها. لقد كان اديسون مدمن اضاءة ، رغم ذلك، كانت له افكار بصنع شبكة من خطوط التلغراف وخطوط الهاتف واجهزة الانذار المرتبطة بالشرطة والتي تنتشر عبر المدينة كلها.
كان التحول الكبير من الظلمات الى النور في القرن التاسع عشر لا يعود الى اختراع المصباح فقط، بل الى اختراع تجربة الاضاءة التي ابهرت الناس على نطاق واسع. لقد اصبحت اضاءة غرفة بصورة جيدة، او شوارع تتالق بالضوء، او ابنية تتراشق بالاضاءة، لم تعد بدعة. لقد اصبح الرجال والنساء يلتقون الى وقت متاخر في الليل بسبب الاضاءة. ان اضاءة ثابتة يعني يوم عمل اطول، سواء بدافع الحاجة الاقتصادية او لاسباب اخرى.
إضاءة العالم اوجدت تحولاً في المجال الادبي ايضا، فمع المزيد من الناس التي تخرج في الليل، كان هناك المزيد من القصص للتغطية، والمزيد من الحيوات تتكشف. بدات الصحف بنشر طبعات يومية متعددة، لان الجمهور اصبح متوفرا، كما تبلورت الافكار عن العمل على مدار 24 ساعة وصارت افكاراً مالوفة.
عصر اديسون هي قصة اختراع وقصة تجربة، إنه سباق لاضاءة امريكا ليست بهدف الاضاءة فقط بل لتكون الافضل والاذكى. لقد سادت مصابيح اديسون لانها اعطتنا ضوء اجمل، ودراية جديدة تماماً.
*كوبرتينو: مختبر شهير في كاليفورنيا
المصدر: هنا