بالمقارنة مع الكثير من الأنواع الأخرى، جميع البشر يملكون خريطة جينوم متشابهة بشكل لايصدّق. مع ذلك، فأنّ الأختلافات الطفيفة في الجينات والبيئات التي يعيش فيها الأنسان، قد تكون مسؤولة على تطور بعض الصفات التي تجعلنا مميزين. تتجلى هذه الأختلافات بالعادة في لون الشعر، الطول وهيكل الوجه. لكن في بعض الأحيان، قد …يُطوّر شخص أو مجموعة من السكان، بعض الميزات التي تجعلهم متفردين بها عن بقية الجنس البشري. نأتي الى هذه الميزات بالترتيب:
1- عدم ارتفاع مستوى الكوليسترول:
في حين أنّ العديد منّا يخشى تجاوز الحد المتوسط في تناول الأطعمة المقليّة، لحم الخنزير المُملح، البيض أو أي طعام آخر ينتمي لقائمة (الأطعمة الرافعة لمستوى الكوليسترول)، فأنّ هناك القليل من الناس الذين بأستطاعتهم تناول كل هذه الأصناف من الأطعمة بدون أي خوف يُذكَر. في الحقيقة، وبغضّ النظر عن مقدار مايستهلكون، فأن الأمراض المُصاحبة لأرتفاع الكوليسترول والمرتبطة بأمراض القلب، لاتزال تقريباً غير موجودة لديهم.
هؤلاء الناس قد ولدوا وهم يملكون طفرة جينية. وبشكل أكثر تحديداً، فأنّهم يملكون نسخ معطّلة من جين يعرف بأسم (PCSK9). وفي الوقت الذي يكون فيه من السيء أنْ تولد وأنت فاقد لبعض الجينات، لكن يبدو أنّ هناك أثار أيجابية. بعد أن أكتشف العلماء العلاقة بين هذا الجين (وعدمه) ومستوى الكوليسترول خلال العشر سنوات الماضية، سارعت شركات الأدوية للعمل على صنع عقارات من شأنها أن تُثبّط عمل هذا الجين عند الأفراد الأخرين.
الدواء ينتظر حالياً موافقة مؤسسة الأغذية والأدوية (FDA)*. في التجارب المبكرة، فأنّ الأشخاص الذين تناولوا هذا الدواء، قد شهدوا أنخفاضاً في مستوى الكوليسترول الى أقل من 75%. حتى الآن، فأنّ العلماء لم يجدوا هذه الطفرة سوى عند بعض الأميركان الأفارقة، والذين يملكون فائدة تقدر بـ 90% في عدم الأصابة بأمراض القلب.
2- مقاومة فيروس نقص المناعة البشرية (أيدز):
تصادم كويكب، الأبادة النووية والتغيّر المتطرف في المناخ، كل هذه الأمور من الممكن لها أنْ تمحو الجنس البشري، وهذا غيض من فيض. ولعل أكثر الفيروسات ضراوة والتي تشكّل تهديداً مرعباً اذا ما أصابت مجموعة من السكان، فأن قلّة نادرة من الأشخاص، سوف يكونون في مأمن وتكتب لهم فرصة البقاء على قيد الحياة. ومن حسن الحظ، إننا نعلم أنّ هناك بعض الأشخاص يملكون مناعة ضد فيروسات معينة.
لنأخذ فيروس نقص المناعة البشرية (HIV) كمثال على ذلك. بعض الناس يملكون طفرة جينية تقوم بتعطيل نسختهم من بروتين CCR5. فيروس (HIV) يستخدم هذا البروتين كبوابة للدخول للخلايا البشرية. لذا، فأن فقدان بعض الأشخاص لهذا البروتين، يجعلهم في مأمن من دخول هذا الفيروس الى خلاياهم، بالتالي مقاومة ضد هذا الفيروس.
يقول العلماء ان الأشخاص الذين يحملون هذه الطفرة، هم في الحقيقة يملكون مقاومة أكثر من كونها مناعة ضد فيروس (HIV)، فأن بعض الأفراد الذين لايملكون هذا البروتين، قد أصيبوا بالفيروس وماتوا على أثره.
ولكن على مايبدو، فقد برزت انواع غير عادية من فيروس (HIV) تستخدم بروتينات أخرى كبوابة للدخول للخلايا البشرية. هذا النوع من المكر الفيروسي، هو السبب في خوفنا وهلعنا منها. الناس الذين يملكون نسختين معطلتين من هذا الجين، يكونون أكثر مناعة ضد فيروس (HIV)، هؤلاء الناس يشكلون نسبة 1% من القوقازيين، والذين يعتبرون من أكثر الأعراق نُدرة.
3– مقاومة الملاريا:
أولئك الذين يملكون مناعة عالية ضد الملاريا، فأنّهم يحملون مرض أخر قاتل يدعى بفقر الدم المنجلي. بالطبع، لا أحد يملك القدرة على مراوغة الملاريا، فقط أذا أراد أن يموت قبل أوانه عن طريق خلايا الدم التالفة. ولكن هناك حالة واحدة، وهي أمتلاك جين ضد فقر الدم المنجلي، والذي سيؤتي بثماره. ولكي نفهم كيف يعمل هذا الجين، فلابد من معرفة اساسيات كل مرض.
الملاريا هو نوع من الطفيليات المحمولة عن طريق البعوض والتي تسبب مقتل أكثر من (600,000) شخص كل سنة، أو على أقل تقدير، تجعله يشعر وكأنه على شفا حفرة من الموت. مبدأ عمل الملاريا القذر هو، الدخول الى خلايا الدم الحمراء وأستنساخ نفسها. بعد عدة أيام، تنفجر أعداد مأهولة من طفيليات الملاريا الجديدة في الدم، والتي تعمل على تدمير خلايا الدم الحمراء الأخرى. وتستمر هذه الدورة حتى يتم أيقاف هذه الطفيليات عن طريق العلاج، وسائل الجسم الدفاعية، أو الموت. هذه العملية تسبب نقصاً في خلايا الدم، وضعف في أداء الرئتين والكبد، كما أنّها تسبب زيادة في تخثر الدم، والتي قد تؤدي الى حصول غيبوبة.
فقر الدم المنجلي يُسبّب تغيّرات في شكل وتركيب خلايا الدم الحمراء، مما يسبب صعوبة في التدفق خلال مجرى الدم، وكفائة قليلة في حمل الأوكسجين.وبسب تحوّر خلايا الدم، فأنها تقوم بخلط طفيل الملاريا وتجعل من الصعب عليه أن يخترق خلايا الدم، لذا فأن المصابين بالخلايا المنجلية، يملكون مناعة طبيعية ضد الملاريا.
يمكنك الحصول على فائدة مقاومة الملاريا دون الحاجة فعلياً للخلايا المنجلية. طالما كنت حاملاً لجين الخلايا المنجلية. ولكي يحصل الشخص على فقر الدم المنجلي، فأنّ عليه أن يرث نسختين من الجين المتحور ، واحد من كلا الوالدين. أما اذا كانوا يملكون جيناً متحوراً واحداً فقط، فأن لديهم مايكفي من الهيموغلوبين غير الطبيعي لمقاومة الملاريا. وبسبب الحماية القوية ضد مرض الملاريا، أصبح فقر الدم المنجلي ينتشر بصورة طبيعية في الأماكن التي ينتشر فيها الملاريا، حيث ان نسبة الحاملين لهذه الطفرة تصل الى 10-40 %.
4– تحمّل البرودة:
قبائل الأسكيمو وغيرهم من السكان الذين يعيشون في بيئات شديدة البرودة قد تطبّعوا على ذلك النوع من الحياة القاسية. هل تعلّم الناس ببساطة كيفية البقاء على قيد الحياة تحت تلك الظروف؟ او لأنهم يملكون نوعاً من صفات بايلوجية مختلفة؟
سكّان المناطق الباردة يملكون استجابات فسيولوجية واطئة لدرجات الحرارة المنخفضة بالمقارنة مع السكّان الذين يعيشون في بيئات أكثر اعتدالاً. ويبدو أنّه من الممكن أن يكون هناك بعض التعديلات الجينية. لأنه حتى لو أنّ شخصاً ما قد ذهب ليسكن في تلك المناطق، فإنّ جسمه لن يصل الى نفس درجة التطبّع التي يملكها السكان الأصليين الذين عاشوا في تلك البيئة منذ أجيال عديدة. على سبيل المثال، وجد الباحثون أن سكّان منطقة سيبيريا الأصليين يملكون تطبّعاً أفضل من السكّان الروس غير الأصليين والذين يعيشون في مجتمع واحد.
الناس الذين يسكنون في المناخات الباردة، يملكون مستوى قاعدي عالٍ من معدلات الأيض الغذائي (اعلى بحوالي 50%) من أولئك الذين أعتادوا السكن في المناطق المعتدلة. أيضاً، بأمكانهم الحفاظ جيداً على درجة حرارة أجسامهم دون أن يرتجفوا مع نسبة قليلة من أفرازات الغدّة العَرَقية في الجسم ونسبة كثيرة في الوجه. في أحدى الدراسات، أختبر الباحثون أعراق مختلفة لمعرفة تأثير درجة الحرارة على الجلد عند التعرض للبرد. حيث وجدوا أن سكان الأسكيمو قد سجّلوا علامات عالية في الحفاظ على درجة حرارة الجلد من أي مجموعة أخرى، يليهم سكان اميركا الأصليين.
هذا النوع من التطبّع (التعديل الجيني) يوضح ولو جزئياً قدرة سكان أستراليا الأصليين على النوم في العراء في الليالي الباردة من دون مأوى ولا ملابس من دون أن تُسبب لهم أي آثار سيئة، وقدرة سكان الأسكيمو على عيش حياتهم في درجات تحت الصفر. جسم الأنسان أكثر تكيّف الى الحرارة منه الى البرودة، أنّه بديل رائع للناس الذين يعيشون في المناطق الباردة.
المصدر: هنا