5– العيش في الأماكن المرتفعة:
هناك بعض الشك في أنّ سكان التبت والنيبال، متفوقين جسدياً على الأخرين من حيث قدرتهم على العيش في البيئات المرتفعة. ماهو بالضبط ذلك الشي الذي يسمح لهم بالعمل والعيش في ظروف الأوكسجين المنضب. في المقابل، فأن هناك بعض الناس تناضل من أجل الأستمرار في العيش؟سكان التبت يعيشون في مناطق تكون على ارتفاع 4000 متر (13000 قدم) وقد أعتادوا على تنفّس الهواء الحاوي على نسبة 40% من الأوكسجين فقط وهو الأقل نسبة من الأوكسجين الموجود في مستوى سطح البحر. وبمرور القرون، عوّضت أجسادهم هذا النقص في الأوكسجين وتكيّفت معه من خلال تطوير صدور بحجم اكبر، ورِئات ذات كفائة عالية، والتي تمكّنهم من أستنشاق حجم أكبر من الأوكسجين في كل عملية شهيق.
وبعكس سكّان المناطق المنخفضة الذين ينتجون عدداً أكبر من خلايا الدم الحمراء عند أنخفاض مستوى الأوكسجين، فأنّ سكان المناطق العالية قاموا بتطوير العكس، فَهُمْ ينتجون القليل من خلايا الدم الحمراء. يعود هذا لأنّ زيادة عدد خلايا الدم الحمراء مؤقتاً، يسمح بدخول المزيد من الأوكسجين الى الجسم، ويجعل الدم أكثر سمكاً بمرور الوقت، والذي يؤدي الى تخثر الدم وأحتمال حدوث مضاعفات أخرى خطيرة. وعلى نحو مماثل، فأنّ قبيلة الشيربا لديهم تدفقاً أكبر للدم في أدمغتهم وهم أقل عرضة للمرض.
حتى لو سكن سكّان التبت في المناطق المنخفضة، فأنّهم لايزالون مُحافظين على هذه الصفات. ووجد بعض الباحثون أنّ هذه التعديلات لاتشكّل فروقاً مظهرية واضحة لدى حاملها (بعكس سكان المناطق المنخفضة) لكنها تبقى على شكل تعديلات وراثية فقط. أحدى هذه التغيّرات الجينية تحدث في منطقة بالحمض النووي DNA تعرف ب EPAS1، حيث أنّ الشفرة هنا تقوم بتنظيم عمل بروتين، يعمل هذا البروتين على كشف الأوكسجين والتحكم بأنتاج خلايا الدم الحمراء ويوضّح لنا لماذا لا يحدث لسكان التبت زيادة في انتاج خلايا الدم الحمراء عند نقص الأوكسجين، مثلما يحدث عند باقي البشر.
هان، المدينة الصينية المنخفضة بالنسبة لمستوى سطح البحر والتي يوجد فيها بعض من سكان التبت الذين لايحملون نفس المميزات التي يحملها أولئك الذين اعتادوا السكن في الأعالي. كِلا المجموعتين قد أنفصلتا عن بعض منذ مايقارب الـ 3000 سنة. مما يعني أنّ هذه التعديلات الجينية قد حدثت منذ 100 جيل لا أكثر، وهذه فترة قصيرة بالنسبة للتطور.
6– المناعة ضد أمراض الدماغ:
في حالة أردنا سبباً أخر لتجنّب عملية أفتراس البشر، فأنّ أكل البشر ليس خياراً صحيّاً أبداً. بعض من سكان قبيلة فور في غينيا الجديدة في منتصف القرن العشرين، قد عانوا من أنتشار وباء الكورو (kuru)، مرض قاتل ينتقل عند تناول لحوم البشر.الكورو هو أحد أمراض برايون (الأمراض التي تصيب الجهاز العصبي) مرتبط بمتلازمة (كروتزفيلد – جاكوب) عند البشر، والأعتلال الدماغي الأسفنجي (جنون البقر). مثل كل أمراض برايون، فمرض الكورو يُهلِك الدماغ ويملؤه بثقوب تشبه الأسفنج. يعاني المصاب من ضعف في الذاكرة، القدرة على التفكير والتغييرات الشخصية. بعض الأحيان، فأنّ الأشخاص المصابون بأمراض برايون، يعيشون لعدة سنوات. ولكن بالنسبة للمصابين بمرض كورو، فأنّهم غالباً مايموتون في نفس السنة التي تظهر فيها أعراض المرض. ومن المهم ملاحظة أنّ هذا المرض بالرغم من ندرته، فأنّ الأنسان قادر على أنْ يرثهُ. على أيَّ حال، فأنّ المرض ينتقل عن طريق أكل لحم شخص أو حيوان مصاب.
في البداية، لم يعرف الأنثروبولوجيين ولا الأطباء، لماذا ينتقل مرض كورو في عموم قبيلة فور. لكن في نهاية سنة 1950، تمّ أكتشاف أنّ عدوى المرض، تنتقل عند مراسيم الجنائز، حيث يعمد أبناء القبيلة على أستهلاك لحوم موتاهم لأظهار الأحترام، معظم النساء والأطفال يشاركون في حفل أكل لحوم البشر. نتيجة لذلك، كانوا هم من يُصابون بالغالب. لم يبقَ هناك أمرآة في القرى التي تسكنها قبائل فور، قبل حظر هذه الطقوس الجنائزية. إلاّ أنّ، ليس كل من أُصيب بمرض كورو قد توفّى بسببه. فبعض الناجين كانوا يمتلكون طفرة على مستوى الجين المسمى (G127V) والذي يضمن لهم المناعة من الأمراض التي تصيب الدماغ. حالياً، هذا الجين منتشر في عموم قبيلة فور والسكان المحيطين بهم. المثير للدهشة، أنّ مرض كورو قد برز في المنطقة بحدود سنة 1900. وإنّ هذه الحادثة هي من أقوى وأحدث الأمثلة التي تؤكّد وجود الأنتخاب الطبيعي لدى البشر.
7-الدم الذهبي:
بالرغم من أنّه تم إخبارنا بأن الدم من فصيلة O هو فصيلة عالمية بأمكان أي شخص أستلامها، لكن هذه ليست الحقيقة. في الواقع، فأنّ هذا النظام أكثر تعقيداً بقليل مما نتصور. ففي حين أنّ الكثير منا يملك معرفة بالأنواع الثمانية، والأساسية لتصنيف الدم (A,B,AB,O وكل منها موجود بالحالة الموجبة والسالبة)، حيث أنّ هناك أكثر من 35 من مجاميع أنظمة الدم، وبوجود ملايين الأختلافات في كل نظام.
الدم الذي لايصنف ضمن نظام (ABO) يُعتبر نادراً، وأولئك الذين يملكون مثل هذا النوع النادر، يجدون صعوبة في الحصول على متبرع في حالة أحتياجهم لنقل الدم. مع ذلك، فهناك أنواع دم نادرة. ففي الوقت الحاضر، اغرب انواع الدم هو ذاك الذي يعرف ب(RH null) وكما يوحي أسمه، فأنّه لايحوي أي مضادات في نظام الـ RH. ليس من غير المألوف رؤيتنا لبعض الأشخاص الذين لايملكون مضادات RH. على سبيل المثال، فأن الأشخاص الذين لايملكون مضاد (RH D)، يكون دمهم سالب (-A-, B-, or O). حيث أنّ من غير المألوف أنْ لايملك شخصاً مضاد RH. في الحقيقة، قد حسب الباحثون ما نسبته 40% من الناس يملكون دم بـ RH null.
مايجذب أنتباهنا في هذا النوع من الدم، هو تأثيره الكامل على صنف الدم (O) الذي يعتبر واهباً عاماً. فحتى ال (-O) لا يتوافق دائماً مع الأنواع السلبية النادرة من الدم. (RH null)، يعمل مع كل انواع الدم، وذلك لأنّ عند استلام الدم، تقوم أجسادنا برفض الدم الحاوي على مستضدات لانملكها، وبما أنّ الدم الحاوي على (RH null) لايملك مستضدات (RH A, B)، بالتالي بالأمكان اعطائه لأي أحد.
لسوء الحظ، فأنّه لايوجد سوى تسع أشخاص واهبين لهذا النوع من الدم في العالم، لذلك لايتم استخدامه إلاّ في الحالات القصوى، بسبب قلّة مصادره، وقيمته العالية كمنقذ للحياة. بعض الأطباء يطلقون على دم (RH null) أسم الدم الذهبي.أولئك الذين يملكون دم (RH null)، يكون وجودهم حلواً ومرّاً بنفس الوقت. فهم يعرفون بأن دمائهم هي المنقذ لكثير من أولئك الذين يملكون دماً نادراً. لكن في حالة أحتياجهم شخصياً للدم، فأنّ خياراتهم محدودة ومقتصرة في تسعة أشخاص في العالم فقط.!
المصدر: هنا