كتبه لمجلة ديسكفري: زيا ميرالي
منشور بتاريخ: 29/12/2014
ترجمة: أحمد طريف المدرس
تدقيق: مازن سفّان
تصميم الصورة: أسماء عبد محمد
هناك خيط رفيع بين أن يتم الترحيب بك كصاحب رؤية جديدة أو أن يتم إدانتك كمهرطق، و جيمي الخليلي الفيزيائي ذو الأصول العراقيّة يدرك ذلك جيدًا. جالسًا في مكتبه في جامعة ساري في المملكة المتحدة في يوم مشمس و يتذكر فترة كانت أقل هدوءاً في حياته المهنية قبل نحو 15 عامًا. في ذلك الوقت، قام هو وزميله في جامعة ساري، عالم الأحياء جونوج ماكفادين، باستكشاف آليّة غريبة لشرح كيفية حدوث طفرات في الحمض النووي وهو الجزيء الذي يحمل شيفرتنا الوراثيّة.
تسببت نظريتهم في ضجة لأنها استخدمت ميكانيكا الكم وهو فرع الفيزياء الذي يصف سلوك الجسيمات في الطبقة دون الذريّة. سلطت فكرتهم الضوء على أصل الطفرات الجينيّة، والتي أدت على مر القرون إلى اختلاف الأنواع في المملكة البيولوجيّة، وعلى المدى القصير يمكن أن تؤدي إلى تطور أمراض مثل السرطان. غير أن الاقتراح قد تعرض للسخرية، ثارت حفيطة علماء الأحياء والفيزيائيين بسبب أن التأثيرات الكموميّة يُفترض أنها لا تأثر إلا على أصغر المقاييس ولا تستطيع وصف الجزيئات البيولوجيّة الكبيرة نسبيًا.
يقول الخليلي: ‹‹حذرني كبار الزملاء في قسم الفيزياء من هذا البحث، قائلين أن هذا ليس مجرد أمل مبالغ به، بل إنه أمر سخيف، لقد أدركت منذ ذلك الحين أن بعض أفضل الأفكار تأتي من خواطر تبدو مجنونة، وإلا لن تكون جديدة ››
على الرغم من أن الخليلي وماكفادين لم يسموه على هذا النحو في ذلك الوقت، إلا أن ورقتهما كانت الأولى من نوعها في مجال البيولوجيا الكميّة المزدهر الآن. قد تكون القواعد الغريبة التي تتحكم في العالم دون الذري غير مفهومة، ولكن تم التحقق منها من خلال العديد من التجارب. ومع ذلك لم يجد أي فريق من المتخصصين في الفيزياء والبيولوجيين تلميحات إلى أن الطبيعة قد تستخدم هذه القواعد الكميّة أيضًا لتعزيز كفاءة المهام البيولوجيّة إلا في العقد الماضي.
إذا كان هذا صحيحًا، فيمكن للفيزيائيين الذين يكافحون من أجل الابتكار في المختبر، أن يأخذوا ورقة كميّة من كتاب الطبيعة ويتعلمون كيفيّة ابتكار آلات أفضل. بل الأكثر طموحًا وإثارة للجدل هو ما يزعمه البعض أن البيولوجيا الكميّة يمكن أن تُغيّر قواعد اللعبة في معالجة الأمراض الخطيرة. يقول الخليلي: ‹‹إن الغاية العليا لهذا البحث هي العثور على مدى تحفيز التأثيرات الكموميّة للعمليات البيولوجية ذات الصلة بالطب. بالنظر إلى المدى الطويل، إذا كانت هذه التأثيرات تكمن في آلية طفرات الدنا، فمن الممكن أن يسمح ذلك بإحراز تقدم حقيقي في علاج السرطان.››
نَمَت بذور اهتمام الخليلي بالبيولوجيا في ستينات القرن الماضي في بغداد، عندما أهداه والداه مجهرًا كهدية عيد الميلاد. في ذلك الوقت، كان علم الأحياء في أوج صعوده. في عام 1953، اكتشف علماء الفيزياء الحيوية بجامعة كامبريدج فرانسيس كريك وجيمس واتسون أن الحمض النووي يأخذ شكل حلزون مزدوج، أو سلم ملتوي. كان والدا الخليلي يأملان في أن يطوّر ابنهما اهتمامًا بهذا العلم الجديد المثير، لكنه كان مشغولًا جدًا بكرة القدم والموسيقى.
بعد سنوات قليلة و في سن الثالثة عشر وقع في الحب. ولكن ليس مع علم الأحياء ولكن مع الفيزياء، عندما أدرك أن الرياضيات يمكن أن تتوقع نتائج تجارب المدرسة الثانوية. وقال: ‹‹لقد فهمت فجأة أن الحس السليم هو الطريق للإجابة على أسئلة عميقة حول الطريقة التي تعمل بها الأشياء.››
ومن المفارقات الغريبة هنا هو أن حبه للمنطق هذا قد تم اختباره بشدة عند الحصول على درجة جامعية في الفيزياء في جامعة ساري، وعلم أنه على المستوى الأساسي حين يتم الاحتكام للقوانين الكموميّة، فإن القواعد اليومية تصبح مضيعة للوقت. الآن في الخمسينات من عمره، يضيء وجه الخليلي ويصبح متحمس كمراهق، يلوح بيده بإحباط أصابه عندما يتذكر مواجهته الأولى بميكانيكا الكم. على سبيل المثال، توضح ظاهرة التراكب أنه قبل أن تَرصُد، لا يوجد جسيم محدد في مكان معين. فقط عندما يتم قياس موضع الجسيم يتم تسويته عشوائيًا في مكان واحد. يقول الخليلي: ‹‹قيل لنا أشياء بجفاف وبرود شديد. لم يحبذ المحاضرون أن أسأل ما الذي يعنيه في الواقع أن نقول أن شيئًا ما يمكن أن يكون في مكانين في نفس الوقت.››
هناك ظاهرة غريبة أخرى محيّرة تعرف باسم النفق الكمومي؛ في المجال الميكروسكوبي، يمكن للجسيمات أن تنتقل عبر الحواجز والتي، من الناحية النظرية، لا ينبغي أن تكون لديها الطاقة اللازمة للوصول إليها. يتذكر الخليلي محاضره في محاولة لإلقاء الضوء على الموضوع من خلال شرحه: ‹‹يبدو الأمر كما لو كنت قادرًا على الصعود على هذا الجدار، وبدلًا من أن أصطدم به، سأبدو فجأة، سليمًا على الجانب الآخر››. يقول أن غرابة العالم الكمي لا تزال تحبطه.
على قدر ما تبدو غريبةً، فقد تم إثبات هذه الخصائص الكميّة مرارًا وتكرارًا في المختبر، حيث اكتشف الخليلي، عندما تخصص لاحقًا في الفيزياء النوويّة، دراسة الجسيمات داخل الذرة. وبحلول منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، عندما كان الخليلي يبني بدايات مسيرته المهنية، كان الفيزيائيون يشعرون بارتياح شديد تجاه السلوك الغريب للأجسام الكموميّة حيث بدأوا يفكرون في استغلالها لبناء آلات قوية.
في حين أن أجهزة الكمبيوتر الحديثة تقوم بمعالجة المعلومات المشفرة في الأرقام الثنائية (أو البتات) التي تأخذ قيمة إما 0 أو 1 أدرك الفيزيائيون أن ما يسمى بالحواسيب الكمومية يمكن أن يخزن المعلومات في “الكويبت” التي يمكن أن توجد في التراكب، في وقت واحد على حد سواء 0 و 1. إذا كان من الممكن أن يتم تجميع عدة كويبات، فمن الممكن بناء معالج كمومي يقوم بإجراء عمليات حسابية بسرعات لا يمكن تصورها بشكلٍ أسرع من الأجهزة القياسية. على سبيل المثال، بينما تبحث أجهزة الكمبيوتر الحالية عبر قواعد البيانات من خلال فحص كل إدخال على حدة، يمكن للكمبيوتر الكمومي النظر في جميع المشاركات في وقت واحد.
بيد أن الفكرة القائلة بأن النباتات والحيوانات ربما كانت تقوم بالفعل بعمليات كميّة فائقة السرعة في خلاياها الخاصة لم تمر بذهن أي من الفيزيائيين أو البيولوجيين بشكلٍ جديّ، على الرغم من أن الخلايا تتكون من ذرات، وعلى مستوى أساسي، تخضع الذرات لميكانيك الكم. وكان السبب الرئيسي في ذلك هو أنه كلما رصد العاملون على أجهزة الكمبيوتر الكمية العملية، فإن التأثيرات الكمومية تصبح هشة للغاية. وللحفاظ على التراكب في المختبر، يحتاج الفيزيائيون إلى تبريد أنظمتهم إلى الصفر المطلق، وهو أدنى درجة حرارة ممكنة، لأن الحرارة يمكن أن تدمر الخصائص الكمومية. لذا ظهر أن هناك احتمال ضئيل بأن هذه الخصائص الكمية يمكن أن تبقى في درجات الحرارة المعتدلة داخل الخلايا الحية.
ولكن في أواخر التسعينات، أدرك الخليلي أن هذا الافتراض ربما كان متسرعًا للغاية عندما التقى لأول مرة بماكفادين، الذي قدم له لغز بيولوجي قد يتطلب حله مساعدة كمومية.
في ذلك الوقت، أراد ماكفادين، وهو عضو في قسم البيولوجيا في ساري، سؤال الفيزيائيين للحصول على المشورة حول كيفية التعامل مع لغز فيما يتعلق بطفرات الحمض النووي. كان هو وزملاؤه يحققون في التركيب الوراثي لقرين غير قاتل لـ (بكتيريا السل الفطرية)، البكتريا التي تسبب مرض السل، ووجدوا أنه في ظروف خاصة عند احتجاز هذه البكتريا في ظروف خالية تقريبًا من الأكسجين حدثت طفرات للبكتيريا جعلتها مقاومة بشكلٍ كبير. ما أدهش الفريق هو أن هذه الطفرة بالذات كانت تحدث بمعدل أكثر تواترًا من الطفرات الأخرى.
لقد تعلم ماكفادن، مثل جميع علماء الأحياء الجيدين أنه لا ينبغي أن يحدث مثل هذا التركيز على نوع من الطفرات. إن الاعتقاد المركزي القائم منذ القرن التاسع عشر، عندما صاغ تشارلز داروين الفكرة القائلة أن الطفرات تخلق التنوع الوراثي اللازم لتطور الأنواع، هي أن جميع الطفرات يجب أن تحدث بشكل عشوائي. لا ينبغي أن يحدث نوع واحد من الطفرات بتواتر أكثر من الطفرات الأخرى، بغض النظر عن البيئة. قد تكون بعض الطفرات مفيدة، ولكن لا ينبغي للظروف البيئية نفسها أن تلعب دورًا في معدل أي طفرة جينية معينة؛ التطور أعمى. ومع ذلك بدا فريق مكفادين أنه وجد حالة تتحدى النظرية التطوريّة المعياريّة، حيث يبدو أن نقص الأوكسجين في بيئة التجربة يؤدي إلى زيادة نوع واحد من الطفرات على الأنواع الأخرى.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يسمع فيها عن هذه النتائج المثيرة للجدل. قبل عقد من الزمان في عام 1988 نشرت مجموعة من علماء الأحياء الجزيئية بقيادة جون كيرنز في كلية هارفارد للصحة العامة نتائج مذهلة تظهر طفرات تكيفية مماثلة. عندما ينشر الفريق سلالة من الإشريكية القولونية التي لا تستطيع هضم اللاكتوز على صفيحة أجار و التي كان مصدر غذائها الوحيد هو اللاكتوز، وجدوا أن البكتيريا طوّرت الطفرة اللازمة لهضم السكر بمعدل أسرع بكثير مما كان متوقعًا وبذلك تكون الطفرة قد حدثت على نحو عشوائي. بدا الأمر وكأن هذا التكيف قد نتج بطريقة ما عن البيئة. يقول ماكفادين: ‹‹كانت الدراسة هرطقة تامة بالمعنى الدارويني. ومع ذلك تم احترام التجارب بما فيه الكفاية ليتم نشرها في مجلة نيتشر المرموقة.››
في بحثه عن آلية محتملة يمكن أن تشرح كيف يمكن للبيئة أن تفعل ذلك تحول ذهن مكفادين إلى حسابات تبسيط العلوم كان قد قرأها عن الحوسبة الكمومية التي أوضحت كيف يمكن للتراكب الإسراع بشكل كبير في العمليات البطيئة. مع هذه الفكرة الغامضة، سأل مكفادين قسم الفيزياء بجامعته إذا كانت العمليات الكمية قد تفسر التكيف مع مرض السل. لم يرحب جمهوره بالفكرة. ‹‹معظم الفيزيائيين من زملائي اعتقدوا أنه طرح ساذج، والتفكير بأن التأثيرات الكموميّة قد تلعب دورًا في الطفرات التكيفيّة كان أمرًا سخيفًا›› هذا ما قاله الخليلي.
ومع ذلك، فإن الخليلي الذي لم يكن غريبًا عن الأسئلة المحرجة المحتملة، فقد كان مفتونًا بما فيه الكفاية لمناقشة المشكلة. يضحك الخليلي قائلاً: ‹‹لا تتخيل أننا جلسنا مع بعض وكان لدينا الرؤيا العظيمة لاكتشاف مجال جديد في البيولوجيا الكمومية. حقًا لقد استمتعنا باللقاء مرة واحدة في الأسبوع في ستاربكس للدردشة من خلال أشياء وجدناها رائعة.›› على مدار عام، قاموا بابتداع نظرية باستخدام آليات الكم لشرح كيفية حدوث الطفرات التكيفية.
يتطلب تركيب سلم دنا الملتوي مجموعات من الروابط الهيدروجينية للاحتفاظ بها مجتمعة، كل رابطة تتكون أساسًا من ذرة هيدروجين واحدة تجمع جزيئين. هذا يعني أنه في بعض الأحيان يمكن أن تحدد ذرة واحدة ما إذا كان الجين يتعرض للطفرات. وتكون الذرات المفردة عرضة لغموض الكم. عادةً ما تكون الذرة المنفردة أقرب إلى جزيء في أحد جوانب سلم الحمض النووي أكثر من الآخر. وأعاد الخليلي وماكفادين اقتراحًا منسيًا يرجع إلى عام 1963؛ يقترح أن الحمض النووي يتحوّل عندما تكون الأنفاق الكميّة لذرة الهيدروجين هذه، كميًّا، إلى النصف الخاطئ. و بنى الرجلان نظريتهما على هذا و بفضل خاصية التراكب، قبل أن يتم رصد إذا ما كانت الذرة في وقت واحد في حالة متحولة وغير متحولة(طافرة وغير طافرة) أي أنها ستجلس على جانبي الدرجات في نفس الوقت.
في حالة في حالة الإشريكية القولونية سريعة التأقلم فإن ذلك يقابل الحمض النووي الخاص بها الذي يتم إعداده لكلا حالتي البكتيريا التي تتمكن من تناول اللاكتوز وكذلك الغير قادرة على تناول اللاكتوز. حلل الخليلي وماكفادين حسابيًا التفاعلات بين ذرة الهيدروجين المفردة في دنا الجراثيم وجزيئات اللاكتوز المحيطة به. إن وجود جزيئات السكر التي تحفز الذرة لها تأثير “راصد” لها، كما يقولون، يدفع الهيدروجين إلى التموضع في موضع واحد، مثلما سيؤدي قياس حالة أي جسيم كمومي إلى إنهياره إلى موقع معين. و ما هو أكثر من ذلك، أظهرت حساباتهم أن الطفرة التي من شأنها تمكين الإشريكية القولونيّة من هضم اللاكتوز ستحدث بمعدل أسرع من حالة عدم وجود السكر. يقول الخليلي: ‹‹كان يلوح لنا لكننا كنا نتنبه إلى أن شيئًا كميًّا يحدث على مستوى الحمض النووي. وانضم هو ومكفادين إلى مجموعة صغيرة من المنشقين الذين تجرأوا على ربط علم الأحياء والفيزياء الكمية.
لم يقتنع الجميع. نصح العديد من زملاء الخليلي بترك مهمته، بحجة أنه لم تظهر أية تجارب نهائية على أن التأثيرات الكموميّة تلعب دورًا في الجزيئات البيولوجية. نظرًا لحالة التصوير البيولوجي في ذلك الوقت، بدا التحقق من النظرية مستحيلا. في هذه الأثناء، كانت دراسة عيّنة الإشريكية القولونية الأصليّة في كيرنز تخضع أيضًا للفحص الدقيق. إن المعدل المتزايد من طفرات هضم اللاكتوز تم إنتاجه بشكل مستقل عدة مرات، كما يقول مكفادين، لكن هناك اقتراحات بأن الطفرات الأخرى غير المفيدة يمكن أيضا تعزيزها ‹‹ربما نتحنب الحاجة إلى استدعاء ميكانيكا الكم.››
يقول ماكفادين أنه في ذلك الوقت فقدا الاهتمام بهذا الموضوع. لقد نسي هو و الخليلي طموحاتهم النبيلة وعادوا إلى وظائفهم اليومية.
وبالنظر إلى الوراء، يعترف الخليلي بأنهم خضعوا بسهولة كبيرة. في السنوات التالية، ظهرت مجموعة من النتائج التجريبية تشير إلى أن التأثيرات الكمومية قد تكون فعالة في العديد من أركان العالم البيولوجي. وقد ظهر أكثرها أهمية في عام 2007 وشارك في عملية التمثيل الضوئي، وهي العملية التي تحول جزيئات الكلوروفيل في النباتات بواسطتها ؛ الماء، وثاني أكسيد الكربون، وأشعة الشمس إلى طاقة وأكسجين وكربوهيدرات.
إن عملية التركيب الضوئي تحقق معدل كفاءة نقل الطاقة بنسبة 95 بالمائة، أكثر كفاءة من أي عملية نقل طاقة أخرى معروفة للإنسان كما يقول مكفادين. داخل الكلوروفيل، تقود ما يُعرف بالأصباغ الهوائيّة الطاقة من جزيئات جمع الضوء إلى بروتينات مركز التفاعل القريبة عبر اختيار المسارات الممكنة. افترض علماء الأحياء أن الطاقة تقفز من جزيء إلى جزيء على طول المسار واحد. لكن الحسابات أظهرت أن هذا قد يمثل فقط معدل كفاءة يبلغ نحو 50 في المئة. لشرح الأداء شبه المثالي للنباتات؛ حسب علماء الفيزياء الحيوية، يجب أن تكون الطاقة موجودة في حالة تراكب كمومي تسير على طول جميع المسارات الجزيئية في نفس الوقت على غرار الكمبيوتر الكمومي الذي يمكنه في الوقت نفسه البحث عن جميع الإدخالات في قاعدة البيانات. وبمجرد تحديد الطريق الأسرع تذهب الفكرة إلى أن النظام يستقر من التراكب وعلى هذا الطريق مما يسمح لكل الطاقة أن تأخذ أفضل مسار في كل مرة.
في تجربة عام 2007 أجرى في جامعة كاليفورنيا بيركلي، الكيميائي غراهام فليمينغ وزملاؤه تجارب على بكتيريا الكبريت الخضراء التي يبدو أنها تتبع لهذا النهج الكمي. أجريت أعمال فليمنغ عند -160 درجة مئوية، ولكن ظهرت آثار مماثلة بعد ثلاث سنوات في تجارب مع الطحالب البحرية التي أجريت في درجة حرارة الغرفة من قبل فريق بقيادة غريغوري سكولز وهو كيميائي في جامعة تورنتو في أونتاريو. يقول ماكفادين: ‹‹كانت هذه تجارب مبهرة. كان الفيزيائيون يقاتلون لسنوات لبناء حاسوب كمومي والآن يبدو أنهم كانوا يهضمون كل المعلومات المتعلقة بالحواسيب الكموميّة.››
لاحظ فلاتكو فيدرال- عالم فيزيائي يصف نفسه بشكل غريب على أنه متراكب كميًّا في كل من جامعة أكسفورد في المملكة المتحدة ومركز تكنولوجيا الكم في سنغافورة- ذلك.يتذكر فيدرال ذلك قائلًا: ‹‹ حتى ذلك الحين، كل هذه الأفكار في علم الأحياء الكمومي بدت جيدة لكنها تفتقر إلى أدلة تجريبية، لقد غيرت تجارب التمثيل الضوئي أفكار الناس.››
على الرغم من ذلك يضيف أن النقاد أشاروا إلى أن الاختبارات تستخدم الضوء الاصطناعي من أشعة الليزر بدلاً من ضوء الشمس الطبيعي. ويبقى من غير الواضح ما إذا كانت نفس التأثيرات الكمومية التي لوحظت في ظروف المختبر المحكومة بشدة تحدث بالفعل في الهواء الطلق في حدائقنا.
كانت التجارب كافية لجعل فيدال يتسائل عما إذا كان هو وزملاؤه يمكن أن يجدوا آثارا كمومية في المكافئ الحيواني لعملية التركيب الضوئي. إن مصنع الطاقة في الخلايا الحيوانية مثل خلايانا هو الميتوكوندريا، وهو مستودع لتوجيه الطاقة من الجلوكوز الذي يحصد من الطعام إلى الإلكترونات. ثم يتم خلط هذه الإلكترونات عالية الطاقة من خلال سلسلة من التفاعلات لجعل الأدينوزين ثلاثي الفوسفات الجزيء الذي يغذي معظم العمل الخلوي. وصفت النماذج البيولوجية التقليدية الإلكترونات بأنها تنطلق من جزيء إلى جزيء داخل الميتوكوندريا ولكن ومرة أخرى لا تستطيع هذه الصورة البسيطة تفسير السرعة التي ينتج بها ATPالأدينوزين ثلاثي الفوسفات
لقد توصل فريق فيدرال إلى نموذج يُبرز فيه الإلكترونات في تراكب كمومي، حيث يتم تمريرها على الفور عبر جميع الجزيئات في خط إنتاج الأدينوزين ثلاثي الفوسفات، بدلاً من التنقل. توقعت حسابات الفريق معدل إنتاج أدينوزين ثلاثي فوسفات معزز، كما يُرى في التجارب. مرة أخرى كان حل اللغز البيولوجي كموميًا.
رغم أن النتائج الصحية المحتملة لهذه النظريات لا تزال مبدئية إلا أنها لم تمر دون أن يلاحظها أحد. ويشير فيدرال إلى أن الفشل في نقل الإلكترون في الميتوكوندريا قد ارتبط بمرض باركنسون وبعض أنواع السرطان. ويُقرّ فيدرال أن العلاقة بين الانتقال والارتباط بالأمراض ما زالت متضاربة، لأن علاقة السبب والتأثير بين الاثنين غامضة. يتسائل فيدرال؛ هل يؤدي فشل نقل الإلكترون إلى المرض، أم أن المرض يتسبب في انهيار نقل الإلكترون؟. هذا شيء لا يعرفه علماء الأحياء وعلينا النظر إليه للحصول على إجابة
ومع ذلك ولأن المكافأة يمكن أن تكون عالية جدًا، فقد اجتذب التخمين منحة البحث الرئيسية الأولى التي مكنت مجموعة أكسفورد، بقيادة عالم الفيزياء في أوكسفورد تريستان فارو من إدارة تجاربها الخاصة في البيولوجيا الكميّة. تُعتبر المنحة واحدة من أكبر علامات الموافقة على هذا الانضباط المثير للجدل والذي كان حتى الآن موضوعا كبيرا لوقت الفراغ للباحثين. وبينما يقودني فارو خلال المختبر المظلم حيث ستجري هذه الاختبارات؛ يشرح أنه عمل شاق وقد يستغرق إعداده ما يصل إلى خمس سنوات.
المهمة الأولى كما يقول فارو، ستكون التحقق من نتائج التركيب الضوئي لعام 2007؛ بعد ذلك، سيقوم الفريق بدراسة الجزيئات الأكبر حجمًا والأكثر تعقيدًا التي تشارك في نقل طاقة الميتوكوندريا. يشرح فارو أنه شخصيًا ليس مدفوعا بالمزايا الطبية المحتملة التي ساعدت على الوصول إلى المنحة التي ستأتي بعد عدة سنوات على الطريق إن وجدت، ولكن على أمل أن تعلمنا الطبيعة كيف نبني آلات أفضل.
‹‹إذا كان بإمكاننا إظهار أن التأثيرات الكميّة تبقى لفترة طويلة في الجزيئات البيولوجية وأن نحدد كيف يحدث ذلك، فيمكننا استخدام هذه المعلومات لتصميم أجهزة كمبيوتر كمومية أفضل في المختبر››، يوافقه ماكفادين قائلاً: ‹‹ وإذا استطعنا أن نفهم كيف تكون عملية التمثيل الضوئي فعالة للغاية في تحويل ضوء الشمس إلى طاقة وإعادة خلق ذلك بشكل مصطنع، فإن الخلايا الشمسية ضعيفة الأداء اليوم ستكون شيئاً من الماضي.››
إن الفيزيائيين الذين يكافحون من أجل توحيد العلمين(ميكانيك الكم والبيولوجيا) في درجات حرارة شديدة البرودة في المختبر حريصون على اكتشاف الكيفية التي يمكن بها للجزيئات الحيوية أن تحمي على ما يبدو التأثيرات الكمومية الهشة بحيث يمكن استغلالها بواسطة الأنظمة الحيّة دون انقطاع. يقول فارو: ‹‹من فوائد دراسة التأثيرات الكميّة في النظم البيولوجية هو معرفة ما إذا كانت الطبيعة تحميها وكيف تحميها، حتى نتمكن من نسخ بنية الكتل الإنشائية الطبيعية››. يجب أن تعمل أجهزة الكمبيوتر الكمية في درجة حرارة الغرفة إذا كان سيتم استخدامها في التطبيقات العادية. يُضيف فارو: ‹‹يمكن استخدام مثل هذه الكتل كوحدات أساسية في الحواسيب الكمومية” البيولوجية “››.
قبل عقد من الزمن، كانت مثل هذه التجارب مستحيلة لأن تكنولوجيا التلاعب بالجزيئات البيولوجية الوحيدة غير موجودة. هذه التحسينات في التقنيات التجريبية جنبًا إلى جنب مع التقدم الذي أحرزه الآخرون في علم الأحياء الكمي، ألهمت مكفادين والخليلي على ترك الخطوط الجانبية والانضمام إلى اللعبة. يضحك الخليلي،
قائلاً: ‹‹بدأنا نفكر،توقف قليلاً، ربما كنا نتحدث بصدد شيء مفيد كل تلك السنوات››
في يناير / كانون الثاني 2013، ألقى الخليلي كلاماً عن أفكاره حول النفق الكمومي وتحولات الحمض النووي في المعهد الملكي المؤسسة العلمية المرموقة في لندن.
الخليلي وماكفادين على وشك الشروع في أول مجموعة من الاختبارات لنظرية الطفرات. تقارِن تجاربهم المقترحة سلوك جزيئات الحمض النووي العادية مع جزيئات الحمض النووي المعدلة بشكل خاص والتي تم استبدال ذرات الهيدروجين بذرات الديوتريوم (المعروفة أيضا باسم الهيدروجين الثقيل لأن الذرات لها نفس الخصائص الكيميائية مثل الهيدروجين ولكنها تملك ضعف الكتلة). إذا كانا مُحقين أن الطفرات تحدث عندما تكون أنفاق ذرة الهيدروجين، كموميًّا، إلى الجانب الخطأ من سلم الدنا، فإنها تتنبأ بأن معدل الطفرات سيكون أقل بكثير في جزيئات الدنا المعدلة، لأن الدوتريوم الثقيل أقل احتمالاً أن يشق نفقًا عبر السلّم.
لكن كل هذه الاختبارات ستستغرق بضع سنوات لتصميمها وتنفيذها. بعد مسح لليزر والمرايا على طاولة مختبر فارو في أكسفورد، يشير فارو أن الطريق إلى إثبات تجريبي نهائي لبيولوجيا الكم سيكون طويلاً، وهناك فرصة حقيقيّة بعدم ثبوت أي من التأثيرات الكموميّة داخل الكائنات الحيّة.
يقول فارو بأسى: ‹‹هناك خطر كبير أننا قد نسير في الاتجاه الخاطئ. لكن حدسي يخبرني أن الأمر يستحق ذلك لأنه إذا نجحنا، ستكون المكافأة ضخمة سنكون رائدين في مجال جديد.››
المقال باللغة الإنجليزيّة: هنا