كتبه لموقع شبيغل أونلاين: ياسين موشربش
نشر بتاريخ: 18/ 9/ 2018
ترجمة: إبراهيم العيسى
تدقيق: مازن سفّان
تصميم: مثنى حسين
أنهت عدد من الهيئات الإسلامية وبسرعة تعاونها مع بروفيسور ومدرّب، يُفترض أنهم سيدرّسون الإسلام في المدارس الثانوية الألمانية لأنّه عبّر عن شكوكه حيال حقيقة حياة وجود محمّد. الباحث في شؤون الإسلام مايكل ماركس تحدث لِـ شبيغل أونلاين عن خلفية ذاك الطرح وشخصية النبي التاريخية.
شبيغل أونلاين: السيد ماركس، من يدرس الإسلام يجد أنّ النبي محمّد وُلد في شبه الجزيرة العربية عام 570 بعد الميلاد وتوفي في المدينة عام 632 بعد الميلاد. هل هناك سبب للشك في حقيقة ذلك؟
مايكل ماركس: هذه تواقيت مؤقتة ينبغي علينا اعتمادها حتى الحصول على أرقام أفضل. تزخر المصادر الإسلاميّة بما يخص شخصيّة النبي محمّد وقصة حياته. بعض جوانب حياته فيها عناصر غامضة إلاّ أنّه عمومًا يمكننا الاعتماد على الجوهر المتين للتقاليد الإسلاميّة.
شبيغل أونلاين: هناك مجموعة من الباحثين المسلمين الألمان البارزين وعلى نحو متزايد يصبحون مشاكسين في التساؤل إن كان وجود النبي من الناحية التاريخية دقيقًا. هذا وقد نالت تلك النظرية دعمها الأكبر مؤخرًا من البروفيسور في جامعة مونستر محمد سفين كاليش، المكلّف بتدريب مدرسي التربيّة الإسلاميّة في المرحلة الثانوية. وتخطط حاليًا وزارة التربية في ولاية شمال الراين- فيستفاليا لتهدئة الأوضاع من خلال تعيين بروفيسور إضافي في علم أصول التدريس الإسلامي. هل ما نشهده هو انقسام إلى مدرستين؟
ماركس: لا أرى الأمور هكذا. لكن ينبغي أن نلاحظ أنّ ما نعرفه عن كاليش في الوقت الراهن هو ما يزعمون أنّه قد قاله. ومن قولهم، يبدو أنّه قد قرر دعم الفرضية التي جاء بها البروفيسور كارل هينز أوليغ، الفرضية التي أعلن عنها أوليغ منذ ثلاثة أعوام في كتابه “بدايات مظلمة”. يفترض أوليغ فيها أنّ القرآن ما هو إلا نصّ مسيحي وأنّ محمّد قد يكون مجرد خرافة. إلاّ أنّ هذه المجموعة، والتي تضم أيضاً جامع القطع النقدية فولكر بوب وآخرين، صغيرة جدًا. ويمكنني القول إنّ موقعهم في الحقيقة ليس ضمن نطاق العلم المقبول.
شبيغل أونلاين: لماذا؟
ماركس: هناك الكثير والكثير من الأدلة التي تجعل فرضيّة أوليغ بشأن عدم وجود النبي محمد غير مقبولة. إذ إنّه وخلال الأربعة عشر قرنًا من الجدال الانفعالي العنيف بين المسيحيين والمسلمين، لم تطفُ هذه القضية على السطح أبداً. بل حتى المصادر السورية-الآرامية يوجد فيها توثيق عن النبي.
شبيغل اونلاين: ما تركز عليه في دراساتك هو فترة بداية الإسلام والقرآن. ما الأدلة التي تعتمدها؟ كيف لنا أن نثبت أنّ النبي قد عاش فعلاً؟
ماركس: علينا أن نتحلى ببعض الدقة حيال هذا الأمر. عمومًا، عندما يتعلق الأمر بالتاريخ، ليس هناك أي دليل علمي. على سبيل المثال، كيف لنا أن نثبت وجود شارلمان؟ ليس بوسعنا القيام بتجارب على ذلك؛ أي علينا التعامل مع الأدلة. هنا، في هذه المسألة، القرآن هو دليل الإثبات. في هذه الحال، حالة الإثبات أفضل مما هو عليه في أي دين آخر. نحن نعلم بوجود مخطوطات للقرآن ونقوش إسلامية تعود إلى أربعين أو خمسين عامًا بعد وفاة النبي. من الصعب تفسير القرآن إن أخرجنا النبي من المعادلة. يدّعي أوليغ أنّ الإسلام كان طائفة مسيحيّة حتى ظهور الخلافة الأموية، أي حتى القرن الثامن. هنا، أصطدم بهذه المسألة الكبرى؛ إنها لا تتوافق مع نصوص القرآن. لماذا ليس السيد المسيح الشخصية الأكثر محورية في القرآن إذًا؟ إذ إنّ القرآن يذكر النبي إبراهيم، النبي موسى، والنبي نوح أكثر مما يذكره.
شبيغل أونلاين: وماذا عن بنية القرآن وشكله؟
ماركس: هذا هو دليل الإثبات الثاني. كما يظهر في المصطلحات اللغويّة، القرآن نوع من الخطاب. فهو ليس سرد كما هو الحال في العهد الجديد، أو مراسلة مثل رسائل بولس الرسول، أو رواية مثل سفر الرؤيا أو سفر الترنيمة. يكون للنوع الأدبي معنى فقط عندما يكون بإمكاني ربطه بشخص ما؛ خطيب مفوه، نبي. لم يختلق مجتمع ليس فيه نبي نبياً وبعد ذلك يؤلّف نصّاً مقدساً، وهو لا يزال مسيحياً، كما يراه أوليغ؟ إنّ فرضية أوليغ غير مجدية؛ إنها تطرح قضايا أكثر من تلك التي تقدم لها حلولاً.
شبيغل أونلاين: بتعبير آخر، إن لم يكن النبي موجودًا، كي نشرح الأدب، لا بدّ أن يكون هناك مؤامرة كبرى.
ماركس: تمامًا. وكذلك من المغرب إلى الهند، لم نجد أي أثر باقٍ لتلك المؤامرة، ومن قد يكون نفذها؟ إذ إنّه وبعد منتصف القرن الثامن ليس لدينا أيّ سلطة سياسية إسلامية مركزية من الممكن أن تكون قد طبقت تلفيق قصة النبي في آسيا وافريقيا.
شبيغل أونلاين: هل تقول إنّ أوليغ ورفاقه إما أنهم ديماغوجيون أو علماء مزيفون؟
ماركس: ليس دوري إصدار أحكام مثل هذه. لكنه يبدو لي أنّ الأمر كذلك. بالطبع إنّ مناقشة القضايا أمرٌ مشروع كليًا. والقرآن ذاته بالتأكيد يحوي بين طياته الكثير من الأسئلة المفتوحة. إننا في مشروع كوربس كورانيكوم* نحاول بداية القيام ببحث أساسي قبل استنباط نظريات شاملة.
شبيغل أونلاين: يعمل محمد سفين كاليش فيما يمكن أن نقول عنه منطقة حدودية، أي بين العلم واللاهوت. ومن المفترض أنّه يدرّب مدرسي الدين أيضاً. كما إنّ مجلس التنسيق لمسلمي ألمانيا لن يدعمه بعد الآن لأنه بزعمهم يثير تساؤلات عن أمور جوهريّة في العقيدة الإسلامية. هل يمكن تصوّر أنّ شخصًا يمكن أن يكون مسلمًا وفي ذات الوقت يقول إنّه قد لا يكون للنبي أي وجود؟
ماركس: من الصعب تصوّر ذلك.
شبيغل أونلاين: السيد كاليش شيعي زيدي، أي ليس سنيًا. هل يمكن أن يسمح الانتماء لهذا الفرع من الدين الإسلامي بتصور ثاني عن محمّد، تصور قد يُفسّر هذه التصريحات؟
ماركس: على حد علمي لا.
شبيغل أونلاين: من خلال تبني هذا الموقف، فإن السيد كاليش ومن جديد يشعل النقاش في ألمانيا، ولن يغيب هذا عن أعين العالم العربي. مثلاً المؤرخة في معهد الدراسات الإسلامية التابع لجامعة برلين المفتوحة غودرون كرامير قد قالت في مقابلة إنّ كاليش ليس وحده في وجهة النظر التي طرحها.
ماركس: ما قالته السيدة كرامير تم اقتباسه بشكل خاطئ، أي بشكل ناقص. على سبيل المثال فهي قد قالت بوضوح إنّ غالبية العلماء المسلمين يتمسكون بالتفاصيل الموروثة عن السلف، وإنّه لا يمكن بأي شكل من الأشكال اعتبارها من أولئك الذين يَتَحدّون أو يشككون بوجود النبي محمّد. لكن ولسوء الحظ، تم نشر تلك الاقتباسات غير الدقيقة في عدد من الصحف العربية.
شبيغل أونلاين: هل لهذا الأمر أي عواقب على شخص مثلك، كونك تتعاون مع باحثين مسلمين من خارج البلاد؟
ماركس: بكل تأكيد، من شأن أمر كهذا أن يشوّه سمعة علماء الاسلام الغربيين. تنتقل الشائعات والتقارير المشابهة لهذه بسرعة كبيرة في عصر الإنترنت. نحن في مشروع كوربس كورانيكوم لا نود أن يرتبط اسمنا به. لدينا مسلمين وغير مسلمين يعملون جنبًا إلى جنب، ولدينا علاقات تعاون وثيقة مع مؤسسات في العالم العربي والإسلامي.
شبيغل أونلاين: لِمَ البحث في أمر محمّد حساس بكل ما للكلمة من معنى؟ ومع ذلك، وبحسب العقيدة الإسلامية، وعلى نحو مخالف للسيد المسيح في المسيحية، كان النبي قدوة اختاره الله لنقل رسالة لكن لم يمنحه صفات إلهية. قد شهدنا ما يشير إلى تلك الحساسية سابقًا في مسألة الرسوم الكرتونية لمحمد في الدنمارك.
ماركس: إن أنسب طريقة لتفسير ردود الفعل العنيفة تلك هي القول إنّ الكثير من المسلمين يعتقدون أنّ ذلك معادل لاستمرار القتال في المعركة بين الغرب والعالم الإسلامي، والتي يرون أنها لازالت قائمة، لكن على مستوى آخر. غالبًا ما يؤولون ذلك على أنّه هجوم على هويتهم، أي حرب نفسية عليهم.
شبيغل أونلاين: هل يمكن أن نرى فرضية أنّ النبي محمد لم يكن موجودًا ولم يعش أبدًا مطروحة للنقاش في جامعة إسلامية؟
ماركس: لا أعلم أين.
شبيغل اونلاين: كباحث، كيف تبعد نفسك عن هذه القضية المتوترة؟ وأنت تتبع المنهج التاريخي النقدي كلياً، طالما أن استنتاجاتك لا تناقض التوجه العام للعقيدة الإسلامية، لا مشكلة في ذلك. لكن ماذا يحدث عندما تخالفه؟
ماركس: حسناً، ربما ستكون مشكلة حينئذ. لكن لا زلنا في مأمن من ذلك. لا تنسَ كذلك أنّ ما نقوم به هنا هو بحث أساسي. يستحق القرآن أن ندرسه بطريقة جديّة وعلميّة. برأيي من الهام القيام بذلك مع المسلمين. إننا نقوم بذلك مع مشروعنا كوربس كورانيكوم هنا في أكاديمية برلين-براندينبيرغ للعلوم. يأخذ المسلمون من القرآن ما يخص الوحي وفيما إذا يستخدمونه كأساس لعملية إصلاح من نوع ما، تلك هي مشكلتهم. ربما يظل التعايش الواقعي أقوى من علم فقه اللغة، وهذا ما نرغب في إعلاء شأنه.
*كوربس كورانيكوم (Corpus Coranicum) : مشروع بحثي لأكاديمية برلين-براندنبيرغ للعلوم والعلوم الإنسانية. يهدف إلى دراسة القرآن دراسة نقدية حديثة. (المترجم).
المقال باللغة الإنجليزية: هنا