ترجمة: أحمد طريف المدرس
تدقيق: ريام عيسى
تصميم الصورة: امير محمد
تطرح موجة التعبئة ضد العنصرية والتمييز العرقي مسألة عصيبة: مسألة التعويضات عن تاريخ الرق والاستعمار المنصرم. حيث لم تواجه هذه المسألة بعد بشكل كامل. ومهما بلغت شدة تعقيد هذه المسألة، لا يمكن الهروب منها للأبد، سواء في الولايات المتحدة أو في أوروبا.
إبّان نهاية الحرب الأهلية الأمريكية في عام 1856، وعد الجمهوري أبراهام لينكولن العبيد المحررين بالحصول على أربعين فداناً (16 هكتار تقريباً) وبغل. وذلك لتعويضهم عن عقود من سوء المعاملة والعمل غير مدفوع الأجر وتمكينهم من التأمل بالمستقبل كعمال أحرار. ولو اعتُمد هذا البرنامج، لمثّل إصلاحاً زراعياً مكلفاً خاصة لكبار ملاك العبيد.
ولكن بمجرد انتهاء الحرب، أصبح الوعد طي النسيان، ولم يتم تبني أي نص للتعويض عن أضرار العبودية، وأصبح مصطلح 40 فداناً وبغل رمزاً لخداع ونفاق الأمريكيين الشماليين (حتى أن المخرج سبايك لي أعتمد هذا المصطلح من باب السخرية اسماً لشركته للإنتاج). حيث استعاد الديمقراطيون السيطرة على الجنوب وفرضوا العزل العنصري والتمييز العرقي لأكثر من قرن من الزمان، حتى ستينيات القرن العشرين. ولم يتم اعتماد أي تعويض على الأطلاق منذ ذلك الحين.
ومن الغريب أن أحداثاً تاريخية أخرى مماثلة حظيت بمعاملة مختلفة تماماً. ففي عام 1988، تبنى الكونجرس الأميركي قانوناً لمنح 20 الف دولار للأمريكيين اليابانيين الذين خضعوا للإقامة الجبرية في معسكرات الاعتقال أثناء الحرب العالمية الثانية. وكان التعويض يستهدف من كانوا لا يزالون على قيد الحياة في عام 1988 (حوالي 80000 شخص من أصل 120000 أمريكي ياباني كانوا قد احتجزوا بين عامي 1942 و 1946)؛ وبلغت التكلفة 1.6 بليون دولار. و في نفس السياق، سيحظى تعويض مماثل لضحايا التمييز العرقي من الأمريكيين من أصل أفريقي بقيمة رمزية كبيرة.
كما هو الحال في فرنسا، كان إلغاء الرق في المملكة المتحدة مصحوباً على الدوام بتعويض ملاك العبيد من الأموال العامة. كان هذا بديهياً بالنسبة للمفكرين الليبراليين، أمثال توكفيل أو سكولشر، فإذا حُرِم ملاك العبيد من ممتلكاتهم (التي حصلوا عليها قانونياً) من دون تعويض عادل، فإلى أين قد تؤول الأمور؟ أمّا بالنسبة للعبيد المحررين فإن تدريبهم على الحرية يتضمن الكثير من العمل الشاق. بينما كان تعويضهم الوحيد هو الالتزام بتأمين عقد عمل طويل الأجل مع مالك أرض، وبدون هذا العقد، يتم القبض عليهم بتهمة التشرد. بينما استمرت أشكال أخرى من السخرة في المستعمرات الفرنسية حتى عام 1950.
أثناء إلغاء الرق في بريطانيا في عام 1833، تم دفع ما يعادل 5% من الدخل القومي البريطاني (120 مليار يورو حالياً) لحوالي 4000 من ملاك العبيد، وكان متوسط التعويض 30 مليون يورو، وهو أصل العديد من الثروات الظاهرة اليوم. كما تم تعويض ملاك العبيد في ريونيون، وغوادلوب، ومارتينيك، وغيانا الفرنسية في عام1848. حاولت كريستيان توبيرا في عام 2001 أثناء مناقشة تصنيف العبودية كجريمة ضد الإنسانية محاولة فاشلة لإقناع زملائها أعضاء البرلمان بإنشاء لجنة لدراسة مسألة تعويض أحفاد العبيد، خصوصاً بما يتعلق بالحصول على الاراضي والممتلكات التي لا تزال مركزة بدرجة كبيرة في أيدي سلالة ملاك العبيد.
ومما لا شك فيه أن أشد حالات الظلم قسوة هي حالة سانت دومينغو، جوهرة جزر العبيد الفرنسية في القرن الثامن عشر، لحين تمردها عام 1791وإعلان استقلالها في عام 1804 تحت اسم هايتي. في عام 1825، فرضت الدولة الفرنسية ديوناً كبيرة على البلاد (300% من الناتج المحلي الإجمالي في هايتي في ذلك الوقت) لتعويض أصحاب الأملاك الفرنسيين عن خسارتهم لممتلكاتهم من العبيد. ومع التهديد بالغزو، لم يكن أمام الجزيرة أي خيار آخر سوى الخضوع وسداد الدين الذي مثل عبئاً ثقيلاً على كاهل البلاد حتى عام 1950، حيث سددت بعد دفع الفوائد وعدة عمليات إعادة تمويل للمصرفيين الفرنسيين والأميركيين. و تطالب هايتي الآن من فرنسا أن تعيد هذه الضريبة الجائرة(30 مليار يورو اليوم، دون الفوائد)، رغم صعوبة عدم الاعتراف بمشروعية طلب هايتي ترفض فرنسا مناقشة الموضوع نهائياً مناقشة الدَّين الذي فرضته على الهايتيين كغرامة لرغبتهم بالتخلص من عبوديهتم. كما أن المبالغ التي قدمت في الفترة من 1825 إلى 1950 موثقة بشكل جيد ولا يمكن لأحد أن يطعن فيها. بسياق متصل، لا زالت التعويضات تدفع عن أضرار الحربين العالميتين ليومنا هذا. لا شك أن خطر خلق شعور كبير بالظلم هو أمر حتمي.
ينطبق الموضوع على مسألة أسماء الشوارع والتماثيل، كتمثال تاجر العبيد الذي حُطِّم في بريستول، على طبيعة الحال، لن يكون من السهل تحديد ما إذا كانت التماثيل لأشخاص طيبين أو سيئين. ولكن كما هي المسألة بالنسبة لإعادة توزيع الملكية، ليس لدينا خيار آخر غير الثقة في المناقشة الديمقراطية من أجل السعي إلى وضع قواعد ومعايير عادلة. فإن كل رفض للنقاش يسعى إلى إدامة الظلم.
رغم صعوبة و أهمية مقترح التعويضات لا بد أن نمضي إلى المستقبل، ولإصلاح الضرر الذي لحق بالمجتمع بسبب العنصرية والاستعمار، ينبغي في المقام الأول أن نغير النظام الاقتصادي وأن نرسي أسساً للحد من مظاهر عدم المساواة، وأن تتاح لجميع النساء والرجال سود وبيض فرص متساوية في الحصول على التعليم والعمل والملكية (بما في ذلك الحد الأدنى من الميراث)، بغض النظر عن الأصول العرقية، ومن الممكن أن تسهم التعبئة الحالية التي تجمع بين مواطنين من خلفيات متعددة في ذلك.
المصدر: هنا