كتبه لموقع “ذي كونفرزيشن”: ايوان موروس
نشر بتاريخ: 26/10/2018
ترجمة: إبراهيم العيسى
مراجعة وتدقيق : أمير صاحب
تصميم الصورة: مثنى حسين
في 17 كانون الثاني من العام 1803، كان هنالك شاباً يدعى جورج فورستر معلق لتنفيذ حكم الإعدام بحقه شنقاً في سجن نيوغيت في لندن. وكالعادة حُملت جثته بعد الإعدام بشكل رسمي في شوارع المدينة إلى كلية الجراحين الملكية حيث سيتم تشريحها هناك. لكن ما حدث كان صادماً أكثر من كونه تشريح للجثة، سيقومون بصعقها بالكهرباء. قام بتلك التجارب الفيلسوف الطبيعي الإيطالي جيوفاني ألديني، (ابن أخت لويجي كالفاني)، مكتشف الكهرباء الحيوانية عام 1780، ومن نُسبت وسُميت الكلفانية -العلاج بالكهرباء- إليه.
بدأ ألديني ومساعدوه تجربتهم على جثة فوستر المستلقية أمامهم على اللوح. وصفت صحيفة التايمز ذلك كما يلي:
ومع أول تطبيق للعملية على الوجه، بدأ فك المجرم الميت يرتجف، وبدت العضلات المجاورة ملوية بشكل سيء، وكانت أحد عينيه مفتوحة. وفي الجزء التالي من العملية، كانت يده اليمنى مرفوعة وثابتة، والساقان مع الفخذين يتحركان.
بدا الأمر لبعض المشاهدين كما لو أن الرجل البائس على وشك استعادة حياته.
كانت فكرة وجود صلة غريبة وقوية بين الكهرباء وعمليات الحياة قد بلغت ما يقارب المئة عام من وجودها عندما أجرى ألديني تجربته على جثة فوستر. ولمدة طويلة في بدايات القرن الثامن عشر ظلّ إسحاق نيوتن يتفكر بتلك العلاقة. كذلك عرض الفلكي والصباغ الإنكليزي ستيفن غري في عام 1730 مفهوم الناقلية الكهربائية؛ إذ قام بتعليق ولد يتيم على حبال من الحرير وجعله يتدلى في الهواء، ووضع قضيباً مشحوناً بشحنة موجبة قرب قدميه، فاكتسبت قدماه شحنة سالبة. ونتيجة الانعزالية الكهربائية التي يتمتع بها، نشأت شحنة كهربائية موجبة في أطرافه الأخرى، فقامت أصابعه بجذب طبق من أوراق الذهب ُوضع بجانبها. وفي فرنسا أمتع جان أنطوان نوليه في العام 1746 البلاط الملكي في قصر فيرساي عندما جعل سرية مكونة من 180 من الحرس الملكي يقفزون سوياً لحظة مرور الشحنة الكهربائية الناتجة عن جرة الليدن (جهاز لتخزين الشحنة الكهربائية) في أجسادهم. قام ألديني بتجاربه تلك على جسد فوستر دفاعاً عن نظريات جده ضد الهجمات التي تعرضت لها من خصومه مثل أليساندرو فولتا . ادعى فولتا أن الكهرباء ناتجة عن الاحتكاك بين المعادن وليست خاصية من خواص النسيج الحي، ومع ذلك تبنى فلاسفة طبيعيون آخرون أفكار كلفاني بحماس كبير. كما قام ألكسندر فون همبولدت بتجارب على بطاريات مصنوعة كلياً من أنسجة الحيوانات. وأجرى جوهانز ريتر تجارب كهربائية على نفسه ليستكشف أثر الكهرباء على الحواس.
كانت فكرة أن الكهرباء هي بالفعل أساس الحياة وأنه يمكن استعمالها لإحياء الميت شائعة لدى الأوساط التي تواجدت فيها الشابة ومؤلفة رواية فرانكنشتاين ماري ولستون كرافت شيلي . أما الشاعر الإنكليزي وصديق العائلة صموئيل تايلور كوليردج فقد انبهر بفكرة الربط بين الكهرباء والحياة. وقد كتب إلى صديقه الكيميائي همفري دافي بعد أن سمع أنه يحاضر في المعهد الملكي في لندن كيف أن عضلاته المحركة ارتعشت وتقلصت عند سماع الخبر، كما لو أنك جردت ألياف الحياة تلك وأعدت طلاءها بالزنك. كذلك كان بيرسي بيسي شيلي -والذي سيصبح زوج ولستون كرافت في عام 1816-من المتحمسين للتجارب الكلفانية.
معلومات هامة
حظيت تجارب ألديني على الموتى باهتمام كبير وتعامل معها بعض الكتاب والمعلقين بجدية بالغة، إلا أنّ بعضهم قد سخر وضحك من فكرة أن الكهرباء يمكنها إعادة الحياة للموتى. أما المحاضر شارلز ويلكنسون )، والذي كان مساعد ألديني في تجاربه، فقد دافع عن أنّ الكلفانية هي “مبدأ تنشيط” وتمثل الحد الفاصل بين المادة والروح، وتشكل حلقة من حلقات الخلق ورابطة متداخلة بين المادة وجوهر الحيوية. وفي عام 1814 تبنى الجراح الإنكليزي جون أبيرنثي ذات الطرح بقوة في المحاضرة السنوية في كلية الجراحين الملكية في لندن. أدت محاضرته إلى نقاش حاد مع زميله الجراح وليام لورانس. إذ ادعى أبيرنثي أنّ الكهرباء كانت (أو شبه كانت) القوة الجوهرية بينما أنكر لورانس الحاجة لمثل تلك القوة لشرح عمليات الحياة. بالتأكيد علم كل من ماري وبيرسي شيلي بذلك الخلاف كون لورانس كان طبيبهم الخاص.
عندما نُشرت رواية فرانكشتاين في عام 1818 كان قراؤها على دراية بفكرة أن الحياة يمكن تكوينها أو استعادتها بالكهرباء. وبعد نشر الكتاب ببضعة أشهر، أجرى الكيميائي الإسكتلندي أندرو أور تجاربه الكهربائية على جثة ماثيو كليدسديل والذي تم إعدامه بتهمة القتل. كتب أور عندما قام بصعق جثة الرجل بالكهرباء: كانت كل عضلة من عضلات محيّاه في حال مخيف، حنق، رعب، يأس، كرب، وابتسامات شاحبة، اتحدت جميعها في وجهه. ذكر أور أن التجارب كانت مذهلة وأن بعض المشاهدين أجبروا على مغادرة الشقة، وأغمي على أحدهم. من المغري كذلك أن نخمن الدرجة التي فكر فيها أور برواية ماري شيلي الأخيرة أثناء قيامه بتجاربه، وكيف أنه كان يتعمد في سرده لها ذكر عناصرها الرهيبة. قد تبدو رواية فرانكنشتاين أشبه بالفنتازيا من وجهة نظر حديثة. لكن بالنسبة لمؤلفتها وقرائها الأصليين ليست من ذلك القبيل أبداً. إذ كانت معرفتهم عن إمكانيات الحياة الكهربائية تماماً مثل معرفة أي واحد منا اليوم عن الذكاء الاصطناعي. وكما يثير الذكاء الاصطناعي اليوم زوبعة من الردود والنقاشات، كذلك كانت الحياة الكهربائية ورواية شيلي من بعدها.
تذكرنا العلوم التي تقدمها رواية فرانكنشتاين أن المناقشات الحالية لها تاريخ طويل. وأنها -الرواية-حددت الكثير من المفردات التي نستخدمها في نقاشاتنا اليوم. بدأ الناس في القرن التاسع عشر التفكير بالمستقبل كما لو أنه بلد مختلف، تكوّنه التقانة والعلوم. وكانت روايات من قبيل رواية فرانكشتاين – التي صاغ فيها كتابها المستقبل اعتماداً على ما هو موجود في حاضرهم – عنصراً هاماً بطريقة التفكير الجديدة بالغد.
قد يكون العلم الذي جعل رواية فرانكنشتاين تبدو حقيقية في العام 1818 مساعداً لنا في مراجعة أكثر دقة لطرق تفكيرنا بالمستقبل وما قد يحمله لنا من إمكانيات ومخاطر على السواء.
المقال باللغة الإنجليزية: هنا