كتبه: جو بينسكر
لموقع: ذي أتلانتك
بتاريخ: 23/ 7/ 2019
ترجمة: فاطمة القريشي
تدقيق ومراجعة: نعمان البياتي
تصميم الصورة: امير محمد
يلتحق عدد مذهل من الطلبة في الجامعات في أميركا دون إنهائها: تقريباً، أربعون بالمئة من الملتحقين لا يفلحون في نيل شهادة بدأوا العمل عليها من ست سنوات.
الأخبار السارة في العقود الأخيرة هي أن الأمور أصبحت أقل سوءاً نوعاً ما، فوفقاً لإحدى الحسابات، فإن المعدلات التراكمية لطلاب الجامعات الحكومية ذات الإختصاص الواحد والتي لم تصنف ضمن أفضل 50 جامعة في تصنيفات الأخبار الأمريكية ولا التقارير العالمية خلال ست سنوات، ارتفعت من 40% للطلاب الذين بدأوا دراستهم في أوائل التسعينات إلى حوالي 50% للطلاب الذين بدأوا دراستهم في أواخرالألفية الثانية (هذه الظاهرة لم تقتصر على الجامعات غير المرموقة).
عندما بدأ (جيف دينينج)، وهو اقتصادي في جامعة (بريغهام يوغ)، في البحث عن كثب في بيانات المعدلات التراكمية، كان في حيرة من أمره حول سبب هذا الارتفاع؛ لاحظ (جيف) وبعض من زملائه في الجامعة أن مجموعة من المؤشرات في هذين العقدين قد أشارت إلى معدلات التخرج الأدنى، وليس الأعلى: فكانت أكثر المجاميع الطلابية وهي التي هي العادة الأدنى من المستوى المطلوب (وهم الذين يميلون إلى انخفاض المعدلات التراكمية) ما تزال قيد الدراسة، فاتضح أن وقت دراسة الطلاب أقل من أوقات عملهم خارج المدرسة، علماً أن نسبة الطلاب إلى أعضاء هيئة التدريس لم تكن منخفضة، “فبدأنا بالتفكير، ما الذي يمكنه أن يفسر هذه الزيادة؟” قال (ديننج)، “لأننا كنا عالقين بعدم قدرتنا على تفسير أي شيء”.
بقوا هكذا حتى بدأوا النظر فيما كان يحدث مع معدل الطلاب التراكمية، وعلى الرغم من الأوساط الطلابية للعيّنة الجامعية آنفة الذكر إلا أن الطلاب كانوا يحصلون على درجات أعلى في مراحلهم الأولى، وقال (دينينج): “المعدل التراكمي في تزايد، وأفضل ما يمكننا قوله، لا يوجد سبب وجيه لهذا الارتفاع سواء من حيث سلوك الطلاب أو تحضيرهم أو أي شيء من هذا القبيل”.
إذا كانت الدرجات تتحسن من غير سبب للاعتقاد بأن الطلاب قد أصبحوا طلاباً أفضل، فثمة احتمال مثير للاهتمام ألا وهو النهج الأكاديمي المتواضع الذي طرحه (دينينج) في ورقته العلمية الأخيرة، (والذي شاركه فيها زميله (إريك إيدي) من جامعة (بريغهام) و(ميريل وارنيك) طالب الدكتوراه المُستضاف من جامعة ستانفورد)، والذي يتناول احتمالية التغيير في “معاييرمنح شهادة التخرج”: وهو نهج غير دقيق يلمح في طياته عن “سهولة المرحلة الجامعية.”
تشير (كريستينا تشوكا إلير)، عالمة اجتماع وطالبة دراسات عليا في جامعة (هارفرد)، وهي غير مشاركة في أبحاث (دنينج)، إلى أن “سهولة الدراسة الجامعية” يمكن أن تعني شيئين مختلفين: أولهما أن الجامعات باتت تقدم للطلاب مواداً أبسط مما كانت في الماضي، أو أنها تقدم للطلاب مواد مماثلة لما في الماضي لكنها تُقيم الطلاب بشكل أكثر تساهلاً؛ تقول (تشوكا): “أعتقد في الواقع أن التفسير الأخير لمعدل تضخم الدرجات منطقي أكثر”، وتضيف رغم ملاحظتها لسهولة الدراسة الجامعية إلا أنها تبقى فرضية غير مثبتة.
(دينينج) نفسه لاحظ هذا أيضاً، ووصف الورقة العملية، التي لم تنشر بعد في مجلة أكاديمية محكمة، بأنها “الطعنة الأولى” لاستكشاف سؤال يرحب بالباحثين الآخرين للنظر فيه، وقال إنه يمكن أن يكون الأمر أن “الجامعات أفضل في مساعدة الطلاب” مما كانت عليه في السابق؛ حتى إن العديد من الكليات أطلقت مبادرات عديدة لمساعدة المزيد من الطلاب على التخرج، لكنها برامج مختلفة الفاعلية ولا يملك (ديننج) أية بيانات محددة بما يكفي لتحليل دور هذه البرامج في ارتفاع المعدلات التراكمية على الصعيد الوطني.
أياً كان المسؤول عن الزيادة، يبدو أنه يخدم احتياجات الكليات والجامعات، وخاصة العامة منها؛ قالت (تشوكا): “مؤخرا أصبحت الجامعات مسؤولة أكثر عن المعدلات التراكمية، خصوصاً بعض الولايات التي ربطت التمويل التعليمي بمعايير إحصائية معينة”، وتتابع: “من المحتمل أن يكون هناك ضغط على أعضاء هيئة التدريس لمساعدة الطلاب، وخاصة الطلاب غير المؤهلين، على مواكبة المناهج الدراسية وذلك لاستمرار زيادة المعدلات التراكمية”.
أقر (دينينج) وزملاؤه المشاركون بهذا الاحتمال، مشيرين في مقالتهم إلى أن تغيير ما هو ضروري للحصول على درجة علمية هو “أقل تكلفة لزيادة المعدلات التراكمية”، لكن استخدام الكليات على نطاق واسع لهذه الخطة، بشكل متعمد أو غير متعمد، وفي هذه المرحلة، مجرد تخمين لم يثبت بعد.
في الواقع ،الغموض هو السبب الكامن وراء زيادة المعدل التراكمي. إذ يقول (ديفيد كيرب)، أستاذ في جامعة (كاليفورنيا بريكلي) ومؤلف الكتاب المنتظر فضائح التسرب الجامعي (The College Dropout Scandal):”توجد حفنة تفسيرات مختلفة لهذه الزيادة” فربما اصبحت الدراسة الجامعية سهلة بسبب تخريج الإعداديات لطلاب مؤهلين ومستعدين للتعامل مع الحياة الجامعية، ويعلق على هذا المؤشر في رسالة إلكترونية بقوله: “نحن لا نعرف بالضبط”.
تفسير آخر لنظرية “سهولة الدراسة الجامعية” هو أن الكليات التي تضم فئات متشابهة من الطلاب يمكن أن يكون لها معدلات تراكمية مختلفة بدرجة كبيرة، والذي قد يشير إلى دعم المدارس التي تتبنى أسلوب للمبادرات الفردية، أو أن التعليم الجامعي ليس أقل صرامة في أي سلوك مماثل على الأقل؛ كتب (كريب): “لدي حدس قوي بأن عوامل متعددة تؤثر هنا”.
أشارت (تشوكا) إلى بعض التحفظات الأخرى، فعلى سبيل المثال، تود أن ترى اختبار الباحثين لدور متغيرات أكثر دقة من تلك التي تطرق إليها بحث (دينينج) وزملائه، فمن وجهة نظرها، لا يقدم تحليلهم “صورة كاملة”، كما حذرت من أن التركيز على الإحصائيات الإجمالية يمكن أن يخفي الفروق الفردية التي غالباً ما تظهر بين الطلاب ذوي الخلفيات العرقية والاجتماعية والاقتصادية المختلفة، فربما تكون دراسة مجموعات معينة من الطلاب مثمرة أكثر من أخذ نظرة عامة.
لكن حقيقة أن الباحثين ليسوا واثقين من كل ذلك، يثير سؤالاً أكبر عن مدى صعوبة الدراسة الجامعية أو كيف ينبغي أن تكون؛ قال (ديننج) عن اقتراح ورقته العلمية: “أعتقد أن الناس يفسرون هذا على أنه أمر سيء حقاً، أو على الأقل، إذا كانت الكلية أسهل فهذا مخيب، ولم يتضح لي إطلاقاً أن هذا حقيقي”، ربما تكون الكلية صعبة جداً ويجب تسهيلها، وربما العكس صحيح، وفي كلتا الحالتين، يفضل (ديننج) اعتبار “الصعوبة” متغيراً يمكن التلاعب به لغرض الإثبات أو النفي، وقال: “يمكنك اختيار آلية توزيع الدرجات في جامعتك أو قسمك … وسيكون لعوامل تلك الآلية تأثير على الأمور التي نهتم بها، مثل “المعدلات التراكمية”، بمعنى آخر، ينبغي على الكليات أن تبت فيما تعنيه بأهلية الحصول على شهادة علمية.
بالطبع، هناك طرق أخرى لتحسين المعدلات التراكمية، أدرجت (تشوكا) عدداً منها كتقديم المشورة الفردية مبكراً لمساعدة الطلاب الذين لم يحسموا أمرهم على معرفة الطرق المختلفة المفتوحة لهم، كذلك تقديم المشورة الفردية فيما بعد لمساعدتهم في مواجهة تحديات تخصصاتهم ومساراتهم، وأيضاً برامج مقررات الدعم الأكاديمي لمساعدة الطلاب المكافحين، وإعداد مجموعات من الطلاب في المدارس التي تتطلب السفر اليومي لمساعدة بعضهم البعض عندما، على سبيل المثال، لا يستطيع أحدهم حضور المحاضرة، وتخصيص منح مالية للطلاب ذوي الدخل المنخفض لمساعدتهم في دفع ثمن المناهج والمواصلات.
قالت (تشوكا): “نحن نعرف الكثير الكثير عمّا يمكن عمله، لكنه لأمر يذهلني أحياناً كم سيستغرق الأمر حتى تُجنى قطوفه الدانية”.
يدرج (كيرب) أيضاً في كتابه المنتظر بعض الحلول مثل تعديل الفصول التعويضية التي يهملها العديد من الطلاب ومساعدة الطلاب الواعدين ذوي الدخل المنخفض في العثور على كليات أفضل تمويلاً، والتي قد لا يفكرون في ارتيادها؛ قد تحتاج هذه الأشياء قليلاً من العمل ولكنها ستجدي نفعاً، حيث تساعد على تخريج المزيد من الطلاب، سواء أكان ذلك أسهل أم لا.
*المعدل التراكمي: هو معدل درجات الطالب خلال السنوات الدراسية كاملة حسب وزن وعدد وحدات كل مادة دراسية. (المترجم)
المصدر: هنا