نشر في: التليغراف
تأليف: جيمس كوك وحسن شوداري
نشر بتاريخ: 29 أغسطس 2019
ترجمة: ياسين إدوحموش
التدقيق اللغوي: نعمان البياتي
تصميم الصورة: امير محمد
من اللغة الأفريقانية إلى اللغة الخميرية؟ لا مشكلة؛ من المجرية إلى البنجابية؟ سهل جدًا.
بعد أن كانت في ما مضى ضربًا من ضروب الخيال العلمي البحت، أصبحت التكنولوجيا الجديدة التي تسمح للناس بالتواصل الفوري مع بعضهم البعض باستخدام لغات مختلفة حقيقة واقعة – وهي على وشك تغيير العالم.
هذا على الأقل هو الادعاء الجريء الذي قدمه الخبراء وسط التطورات السريعة التي تعرفها تكنولوجيا الترجمة – القائمة على الذكاء الاصطناعي المتطور والتعلم الآلي.
شهدت السوق العالمية لتكنولوجيا الترجمة التي تبلغ قيمتها 50 مليار دولار (40 مليار جنيه إسترليني) ازدهارًا، وتعد بقلب كل شيء رأسًا على عقب بدءًا بالتعليم والسفر وانتهاءً بعالم الأعمال والعمل والدبلوماسية.
لقد بات بإمكان الطلاب الاستغناء عن قواميسهم، وأصبح بإمكان المسافرين التواصل مع السكان المحليين بشكل طبيعي، ولم يعد على السياسيين الاعتماد على مترجم شفهي بشري.
من الناحية النظرية، على الأقل، ينبغي لها أن تسمح بمزيد من التواصل دون عناء – ونشر أفكار جديدة عبر ثقافات مختلفة وحول العالم أكثر من أي وقت مضى.
في النهاية، قد تصبح التكنولوجيا متقدمة لدرجة أن الناس لن يعرفوا بأن عملية الترجمة تحدث حتى، كما تقول الدكتورة (سايهونغ لي)، أستاذ دراسات الترجمة بجامعة (ستيرلنغ)، إذ تقول: “تلعب تكنولوجيا الترجمة دورًا مهمًا حقًا في السياسة والسفر وفي الحياة اليومية”.
ومع تحسن دقة الترجمة في الوقت الفعلي، انخفضت تكلفة هذه التقنية بشكل حاد، إذ تقدم غوغل، على سبيل المثال، سماعات (بيكسل بدز) بقيمة 160 جنيهًا إسترلينيًا تتيح للمستخدمين ترجمة اللغات في الحال بكبسة زر، وقامت مختبرات أبحاث (وافرلي) بتطوير تقنية مماثلة تسمح لشخصين يتحدثان لغتين مختلفتين بفهم بعضهما البعض باستخدام سماعة أذن بقيمة 200 جنيه إسترليني.
وفي الوقت نفسه، تمتلك كل من (أمازون) و(مايكروسوفت) محركات ترجمة خاصة بها يمكن استخدامها لتحويل النص إلى لغة أجنبية، كما تتيح تطبيقات مثل iTranslate (آي تراسليت) و Translate Voice (ترانسليت فويس) لأي شخص امتلاك أداة ترجمة قوية قائمة على الذكاء الاصطناعي في جيبه، غالبًا مقابل تكلفة قليلة.
ولكن ماذا يعني كل هذا بالنسبة للغات المستقبل؟ وما هي الآثار السلبية؟
تزعم الدكتورة (لي) أننا قد لا نحتاج بعد الآن لتعلم اللغات بدافع الضرورة، إذ تقول: “لا أعتقد أن الآلات ستحل محل البشر تمامًا، لكن لا أحد يستطيع أن يتعلم جميع اللغات، ومن أجل هذه اللغات يمكننا استخدام التكنولوجيا. من المؤسف أن عددًا أقل من الناس يتعلمون اللغات … سيكون تعلم اللغة الثانية للبشر بدافع [إرضاء الذات]”.
وعلى الرغم من أن عددًا أقل من الناس قد يتعلمون اللغات، إلا أن الحاجة إلى خدمات الترجمة لن تتجه إلا نحو الزيادة.
وفقًا لتقرير حديث صادر عن جامعة (نيو ساوث ويلز)، لا يزال المتحدثون باللغة الإنجليزية يسيطرون على الإنترنت، ولكن لفترة قصيرة، وهم يتألفون من 28٪ من مستخدمي الإنترنت، يليهم المتحدثون الصينيون الذين يشكلون بالمائة والناطقون بالإسبانية الذين يُشكلون 8 بالمائة.
ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بالمحتوى المتاح عبر الإنترنت لهؤلاء المستخدمين، تتصدر الإنجليزية بنسبة 56 في المائة، مع تراجع اللغتين الروسية والألمانية (كلاهما بنسبة 6 في المائة) واليابانية والإسبانية (5 في المائة) والصينية في 3 في المائة.
يًظهر التناقض بين هذه الأرقام أن أدوات الترجمة أساسية في العصر الرقمي، وتحسين جودة الترجمات الآلية يعد أمرًا بالنسبة لشركات التكنولوجيا.
تستخدم (كلير سوتي)، مديرة شركة أطلس للترجمة، مزيجا من الترجمة الآلية المحوسبة والبشر لترجمة النصوص؛ قامت شركة (سوتي) بترجمة القوائم الإلكترونية الخاصة بـ Boot Bananas (بوت بناناز)، وهو حشو للأحذية يساعد على منع رائحة الأحذية الرياضية، إلى لغات أوروبية عديدة، محولة المشروع التجاري من مشروع داخل البيت إلى شركة بريطانية تصدر المنتجات في جميع أنحاء العالم.
تقول (سوتي): “سوف ينفق الأشخاص الذين يُبلون جيدًا على Amazon مبلغًا صغيرًا، قد يكون 100 جنيه إسترليني، للحصول على ترجمة جيدة لواجهة المتجر الخاصة بهم، وسوف يلاحظون أنهم سيحصلون على عائد من هذا الاستثمار لأن مبيعاتهم ترتفع”.
تقول (رايسا ماكناب)، الرئيسة التنفيذية لرابطة شركات الترجمة، أن العديد من الشركات البريطانية التي تصدر منتجاتها في الخارج تستخدم خدمات آلية لترجمة المعلومات عن المنتجات؛ غير أنها ترى أيضًا “كميات هائلة من البيانات التي لم تتم ترجمتها من قبل والتي أصبحت الآن تستفيد من الترجمة الآلية”، وتقول: “إنه المحتوى الذي ترغب الشركات في ترجمته، لكن لا توجد ولن تتوفر أبدًا ميزانية للترجمة البشرية”.
يوافق (جواو غراسا)، رئيس قسم التكنولوجيا في شركة Unbabel (أونبابيل) البرتغالية التي تقوم بتطوير برنامج الترجمة الخاص بها، على أن: “حجم المحتوى الذي يتم ترجمته يزداد بشكل كبير، لأننا نمتلك الآن المزيد والمزيد من الإنترنت بلغات مختلفة، ويفضل الناس استهلاك المحتوى بلغاتهم الخاصة”.
ليست الشركات فقط المستفيدة، فوظيفة الكاميرا في تطبيق (غوغل ترجمة) تعني أن المسافرين يمكنهم توجيه هواتفهم الذكية إلى لافتات مكتوبة بلغات أجنبية ومعرفة ما تقول بالضبط. في نفس الوقت، يمكن لطلاب المدارس الحصول على تعليم كان يمكن أن يكون غريبًا عليهم لولاه، ويمكن للسياسيين ممارسة أسلوبهم الدبلوماسي مع مجموعة من الدول.
ولكن على الرغم من كافة تطبيقاتها الواعدة، فإن تقنية الترجمة لا تزال تواجه بعض المشاكل الرئيسية؛ في عام 2018، على سبيل المثال، أُجبر موقع (فيسبوك) على الاعتذار بعد أن ترجم عن طريق الخطأ تعليقات إندونيسية عبر من خلالها المستخدمون عن أملهم في أن ينجو الأشخاص من زلزال مميت وكأنهم يقولون “تهانينا”، ثم عرضوا بالونات ملونة متحركة وقطع زينة حول التعليقات.
حتى (غراسا) يعترف بأن التكنولوجيا لا يمكن الاعتماد عليها دائمًا، إذ يقول: “معظم التكنولوجيا التي تستخدمها الترجمة الآلية لا تزال على مستوى الجملة، لذلك لا يوجد لديها سياق حول ما قيل قبل أو بعد”.
قبل عدة سنوات حدثت طفرة كبيرة في مجال تكنولوجيا الترجمة عندما بدأت شركات مثل غوغل في استخدام الشبكات العصبية في أنظمة الترجمة الخاصة بها، وهذه الأخيرة تحاكي أدمغة البشر والحيوانات لكي تعلم نفسها كيفية القيام بالمهام، سواء أكان ذلك ممارسة ألعاب فيديو أم ترجمة قائمة أمازون من الإنجليزية إلى الإيطالية.
يقول (عوفر شوشان)، الرئيس التنفيذي لشركة One Hour Translation: “إن الأمر أشبه بأخذ طفل، والاستمرار في تعليمه حتى يصبح خبيرًا في جراحة الدماغ”.
ينظم المشروع التجاري مؤتمرًا في الصين الشهر المقبل حول موضوع الشبكات العصبية في الترجمات، ويقول إنه فوجئ بالطلب “الضخم” على التذاكر من شركات التكنولوجيا الصينية التي تطور أنظمة الترجمة الخاصة بها.
ثمة أيضًا ارتفاع في الطلب على الترجمات من الإنجليزية إلى الصينية، كما يقول الخبراء، إذ تتطلع الشركات إلى القيام بأعمال تجارية في الصين والعمل مع الشركات المصنعة في البلاد، غير إن اللغات الآسيوية، بما في ذلك الصينية واليابانية والكورية، هي اللغات التي تعد فيها العديد من خدمات الترجمة الآلية الأضعف.
يقول شوشان “لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به في هذه اللغات من أجل الحصول على نتائج جيدة، لأن البنية مختلفة”؛ وعلى الرغم من أن أنظمة الذكاء الاصطناعي قد تعاني مع بعض اللغات، فإن شوشان يعتقد اعتقادًا راسخًا أن عمليات تسريح جماعي للمترجمين البشر سيأتي في غضون عدة سنوات.
هل تشعر (سوتي) بالقلق من احتمال حدوث انهيار وشيك في صناعتها؟ “لا على الإطلاق، أي شيء عدى ذلك”، كما تقول، مع ذلك، فهي تقول إن “هناك عددًا كبيرًا من شركات الترجمة، وربما قد يختفي بعضها”.
على الرغم من أن احتمال فقدان الوظائف يلوح في الأفق، تتطلع شركات الترجمة إلى طفرة في خدماتها، وتشهد العديد من الشركات البريطانية تدفقًا تجاريًا متجددًا متعلقًا بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
يقول (ماكناب) إن مواطني الاتحاد الأوروبي الذين يعيشون في المملكة المتحدة قد بحثوا عن مترجمين للتقدم بطلب للحصول على وضع مستقر.
تقول (سوتي) أيضًا: “بعد استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، توقف كل شيء وانهارت تجارتنا، لقد أثر فينا ذلك حقًا، ولكن حققنا للتو أكثر ربع ازدحامًا لنا على الإطلاق، لقد فكر الناس “حسنًا، علينا فقط الاعتياد على الأمر”، لا يزال الناس يتداولون على المستوى الدولي مهما حدث”.
وكيفما كانت المزايا التجارية التي قد يقدمها الذكاء الاصطناعي، فإن المتعة البسيطة لتعلم اللغات قد تعني أنها ستظل نشاطًا مهمًا للناس.
بالنسبة إلى (كولين واتكينز)، رئيس عمليات (دولينكو) في المملكة المتحدة، كان استيعاب اللغات في تطبيق خدمة التعليم شاهدًا على فكرة أن الناس سيظلون في بحث عن طرق لتعلم اللغات بسبب التجربة “العميقة” المتمثلة في القدرة على التواصل مع الناس مباشرة، حيث يتحدث قائلًا: “إن الذكاء الاصطناعي ليس في الموقف الذي يمكنه من فهم الفروق الدقيقة والنبرة وحتى الخصوصيات الإقليمية؛ ماذا عن كيفية قياس المشاعر في اللغة؟”
المقال باللغة الإنكليزية: هنا