كتبه لمقع ذي اندبندنت: سلافوي جيجيك
منشور بتاريخ: 23/ 5/ 2019
ترجمة: يوسف باقر كريم
تدقيق: أمير صاحب
تصميم الصورة: اسماء عبد محمد
أثارَ الموسم الأخير من صراع العروش احتجاجا جماهيريّاً، و الّذي تمخّضَتْ عنه عريضةٌ ( وُقّعتْ، تقريباً، من قبل مليون مُشاهِد غاضب) لِإلغاء الأهليّة عن الجزء كلّه و إعادة تصوير موسم جديد. إنّ ضراوة النقاش دليلٌ على لا بُدّيّة أنّ الرّهان الآيديولوجيّ كبير.
تمحوَرَ عدم الرضا حول نقطتين: سيناريو رديء (تحت ضغط لإنهاء المسلسل بسرعة ، تبسيط التّعَقُّد السّرديّ)، و تفسيرعلم النفس السيئ (لم يُبرَرْ تحوُّل دنريس إلى “ملكة مجنونة” عن طريق تطوّر شخصيّتها)، إلخ.
كان من الأصوات الّذكيّة القليلة في النقاش هو صوت المؤلف ستيفن كنك الّذي الذي اشار ان عدم الرضا لَمْ يتولَّد من النهاية الرّديئة بل عن واقع النّهاية نفسه. في عصرنا حيث المسلسلات مبدئيّاً يمكنها أن تطول لأجلٍ غير مُسمّى، تصبح فكرة الاغلاق السردي في القصة غير محتملة .
صحيح أنّ، في خاتمة المسلسل الخاطفة، يهيمن منطقٌ غريب، منطقٌ لا يخلّ بعلم النفس الموثوق و لكنْ بالمُفترَضات السردية المسبقة للمسلسل التلفزيونيّ.
يمثل الموسم الثامن ثلاثَ صراعاتٍ متتالية. الأوّل بين الإنسانيّة و اللاانسانية “الآخرين” ( جيش الّليل من الشّمال بقيادة ملك اللّيل )؛ والثاني بين مجموعتي الإنسانيّين ( عائلة اللانستر و التحالف الّذي يقف ضدّه بقيادة دينيرس و عائلة ستارك )؛ والثالث هو الصراع الدّاخليّ بين دنيرس و آل ستارك.
لذلك تتّبع المعارك في الموسم الثامن مساراً منطقيّاً، من المعارضة الخارجيّة إلى الانقسام الدّاخليّ: هزيمة جيش اللّيل اللّاإنسانيّين، هزيمة آل لانيستر و دمار كنغز لاندينغ؛ الصّراع الأخير بين آل ستارك و دنيرس- بين النبالة التّقليديّة (آل ستارك) حاميةً بإخلاص أفرادها من الطّغاة الأشرار، و دينيرس نوعاً جديداً من القائد القويّ، وهي نوعاً ما بونابرتيّة تقدّميّة تعمل نيابةً عن المعدومين.
بالتالي تكونُ الرّهانات في الصّراع الأخير، هل على الثورة ضدّ الطّغيان أن تكون مجرّد قتالٍ من أجل رجوع النّسخة القديمة الألطف ذات التراتب الهرميّة نفسها؟ أم أنّه يجب أن يتطوّر إلى بحث عن نظام جديد مُفتَقَرٌ إليه؟
تؤلف النّهاية رفض التغييرالجذري مع الفكرة القديمة المناهضة للنسويّة المعمول به عند فاغنر.
بالنسبة لفاغنر، ليس هنالك شيء أكثرُ اشمئزازا من امرأةٍ تتدخّل في الحياة السّياسيّة، مدفوعةً بالرّغبة في السّلطة. على نقيض الطّموح الذكوري، ترغب المرأة بالسّلطة لتعزيز إهتماماتها العائليّة الضّيقة أو، الأسوء، نزواتها الشّخصيّة، غير قادرة أن تستوعب البعد العالميّ لسياسات الدّولة.
تتحوّل الأُنوثة نفسها الّتي، داخلَ الدّائرة الضّيّقة للحياة العائليّة، تُعدّ قوّة الحُبِّ الحامي، إلى جنونٍ فضيع حين تُعرض على مستوى العلاقات العامّة و الدّوليّة. اذكر ابسط نقطة من حوار صراع العروش، حينما تُخبر دنيرسُ جونَ أنّه إذا لم يكن بإمكانه أنّ يحبَّها كملكة، فسوف يحكم الخوف – الفكرة المحرجة والمبتذلة لإمرأةٍ غير مشبعة جنسيّاً تنفجّر إلى غضبٍ مُدَمِّر.
و لكنْ – لنقضمْ تُفّاحتنا المُرّة الآن- ماذا عن هيجان دنيرس الإجراميّ؟ هل يمكن أنْ يُبَرّر قتل الآلاف من النّاس العاديّين في كنغز لاندينغ كخطوة ضروريّة نحو الحريّة العالميّة ؟ عند هذه النّقطة علينا تذكّر أنّ السيناريو كتبَه رَجُلان.
إنّ دنيرس بوصفها ملكةً مجنونة خيالٌ ذكوريّ محض، لذلك كان النّقاد على صواب حينما أشاروا إلى أنّ إنحدارها نحو الجنون غير مبرَّر من الناحية النفسية. يُعبّر مشهد دنيرس بتعبيرةٍ غاضبة و مجنونة تطيرُ على تنّين و تحرق المنازل و الناسَ عن الآيدولوجيا الأبويّة الخائفةً من اِمرأة سياسيّة قويّة.
يلائم مصير المرأة البطلة في صراع العروش هذه الاحداثيات. حتّى و إنْ انتصرتْ دينريس الخيّرة و دمَّرَتْ سيرسي الشّريرة، فأنّ السّلطة تُخرّبها. آريا ( الّتي أنقذتهم أجمعين بقتلها منفردةً ملك الّليل ) تختفي أيضاً، مبحرَةً نحو الغرب ( كما لو كانت لتغزوِ أمريكا ).
الوحيدة الّتي بقيت ( ملكةً لمملكة الشّمال المستقلّة ) هي سانسا، من نوع النساء المحبّب لرأسماليّة اليوم: فهي تجمع النّعومة الأنثويّة و التّفهم مع جرعة كافية من الكيد و بالتالي تلائم علاقات السّلطة الجديدة. هذا التهميش للمرأة هو لحظة أساسيّة للدرس في الليبرالية العامة : الثورات تخطئ الطّريق، فهي تجلب طغاةً جُدد، أو كما يقول جون لدنيرس:
“النّاس الّتي تتبعكِ تعلمُ أنّكِ صنعت امراً مستحيلاً . ربّما هذا يساعدهم في إعتقادهم أنّ بإمكانكِ تحقيق أموراً مستحيلةً أخرى: بناء عالم يختلف عن عالم سيء قد عرفوه دوماً. و لكنْ إن استخدمتِ تنانين لكي تذيبي القلاع و تحرقي المدن، فلستِ مختلفةً..”
و بالتالي، يقتل جونُ عن حُبٍّ (منقذاً المرأة الملعونة من نفسها، كما تنصّ عليه الصّيغة الشوفينيّة الذكوريّة القديمة) الفاعلةَ الإجتماعيّة الوحيدة في المسلسل و الّتي قاتلتْ حقّاً من أجل شيء جديد، عالمٍ جديد ينهي اللّاعدالة البائدة.
إذاً سادت العدالة، و لكنْ أيّ عدالةٍ ؟ الملك الجديد بران: معاق، كلّيّ المعرفة، و لا يريد شيئاً- مع إستدعاء الحكمة الباهتة الّتي مفادها أنّ أفضل الحاكمين أولئك الّذين لا يبتغون السّلطة. كما أنّ الضحكة الساخرة الّتي تلت اقتراح أحدٌ من النّخبة الجدد (سام) إختياراً أكثر ديموقراطيّة للملك، تفصح عن كلّ شيء.
و لا يسع المرء إلّا أنْ يلاحظ أنّ أولئك المخلصين لدنيرس حتّى النهاية هم أكثر تنوّعاً- قائد جيشها أسود- بينما القادة الجدد هم نورديّون بيض ( white nordic ) بشكل واضح. الملكة الراديكاليّة الّتي أرادتْ حرّيّة أكثر للجميع دون إعتبارٍ لمواقعهم الإجتماعيّة و العرقيّة أُقصيَتْ، و عادتِ الأمور إلى إعتياديّتها.
المقال باللغة الانجليزية: هنا