كتبه لواشنطن بوست: يوجين روبنسون
نشر بتاريخ: 22/ 11/ 2018
ترجمة: ياسين إدوحموش
تصميم الصورة: مثنى حسين
في الرياض، لابد أنهم يضحكون على الرئيس ترامب، وفي بيونغ يانغ أيضاً، وفي طهران؛ في بكين، وبطبيعة الحال، في موسكو، لا بد أنهم يضحكون حتى البكاء. كيف لا وهم ينظرون إلى واشنطن ولا يرون نصيراً للحرية وحقوق الإنسان، بل يرون مهرجاً جاهلاً وغبياً.
تعد ردة فعل ترامب – أو عدمها – على القتل الوحشي للنظام السعودي للصحفي جمال خاشقجي بمثابة هدية موسم العطلات إلى الحكام المستبدين في جميع أنحاء العالم، إذ إنها تُظهر لهم أنه إذا كنت تنهال على ترامب بإطراء مبالغ فيه وتقوم بإعطائه بعض الخزعبلات الجيوسياسية وتقدم له وعوداً مبهمة ربما لشراء بعض السلع أمريكية الصنع في المستقبل، فسوف يسمح لك بالإفلات من جريمة قتل بالمعنى الحرفي للكلمة.
تذكروا ما حدث: لقد أغرت الحكومة السعودية خاشقجي ، كاتب عمود مساهم في صحيفة الواشنطن بوست، إلى القنصلية السعودية في اسطنبول، حيث كان يتربص به فريق من القتلة. تم قتل خاشقجي وتقطيع جسمه. وبحسب ما ورد فقد خلصت وكالة المخابرات المركزية CIA بـ “ثقة عالية” – أقرب ما تكون إلى اليقين– إلى أن أمر الاغتيال قد صدر من قبل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للبلاد.
وبعد أسابيع من التلعثم والتردد ، أصدر البيت الأبيض بياناً يوم الثلاثاء من ترامب يوضح فيه أنه بسبب قتل خاشقجي – الذي عاش حياته بولاية فرجينيا – وكان مقيماً أمريكياً دائماً ولديه أطفال من مواطني الولايات المتحدة – فإن النظام السعودي لن يواجه أيه عواقب. لاشيء، ولا حتى ضربة على المعصم.
على الرغم من تقدير وكالة المخابرات المركزية أن ولي العهد أمر بتنفيذ القتل، فإن بيان البيت الأبيض يتردد في ما إذا كان قد علم بذلك مسبقاً: “ربما علم بذلك، وربما لم يفعل”، وقال ترامب نفس الشيء للصحفيين في وقت لاحق، مضيفاً: “إننا نقف مع السعودية. إننا بجانب المملكة العربية السعودية”.
والأكثر ترويعاً أن البيان – الذي تناثرت فيه علامات استفهام، ما يشير إلى أن ترامب نفسه كان له يد في كتابته – يهاجم ويشوه الضحية. لقد كان خاشقجي صحفياً محترماً ينتقد أحياناً الحكومة السعودية، إلا أن رئيس الولايات المتحدة يقترح أنه استحق الموت.
يذكر البيان أن “ممثلي المملكة العربية السعودية يقولون أن جمال خاشقجي كان (عدواً للدولة) وعضواً في جماعة الإخوان المسلمين، لكن قراري لا يستند بأي حال من الأحوال على ذلك.”، هذا تعبير بلاغي معروف باسم paraleipsis – أي قول شيء من خلال الاعتراف بعدم قوله – واستخدامُه لاقتراح أن السعوديين كان لهم الحق بطريقة ما في قتل خاشقجي يجعلني أرغب في التقيؤ.
يؤكد ترامب في البيان – الذي يحمل عنوان “أمريكا أولا!” – ما يسميه “القدر القياسي من الأموال” التي من المفترض أن المملكة العربية السعودية على استعداد لإنفاقها في الولايات المتحدة. يستمر ترامب في إبداء سلسلة من الادعاءات الكاذبة. كلا ، لا وجود لاتفاق على أن ينفق السعوديون 450 مليار دولار على السلع الأمريكية، على الرغم من تأكيد ترامب. كلا، ليس هناك اتفاق ثابت على بيع 110 مليار دولار من مبيعات الأسلحة، إذ إن الرقم الفعلي هو 14.5 مليار دولار. كلا، ما يعتقده ترامب بأن “مئات الآلاف من الوظائف” ليست على المحك. كلا، لا يستطيع السعوديون ببساطة أن يقرروا شراء الأسلحة الصينية أو الروسية ، بدلاً من ذلك.
والحقيقة هي أن الولايات المتحدة تحتفظ بكل الأوراق في العلاقة الأمريكية السعودية. إننا لسنا بحاجة للنفط السعودي ويمكننا الاستغناء بسهولة عن صفقة شرائها للأسلحة. وعلى النقيض، من دون مساعدة عسكرية أمريكية وقطع غيار أمريكية الصنع، فلن يكون بإمكان القوات المسلحة السعودية العمل.
لكن اتركوا جانباً عدم قدرة ترامب على حساب معادلة القوة هنا – ربما ينبغي عليه قراءة كتاب “فن الصفقة” – وانظروا في العوامل الغائبة عن تفكيره. فلا يوجد ذكر في البيان لحقوق الإنسان ولا لحرية الصحافة، كما لا يوجد مفهوم متمثل في كون الولايات المتحدة مدافعة عن الحرية أو عدوة للاستبداد، بل لا يوجد سوى السعي غير الأخلاقي لما يراه ترامب – ليس بوضوح تام – على أنه مصالح وطنية للولايات المتحدة.
لقد حازت العائلة المالكة السعودية على رضا ترامب من خلال استضافتها لأولى زياراته الخارجية والتودد إليه كما لو كان هو أيضاً ملكاً مطلقاً. لقد كان كيم جونغ أون زعيم كوريا الشمالية كريما ومحترِما لترامب في قمتهما – والآن يواصل برنامجه النووي والصواريخ البالستية دون مضايقة؛ في روسيا أثنى فلاديمير بوتين على مهارة ترامب السياسية – ونجا من أي عقاب مجد على التدخل في انتخابات عام 2016. لا يمكن أن يكون هناك حاكم قوي في العالم يفشل في رؤية النمط – والفرصة.
اغدق على ترامب بالثناء وعامله مثل الملك، ولوح بحفنة من المال أمام وجهه، وإن كنت تريد أقتُل صحفياً مزعجاً، على سبيل المثال، فسوف يغض الطرف.
المقال باللغة الإنجليزية: هنا