كتبه لموقع بلومبيرغ: محمد سيرجي وفيرتي راتكليف
نشر بتاريخ: 10/ 4/ 2019
ترجمة: محمد عبد المنعم
تدقيق: مازن سفّان
تصميم الصورة: أسماء عبد محمد
رابع أكبر مصدر للنفط الخام ينافس المملكة العربية السعودية في هيمنتها على أوبك.
أثرت أسماء مثل اليماني والنعيمي والفالح؛ وهم وزراء الطاقة السعوديون على أسواق النفط العالمية على مدى الخمسين سنة الماضية، إذ كان لديهم القدرة ومن خلال بعض التصريحات فقط على إحداث تغييرات في السوق العالمية. مايحدث الآن أن المملكة على وشك خسارة جزء من تلك القوة، إذ يتوارى في الخفاء أسياد النفط العراقيين طامعين في أن يكونوا أصحاب القرار في الأوبك وفي لعبة الطاقة العالمية. العراق التي ظهرت مؤخرًا كرابع أكبر منتج للنفط.
هيئة وزراء النفط العراقية، تلك الهيئة المتغيرة باستمرار والتي بالكاد تتضمن أسماءاً معروفة مسبقاً كانت قد تأسست في بغداد عام 1960. كان العراق آنذاك ولمدة عقدين من الزمن معفى من حصص أوبك الإنتاجية لدخوله في صراعات منذ عام 1980 وعدم قدرته على زيادة إنتاجه للمساعدة في سد النقص أو المساهمة في دعم الأسعار المفروضة من المنظمة.
مضاعفة العراق لإنتاج النفط الخام في العقد الماضي أعطاه أخيراً صوتاً حاضراً في المناقشات التي تجري حول النفط كما دفعهُ ليكون ضمن التخفيضات الأخيرة. انضم العراق مؤخرًا الى اللجنة المراقبة لأداء الدول داخل المنظمة بالرغم من قول مصدر خارجي بأن العراق لم يمتثل لضوابط الإنتاج على عكس ماصرح به المصدر الرسمي العراقي.
ويعتبر حجم الإنتاج قوة في أسواق النفط، إذ لايوجد دولة مؤثرة في هذا القطاع أكثر من السعودية والتي تعتبر أكبر المصدرين بقدرة إنتاجية تساوي 12.5 مليون برميل يوميًا. لكن صعود العراق الأخير يخلق تهديدًا متزايدًا للهيمنة السعودية الحالية. وضع وزير النفط العراقي الأسبق في بداية القرن الحالي أُسس العمل من خلال دعم تقييمات احتياطي البلاد من النفط الخام وإنشاء شراكات مع إكسون موبيل ولوك أويل وبي بي وشركات أُخرى من أجل تطوير مجالات أُهملت لوقت طويل.
هذه الجهود كانت قد أثمرت بالفعل؛ فالإنتاج الحالي للعراق من النفط يبلغ خمسة ملايين برميل يوميًا بينما يهدف لتكون سبعة ملايين ونصف المليون يومياً بحلول عام 2025. ومن المحتمل حسب شركة ماكنزي المحدودة للاستشارات أن يصل العراق لإنتاج ستة ملايين برميل يومياً بدلاً من سبعة ونصف المليون في ذلك التاريخ. لكن حتى لو فشل العراق في تحقيق هدفه المخطط له، فإن قدرته الإنتاجية المتزايدة تبعث برسالة واضحة لأوبك: العراق يمكنه أن يؤثر على الأسواق العالمية.
ويقول المحلل في شركة الاستشارات والبحوث إنرجي أسبيكتس ريكاردو فابياني أن: “زيادة القدرة الإنتاجية تعني أن بإمكانك إعادة التفاوض على حصتك الإنتاجية داخل أوبك”. ويقول أيضاً أن العراق “يحاول بشكل أساسي وتدريجي أن يفرض نفسه كثاني أكبر منتج مؤثر في هذا القطاع” في المجموعة.
لكن أغلب المؤشرات الاقتصادية هناك بعيداً عن النفط تبدو غير مبشرة. التوتر السياسي القائم بين الحكومة المركزية و الأكراد شبه المستقلين عنها يتزايد باستمرار. الأقلية السنية تشعر بأنها هُمشت، والأغلبية الشيعية مستاءة من الخدمات العامة الغير جديرة بالثقة. أسعار النفط قد تضاعفت لتصل الى 60-70 دولار للبرميل الواحد، منذ الهبوط الذي حصل في 2016، ومع دعم المالية العراقية، بقي مؤشر البورصة العراقية منخفض بنسبة 35 بالمئة. وكانت الاستثمارات المسربة خارج العراق خلال الخمس سنوات الماضية قد تجاوزت الأموال التي تم ضخها من الخارج بمقدار 32 مليار دولار حسب الأمم المتحدة.
ومع هذا الارتفاع في الإنتاجية ظهرت التحديات. إذ يجب على البلاد التضحية بجزء كبير من عائداته لتقويض الفائض العالمي بعد سنوات عدة من التصدير فقط. لكن ومع ذلك تبقى البلاد بحاجة الى بيع المزيد من النفط الخام لإعادة بناء البنى التحتية المدمرة وتوفير الخدمات الكافية لتجنب الاضطرابات المحلية المتزايدة، أيضًا توفير بيئة تساعد الشركات الأجنبية على إدارة حقول النفط بأريحية، بالإضافة الى المحافظة على علاقات وطيدة مع منافس المملكة، إيران، في نفس الوقت الذي يسعى فيه العراق إلى جذب الاستثمارات من المملكة وفي نفس وقت تواجد القوات الأمريكية فيها .
السيطرة على هذه العوامل هي بيد الثلاثي الخبير في عالم الطاقة؛ عادل عبد المهدي رئيس الحكومة ووزير النفط الأسبق، وثامر غضبان الخبير في مجال النفط والذي عُين رئيسا للوزارة في تشرين الأول، ومحلل الطاقة البارز لؤي الخطيب الذي كان قد عُين وزيراً للكهرباء، وهو منصب حساس في بلد، رغم ثروته النفطية إلا أنه يفتقر لمحطات تزويد طاقة ثابتة ومستدامة.
وقد كان الخطيب أثناء عمله كمحلل ناقداً لعمل الحكومة العراقية حيث كتب قبل عدة أسابيع من تعيينه وزيراً “هذه آخر فرصة لإصلاح العراق”. الرهان عالٍ الآن بالنسبة للعراق والمنطقة.
لكن أياً من هذه الأهداف المثالية لن يتحقق إذا لم تستمر البلاد في إنتاج النفط، المهمة التي زادت تعقيداً بتخفيضات أوبك على الحصص الإنتاجية، إذ أن بُنية صناعة النفط العراقية التي تعتمد بشكل كبير على المستثمرين الأجانب مقارنة بأغلبية أعضاء المنظمة، تجعل ضبط الإنتاج أكثر تعقيداً مما يبدو.
تقليص إنتاج الحقول التي تنتج الغاز أيضاً ليس بالأمر السهل، لأن العراق بحاجة شديدة للوقود لتوليد الكهرباء، ولأن غالبية التوسع النفطي مع شركاء أجانب أتى من هذه الحقول. يقول فريتس كلاب المدير لتنفيذي الأسبق في رويال دوتش شيل والذي يشغل منصب المدير العام الحالي لشركة غاز البصرة وهو المشروع المشترك للشركة الأصلية في العراق: “ربما لن يتأثر المنتجون للغاز بتخفيضات الأوبك كأولئك الذين لا ينتجونه”.
سيتعين على العراق أيضًا تجنب اقتطاع الإنتاج من الاحتياطي الذي تديره شركات النفط الدولية، والذي يقدر بثلثي حجم الإنتاج، لمنع تكبيد نفسه غرامات إضافية ومخاطرة محتملة بالوصول لرؤوس الأموال والتكنولوجيا الأجنبية، ذلك سيلزم الحكومة الاعتماد على الشركات المحلية والإذعان لتخفيضات أوبك فضلاً عن استنزاف الشركاء أجانب.
يقول إيان توم، المحلل الرئيسي لشركة مكانزي في الشرق الأوسط: “الضغط سيكون على شركات النفط الإقليمية لتحمّل العبء الناتج عن أي تخفيض في الإنتاج يقوم به العراق”.
بينما يظهر بعض المحللين والمستثمرين نفس التفاؤل لدى الجهات الرسمية العراقية، تظهر الأغلبية قلقاً، ليس من الوضع الأمني فقط وإنما من قضايا أُخرى عالقة، تتضمن هوامش الربح الضيقة، اضطرابات سياسية، البيروقراطية، الفساد، وعدم كفاية البنى التحتية للتصدير، إذ امتنعت غاز بروم وتوتال وإكسون موبيل وعدة شركات كبرى من الدخول في المزاد العراقي على الغاز والنفط في نيسان 2018، تاركةً المجال لشركات صغيرة أُخرى من الإمارات والصين لتحمّل هذه المخاطرة.
يقول فابيان خبير الطاقة: “الحكومة العراقية غير مستقرة بتاتاً ولاتحظى سوى بدعم فاتر من الأحزاب الرئيسة في البرلمان”. إذا كان للحكومة فرصة للحفاظ على السلطة، فسوف تحتاج إلى توزيع الأموال على الناس والسلطات المحلية بدلاً من الاستثمار في النفط والبنية التحتية. وأضاف فابيان أن “الضغوط قصيرة الأمد يمكن أن تقوض وتنهي الطموحات طويلة الأمد”.
المقال باللغة الإنجليزية: هنا