بقلم : مات ديفيس
بتاريخ :20-9-2018
ترجمة : دعاء عماد
تدقيق : ريام عيسى
تصميم الصورة : امير محمد
غالباً ما نعتقد أن الرسم نوع من الفن الذي يتطلب موهبة فطرية كون هذا النوع من التفكير تجلى من تصنيفنا للرسم بهيئة ابداعية وفنية أكثر من كونه أداة للتعلم, بدأ باحثين ومعلمين وفنانين عدة يلاحظون كيف أن الرسم يمكن أن يؤثر ويصقل عدة مهارات ومواهب بطريقة ايجابية في آنٍ واحد, الرسم ليس موهبة فطرية فحسب بل يمكن تعلمهُ وتطويرهُ وهذا شيء يمكنهُ أن يساعد الناس ويحثهم لرؤية العالم بصورة أدق وتذكر الأحداث وتوثيقها بطريقة أفضل وخلق منظور منفرد وجديد لعالم خاص بهم.
مارس معظمنا الرسم في مرحلةٍ ما في حياته حتى لو كان بصورة إجبارية في دروس الرسم في المدرسة أو بتخطيطك دوائر وأشكال في هوامش دفتر ملاحظاتك وأنت شارد الذهن أثناء محاضرة مملة تتحدث عن أهمية (المايوتوكوندريا) ودورها الفعال في الخلايا حقيقة النواة, أو عن استنتاج معادلة في الرياضيات عن الخط المتوازي, لكن في مرحلة ما توقف أكثرنا ماعدا البعض أستمر حمداً لله فالعالم بدون فن بدون مصممين فنانين ورسامين سيكون باهت معدوم الحياة لكن الغالبية العظمى من البالغين بمجرد اكمال دراستهم الأكاديمية وتجاوزهم مرحلة تلقي الملاحظات توقفوا عن الرسم وأصبحت أقصى مهاراتهم الإبداعية تظهر في اختيارهم لنوع خط منمق لتقديم عرض أو بحث من برنامج (power point).
يمكن القول أن هذا الموضوع أصبح محط جدلٍ إذ يقول البعض أن معظم البالغين الذين ابتعدوا عن الرسم والتخطيط لأنهم ذهنياً قاموا بتصنيفه بطريقة خاطئة وحصروه خلال مفهوم ضيق مرتبط بالموهبة الفطرية. يوضح البروفيسور (دي.بي دوايد) بشكل خاص في كتابهِ (الرسم العمودي :الرسم كممارسة إنسانية): لقد قمنا بتقليل قيمة الرسم وأهميتهُ لأننا ببساطة نراهُ كمهارة احترافية بحتة لا قدرة شخصية ومهارة مكتسبة قابلة للتطوير هذا السبب الرئيسي الذي أصبح عائقاً أمام فهمنا للرسم واستيعابه بصورة صحيحة إضافة لذلك حال دون رؤيتنا له كأداة للتعلم يسترسل (دوايد) بحديثهِ قائلاً نحن نتقبل الرسوم الجيدة الاحترافية بمفهوم خاطئ
كأن تكون اعادة تجسيد وخلق لعالم واقعي أو كوهمٍ يتصف بالواقعية لحدٍ كبير بل الأصح الرسم يجب أن يُصنف كأداة رمزية يمكن تعلمها وإتقانها. في حوارٍ لهُ مع مجلة (برينت) قال البروفيسور (دوايد): “الرسم هو أقدم نشاط بشري مارسهُ الإنسان”، مثلاً لنقل كيف أذهب للمطار؟ لنتظاهر أن بطارية الهاتف نفذت أذاً مقترح استعمال خدمة تحديد الموقع غير مطروح أي شخص سيحاول الإجابة أول ما سيتبادر لذهنه إحضار ورقة وقلم ورسم مخطط يوضح لك الطريق للمطار, وهذا ما نفعله عند وضع قواعد لعبة الهوكي أو في علم الجيولوجيا.
يرسم البشر منذُ حوالي 73000 سنة هذا الشيء جزء من تكوينهم البشري فنحن لا نملك القوة الجسمانية التي تمتلكها قردة الشمبانزي لكن في المقابل نمتلك قوة متأصلة فينا تمكننا من استعمال والتلاعب بأدوات مختلفة كالمطارق والرماح ولاحقاً الأقلام.
التركيب التشريحي لليد البشرية عبارة عن شبكة غير متناهية لنهايات الخلايا العصبية, في المجسم الموجود في الصورة أعلاه نلاحظ أبعاد الجسم كاملةً وحجمها الضئيل مقارنة باليدين التي تكون فيها مراكز الحسية الجسدية والاستجابة العصبية بأكبر قدر ممكن وهذا الشيء بحد ذاته كفيل بتوضيح ذلك أن البشر خُلقوا ليرسموا.
في الواقع يمكن القول أن للتخطيط والرسم دور وتأثير قوي في العمليات الدماغية التي تتعلق بالقدرة الاستيعابية حيث أظهرت الدراسات أن التمارين التخطيطية أو كما تسمى بحسب استجابة الدماغ لها (الدوائر الافتراضية) تعمل كمحفز للإبقاء على مستوى رئيسي وثابت من التركيز والاستجابة لما يدور في محيط الدماغ في حالة عدم وجود محفز أخر للتركيز, وعليهِ يمكن القول أن الرسم والتخطيط أثناء محاضرة مملة من شأنه أن يرفع القدرة الاستيعابية والتركيزية للدماغ لدى الطلاب.
أظهرت الكثير من الأدلة والدراسات أن الرسم والتخطيط من شأنه أن يطور ويحسن مستوى الذاكرة بشكل كبير. في دراسة أجريت على عدة مشتركين طُلب من قسمٍ إلى الاستماع لمجموعة أسماء في حين طُلب من القسم الأخر الاستماع أثناء قيامهم ببعض التخطيط والرسم، أتضح أن المجموعة التي كانت تخطط وترسم استطاعت تذكر الأسماء بصورة صحيحة بنسبة29% مقارنةً بالمجموعة التي أكتفت بالاستماع فقط.
وهذا لا ينطبق على العقل اللا واعي فقط فملخص الحديث أن الرسم والتخطيط بصورة عامة سواء كان تجسيداً لفكرة أو رسماً لشيء مادي فهو يجبر ويشحذ عقلك للتعاطي والتعامل مع أي موضوع بعدة طرق وسياقات ويحفز قابليتك على فهم الأمور بصورة أوضح وأعمق.
في دراسة أجريت من قبل عدة باحثين قاموا من خلالها بتصنيف مجموعتين للمشتركين عن طريق قدرتهم على تذكر الكلمات أو الأحداث بناءً على طريقة تلقيهم إياها في بادئ الأمر سواء عن طريق الكتابة باليد أو عن طريق رسم الفكرة مثل كتابة كلمة تفاحة أو رسم التفاحة بينت النتائج أن المجموعة التي قامت استطاعت تذكر ضعف عدد الكلمات.
هنالك أيضاً أدلة توضح أن موهبة الرسم تعتمد على كمية الدقة التي يلحظ بها الرسام العالم من حوله مدى انتباههُ للتفاصيل, نظام الرؤية لدى البشر يميل للخطأ وعدم ملاحظة الأمور بدقة عالية كالحجم والشكل واللون والأبعاد, لكن الرسام بشكل خاص يلحظ هذه الأمور ويتمعن بالتفاصيل بصورة أقوى وأشد.
غرس وتطوير موهبة الرسم يمكنهُ أن يجعلها أداة في غاية الأهمية لدى الأشخاص الذين يعملون ضمن مجالات تتضمن دقة الملاحظة وحدة النظر.
في علم الأحياء مثلاً تصنيف ووصف الشكل والهيئة لكائن حي ممكن أن يكون صعب خاصةً قبل اختراع الكاميرا والتصوير لغرض اظهار اكتشافاتهم وبحوثهم الجديدة للعالم, بعض علماء الأحياء أعادوا إدخال الرسم ضمن فصولهم الدراسية لأن الرسم يساعد الطلاب والناس بصورة عامة على رؤية العالم بصورة أفضل, وبهذا بدلاً عن النظر للرسم على أنه موهبة يمتلكها الأشخاص المبدعين فقط يمكننا أخذهُ من منظور أخر على أنه أداة تساعدنا على رؤية وفهم العالم من حولنا بصورة أفضل وبصورة بداعية أكثر.
فكل الرسومات والخربشات التي تقوم بها سواء كانت تنبع من عقلك الباطن أو مما يدور من حولك في حياتك تأثر بشكل ايجابي للغاية على ذاكرتك وعلى مستوى الحدة البصرية لديك لذا أبذل جهدك في المرة القادمة وحاول الحصول على علامات كاملة في حصة الرسم.
المصدر: هنا