كتبه لصحيفة ذي ايكونوميست: جونسون
نشر بتاريخ: 19/ 1/ 2019
ترجمة: إبراهيم العيسى
تصميم الصورة: مثنى حسين
تكمن البراعة في جذب قلوب الأولاد وعقولهم إليهــــــــــــــا
“تفهمين جدتك عندما تتحدث إليك، أليس كذلك يا عزيزتي؟”-
ترد الفتاة بإيماءة بالرأس
قابلها جونسون في المطار وفي الطريق إلى الدنمارك، وقابل كذلك معها أمها الدنماركية وأباها الإنجليزي. كان الأبوان توّاقين للحديث عن تجربتهم في تنشئة ابنتهم في لغتين متوازيتين في لندن. ليس هذا بالأمر السهل؛ إذ لا يتحدث الأب اللغة الدنماركية وبالتالي تسمعها البنت من أمها فقط. الأم التي ما كان لها من بد سوى أن تقبل أنّ ابنتها سوف تردّ باللغة الإنجليزية.
قد يكون هذا شاقاً. إذ إنّه من الصعب ألاّ تشارك لغتك الأم مع من تحبهم. والأقسى من ذلك ألاّ تورثها لهم. يراود الكثير من الآباء المغتربين والمهاجرين إحساسٌ بالفشل؛ يتحسرون ويتشاركون قصصهم في منتديات الأبوّة ووسائل التواصل الاجتماعي، على أمل معرفة السر في تنشئة الأولاد ثنائيي اللغة بنجاح.
من الناحية اللغوية يكون الأولاد مثل الاسفنج، إلاّ أنّ التعرّض السطحي لها ليس كافياً بالتأكيد. إذ يجب أن يسمعوا اللغة بعض الشيء ليفهموها، وأن يستخدموها مراراً ليصبح بمقدورهم الحديث بها بأريحية. هذا عمل ذهني، والطفل الذي يفتقر الحافز للحديث بلغة ما، سواء كان الحافز حاجة أو رغبة، سيتهرّب من تلك اللغة ويتجنبها إذ إنّ هناك أمور غيرها تشغل أدمغتهم.
تذبل اللغات وتموت غالباً عندما يهاجر الآباء. أمريكا مثلاً، يشكل الأجانب (من ولدوا خارج الولايات المتحدة) ما نسبته 13.7% من السكان ولم تنخفض أبداً دون 4.7% من السكان (في عام 1970). ومع ذلك لا تتزايد أعداد الناطقين بلغات أجنبية؛ إذ إنّ 25% من السكان فقط يتحدثون لغة ثانية. ومردّ ذلك أنّ الجيل الأول الذي يولد في أمريكا يكون ثنائي اللغة عادة، والجيل الثاني أحادي اللغة. في اللغة الإنجليزية يصارع الأولاد عادة للحديث بيسر مع أجدادهم المهاجرين
في الماضي، كانت الحكومات تعيق احتفاظ العائلات المهاجرة بلغاتها الأم. كان الرئيس الأمريكي تيدي روزفلت يخشى من أن تصبح أمريكا مثوىً متعدد اللغات. في هذه الأيام، يفضّل المسؤولون سياسة عدم التدخل، بل إنّ بعضهم يرى في مقدرات المهاجرين اللغوية قيمة بالغة. إلاّ أنّ الكثير من العوامل تسهم في جعل الأولاد يفقدون لغات ذويهم، أو حتى لا يتعلمونها أبداً.
أحد العوامل الكبرى هو الضغط المؤسساتي. فالوقت الذي يقضيه الولد في تعلم لغته الثانية يكون على حساب لغته الأم. ولهذا يعمد المدرسون عادة إلى تثبيط همة الآباء في الحديث بلغتهم الأم أمام أبنائهم (وغالباً يكون ذلك صحيحاً إن كانت اللغة الثانية تفتقد الاحترام والسمعة). ونتيجة لخوف الآباء على تعليم أبنائهم، يقبلون بذلك ويلتزمون به ولو على مضض. هذا مؤسف! فالأولاد بمقدورهم البراعة في لغتين وأكثر. هذا وتشير الأبحاث إلى أنّ مفرداتهم في كل لغة قد تقلّ نوعاً ما لفترة وجيزة. إلاّ أنّ هناك دراسات تلمّح إلى المزايا الإدراكية في أوساط ثنائيي اللغة. فمن الممكن أن يكونوا أكثر خبرة ومهارة في المهام المعقدة، ويركزون انتباههم بشكل أفضل، وفي خريف العمر، يتأخر لديهم ظهور الخرف.
وحتى من دون الآثار الجانبية تلك، فإنّ علاقات الولد ثنائي اللغة بأقاربه وبثقافة ثانية هو أمر حسن بحدّ ذاته. كيف يحدث ذلك؟ عندما يتشارك الأبوان ذات اللغة، فإنهما يعمدان إلى استخدامها في البيت، ويستخدمان اللغة الوطنية خارجه. لكنّ اللغوي في جامعة نيوشاتيل في سويسرا فرانسوا جروسجان يشدد على ضرورة أنّه عندما تكون لغاتهم الأم مختلفة، فإنّ المنهج الأكثر شيوعاً هو “أب واحد، لغة واحدة”. كما ويوصي كذلك بتحديد مناسبات معينة يتم فيها الحديث باللغة التي تحتاج بعض الدعم للاستخدام.
أمّا سابين لتل، لغوية في جامعة شيفيلد في ألمانيا، فتصبّ تركيزها على ناحية أخرى. إذ ترى أنّ اللغة الأم هي واجب آخر يفرضه الآباء مما قد يؤدي الى رفض الأبناء لها. ولذا توصي أن نترك الأمر للولد كي يصوغ علاقته العاطفية الخاصة باللغة. فقد ترك ابنها اللغة الألمانية بضع سنوات قبل العودة إليها. وهي بدورها تركته يحدد متى يتحدثون بها سوياً. (كان يختار رحلات الزوجين في سيارتها بعد نشاطات المدرسة، أي تلك التي يكون فيها أبوه، الذي لا يتحدث الألمانية، موجوداً). يسخرون عندها من مزجه الكلمات الألمانية والإنكليزية وإقحامها في معجمهم اللغوي. وتضيف أنّه مثل كثير من الأولاد، فإن وقت مشاهدته على اليوتيوب محدود لكن نسمح له بالمزيد إن كانت الفيديوهات التي يتابعها باللغة الألمانية. تشير السيدة لتل إلى أنّ التعلم من التطبيقات الإلكترونية والتسلية هو للناطقين الرسميين وحسب. وبرأيها إنّ النمط التعليمي فيه وظائف وواجبات.
اللغات جزء لا يتجزأ من الهوية، إذ يحزّ في القلب أن يحاول أحدهم نقل لغته الأم إلى فلذة كبده ويفشل. قد يكون النجاح مسألة تتعلق بتذكّر أنّ اللغات ليست مجرد شيءٍ تقوم بغرزه في عقل الولد، بل أمر يتعلق بقلبه وعواطفه.
المقال باللغة الإنجليزية: هنا