الكاتب: ديريك بيريس
التاريخ: 21 تموز/بوليو 2020
ترجمة: الطيب جابر عطا الله
تدقيق: ريام عيسى
تصميم الصورة: حسن عبدالامير
- وفقاً لبحث جديد أجرته جامعة واشنطن، سيحدث انخفاض كبير في عدد سكان العالم بعد عام 2064.
- زيادة فرص حصول الفتيات والنساء على وسائل منع الحمل وتحسين تعليمهن من أسباب حدوث ذلك.
- ستضطر بلدان عديدة إلى العمل بجد للتعامل مع التوابع الاجتماعية والمالية المترتبة على الانخفاض.
بعد مرور قرنين من النمو غير المسبوق في سكان العالم، سيبدأ هذا النمو في التقلص بعد عام 2064، وهذا الخبر يمثل بشرى طيبة لعدة أسباب، يأتي في مقدمتها الإقبال الزائد على تعليم الفتيات والنساء.
إنها الكلمات التي أدلى بها فريق كبير من الباحثين في معهد القياسات والتقييم الصحي (IHME) في كلية الطب بجامعة واشنطن، وقد نشرت النتائج التي وصلوا إليها في مجلة لانسيت (The Lancet) مؤخرًا.
ويتوقع الفريق بلوغ عدد سكان العالم ذروته، إذ يصل العدد إلى 9.7 مليار نسمة في عام 2064، قبل أن ينخفض إلى 8.8 مليار نسمة في مطلع القرن. ويتناقض ذلك مع النتائج السابقة الصادرة عن الأمم المتحدة، إذ ما زال عدد سكان الأرض اليوم يفوق المليار نسمة.
ومن أجل تعويض معدل السكان ذلك، ينبغي أن يبقى معدل الخصوبة الكلي 2.1 مولود لكل امرأة. ونتيجةً للتحسينات التي طرأت على فرص الحصول على وسائل منع الحمل، وزيادة فرص التعليم المتاحة للفتيات والنساء، انخفضت المحفزات الدافعة إلى إنجاب الأطفال.
شهدت بعض المناطق انخفاضاً كبيراً في عدد السكان. فعلى سبيل المثال، يبلغ معدل الخصوبة الكلي في كل من إيطاليا وإسبانيا الآن 1.2، و1.17 في بولندا. وحتى في المناطق التي تتمتع “بخصوبة عالية” طرأت تغييرات على معدل الزيادة. ففي البلدان الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى بلغ متوسط حالات الولادة لكل امرأة 4.6 حالة في عام 2017؛ ومن المتوقع أن ينخفض هذا العدد إلى 1.7 في عام 2100. فدولة النيجر التي تمتلك أعلى معدلات الخصوبة؛ وهي بمعدل سبعة أطفال للمرأة الواحدة، يتوقع أن تشهد تراجعاً قدره 1.8 مولود في 2100.
وستكون الخسائر المالية الناجمة عن حدوث ذلك التقلص ضخمة؛ ويرى الباحثون أن شروع الدول في وضع خطط للتعامل مع ذلك الأمر بات حتمياً الآن. وفي معرض مناقشة بشأن الأفراد في سن العمل (تتراوح أعمارهم من 20 إلى 64 سنة) يقول الباحثون:
«كان من المتوقع حدوث انخفاض كبير في عدد العمال في الصين والهند، إضافة إلى حدوث زيادات تدريجية في نيجيريا. وبحلول عام 2100، كان من المتوقع أن تظل الهند صاحبة أكبر عدد سكان في سن العمل في العالم، تليها نيجيريا، والصين والولايات المتحدة الأمريكية.»
رسم خرائط سكان العالم ومستقبل العالم / مجلة الإيكونوميست
أبدى دكتور ريتشارد هورتون، رئيس تحرير مجلة لانسيت، تعليقاته على تلك الدراسة قائلاً:
«تقدم هذه الدراسة رؤية لتحولات جذرية في القوى الجيوسياسية، وتتحدى الأفكار المغلوطة المرتبطة بالهجرة، وتشدد على أهمية حماية الحقوق الجنسية والإنجابية للمرأة والعمل على تعزيزها. وسيشهد القرن الحادي والعشرون ثورة في قصة حضارتنا البشرية. وستشكل أفريقيا والعالم العربي مستقبلنا، في الوقت الذي سيتراجع فيه نفوذ أوروبا وآسيا.»
وفي واقع الأمر ستشهد أعداد السكان في بلدان آسيا ووسط أوروبا وغربها ذروة ذلك التراجع. إذ سيشهد عدد سكان اليابان التي تبذل قصارى جهدها من سنوات لحل تلك المعضلة انخفاضاً سكانياً من 128 مليون نسمة في عام 2017 إلى 60 مليون نسمة في عام 2100، وتايلاند من 71 إلى 35 مليون، والبرتغال من 11 إلى 5 مليون، وكوريا الجنوبية من 53 إلى 27 مليون.
وتسلط الدراسة الضوء على مقدار التوسع، غير أنها لا تناقش مقدار سرعة بلوغنا إلى المستويات الحالية. فبعد مرور 350.000 سنة من وجود الإنسان العاقل على كوكب الأرض وصل عدد سكان العالم مليار شخص في عام 1804. وحتى يصل عدد السكان إلى مليارين شخص استغرق الأمر 123 عامًا؛ و33 عاماً للوصول إلى ثلاثة مليارات ؛ و14 عامًا إلى أربعة مليارات. وفي حالة بلوغ عدد السكان إلى 8 مليارات شخص بحلول نهاية هذا العقد سيكون عدد السكان قد تضاعف أربع مرات في قرن واحد فقط.
غير أن تحمل أمر تلك الزيادات بات أمراً مستحيلاً. وكما ثبت من وباء كوفيد-19، فإن نظم إدارة سلسلة الإمدادات، ونظم الرعاية الصحية في العديد من البلدان خارجة عن العمل، ولا سيما في أمريكا. ونتيجة الاستعانة بمصادر خارجية، ووجود نظام رعاية صحية قائم على تحقيق الربح، فإن عدم المساواة في معدلات الدخل تسبب في وجود شرخ في المجتمع. كما وجود زيادة في أعداد البشر خلال الوباء، إلى جانب اتسام فئة كبار السكان بالضعف، ينبغي أن يمنحنا وقفة للتفكير.
وبطبيعة الحال ، فإن الإنجاب هو عملية بيولوجية أكثر من كونه عملية فلسفية. إذ أن البقاء على قيد الحياة هي الغاية التي تسعى إليها كافة الأنواع. ووفقاً لما تشير إليه تلك الدراسة جرى التخفيف من وطأة الأضرار المحتملة الناجمة عن الاكتظاظ السكاني باستخدام وسائل منع الحمل، وتوافر فرص الحصول على التعليم. لذا فإننا إما بحاجة إلى توزيع عادل للموارد الموجودة حول العالم-ويصعب تخيل ذلك الأمر في ظل وجود نظام عالمي تحكمه الرأسمالية-أو دفع ثمن ولادة الكثير من البشر. ويمكن وضع نهاية للأمر الأخير بتخفيض إنجاب عدد الأطفال.
ويقيس شتاين إميل فولسيت، أستاذ الصحة العالمية في معهد القياسات الصحية والتقييم، والمؤلف الرئيسي للدراسة، التكاليف والفوائد الناجمة قائلاً:
«في الوقت الذي يمثل فيه التراجع السكاني خبراً ساراً، بسبب ما سيترتب عليه من انخفاض في معدل الانبعاثات الكربونية، والضغط على النظم الغذائية، فإن توابع اقتصادية ستحدث نتيجة لذلك الأمر سببها وجود عدد كبير من كبار السن، في مقابل القليل من أعداد السكان الشباب؛ لذا ستكافح المجتمعات من أجل تحقيق النمو باستخدام عدد قليل من السكان، ودافعي الضرائب، إضافة إلى انخفاض قدرات البلدان على توليد الثروة المطلوبة لصندوق الدعم الاجتماعي والرعاية الصحية للمسنين.»
ويعتقد الباحثون أن الهجرة ستمثل إحدى القضايا الملحة خلال العقود المقبلة. وقد يعني ذلك انخفاض المساحة المأهولة بالسكان، واندفاع السكان بكثافة للعيش في مناطق تتسم بالقوة من الناحية البيئية والمالية، وهو الواقع الذي سيلي حدوث التغييرات المناخية في كافة الأحوال.
وفي الختام يعلق إبراهيم أبو بكر، بروفيسور في كلية لندن الجامعية، قائلاُ: «أن توزيع السكان في سن العمل سيكون أمراً ضرورياً سواءً لنهضة البشرية أو معاناتها.» وقد لا يخالجك قلقاً بشأن ذلك الأمر بحسب سنك، غير أن القلق بات مرتبطاً بمصير أطفالنا، وأحفادنا بالتأكيد. »
المصدر: هنا