كَتَبَهُ لموقع “سايكولوجي توداي”: نيل بورتن
نُشر بتاريخ: 5/6/2012
ترجمة: عباس قاسم
تدقيق ومراجعة: عقيل صكر
تصميم الصورة: أسماء عبد محمد
يُمكن أن يُعاني مرضى الاكتئاب من تشوّهات إدراكية؛ حول الأحداث اليومية. ومن الأمثلة على هذه التشوّهات الإدراكية هو (التجريد الإنتقائي) و (التفكير الثنائي) و (التفكير المأساوي). التجريد الإنتقائي: هو التركيز على حدث أو حالة سلبية واستثناء الآخريات الإيجابيات. على سبيل المثال، قد تكون شخصية ما مشغولة بواقع أنها ليست مرتبطة بعلاقة في الوقت الحالي وتهمل حقيقة أن لديها عائلة تدعمها والعديد من الأصدقاء الطيبين. أما التفكير الثنائي: فيرتبط بتفكير “كل شيء، أو لا شيء”. ومن الأمثلة الشائعة عن هذه الحالة بين مرضى الاكتئاب المقيمين في المستشفيات: هي قولهم “إن لم يأتِ ويزرني اليوم فهو لا يحبني”. وأخيراً، التفكير المأساوي: يتضمن المبالغة في توقع النتائج المحتملة لحدث أو موقف معين، كأن يقول أحدهم: ” إن ألمَ ركبتي يزداد سوءاً. عندما أصبح على كرسي متحرّك؛ لن أستطيع الذهاب إلى العمل، ولن أدفع فواتيري، وبالتالي سوف أخسر منزلي، وأعيش في الشوارع وأموت من البرد.”
وفي المقابل، معظم من هم غير مكتئبين يمتلكون منظور وردياً لا داعي له فيما يخص صفاتهم وظروفهم وإمكانياتهم. فمثلاً، معظم الناس يعتقدون أنهم أفضل من السائق أو المواطن أو الأب الاعتيادي، وتدل هذه الأمور بمجموعها إلى أن السائق أو المواطن أو الأب الاعتيادي ليس اعتيادياً على الإطلاق، وهذا بالتأكيد مستحيل إحصائياً! حيث من المرجّح أن شخصان مقبلان على الزواج قد يبالغا في تقدير فرص أن يقضوا شهر عسل رائع أو أن يحظيا بطفل موهوب ولكنهما يستهينان باحتمالية أن يمرا بحالة إجهاض أو أن يمرضا أو ينفصلا عن بعضهما. هذه الأوهام الإيجابية كما تسمّى، سائدة كلياً، وهي البئر المسموم الذي نستقي منه ثقتنا بأنفسنا.
قد تمنحنا الأوهام الإيجابية فوائد معينة: كالقدرة على المجازفة، وامتلاك نظرة ثاقبة؛ للمشاريع والاعمال الكبيرة، والقدرة على تحمّل الأحداث المأساوية. أما فقدان هذا المنظور وسوء تقدير الأمور الناتجان عن الإفراط في تقدير الذات، والأمل الزائف، سيؤدي على المدى البعيد إلى خيبة أمل وفشل ومآسي أيضاً، ناهيك عن المشاكل العاطفية والسلوكية (كالغضب، والقلق، وما إلى ذلك) والتي يمكن أن تكون مرتبطة بموقف دفاعي للشخص. وباختصار، فأن الأوهام الإيجابية هي أشبه بالعكّازات، مفيدة لذوي الإعاقة لكن من لا يعانون من إعاقة هم في غنى عنها.
تشير المؤلّفات العلمية إلى أنه رغم معاناة مرضى الاكتئاب من تشوّهات إدراكية لكن بعض من يعانون من حالات اكتئاب بسيطة إلى متوسطة يمتلكون حكماً دقيقاً لنتائج الأحداث المحتملة (الأحداث التي قد تقع أو لا تقع) ونظرة واقعية لدورهم، وقدراتهم، وحدودهم. وقد تمكن هذه ” الواقعية الكئيبة”، كما تسمّى، لشخص بأن يلقي بالتفاؤل البولياني والتوقعات الوردية – التي تقينا من الواقع – لكي نستطيع أن نرى الحياة بوضوح ودقة، وأن نبني حكمنا على هذا الأساس.
وإن كان الأمر كذلك فإن مفهوم الاكتئاب يمكن أن يُقلب راساً على عقب، وتُعاد صياغته بإيجابية، كأن يكون ” الشك الطبيعي بأن الحياة المعاصرة ليس لها معنى وأن المجتمع الحديث سخيف ومنفّر”. ويرى العديد من الخبراء الصحيين والمختصين بأن هذا النوع من اللادينية هو ما يستدعي التحريم. إلا أن السؤال عن معنى الحياة هو أهم سؤال يمكن أن يطرحه الشخص وإدراك أنه يمكن أن تعيش حياتك على نحو مختلف سيؤدي حتماً إلى الاكتئاب كردَّة فعل، سيكون شتاءً قاسياً إلا أنه قد يتبعُ بربيعٍ جميل.
علينا أن نكون حذرين بأن لا نخلط طبيعتنا البشرية بعجزنا وقصورنا أو لمحات الحكمة الرقيقة بالأمراض العقلية.
المقال باللغة الإنجليزية: هنا