الخليج والربيع العربي- المقال الثالث
إعداد وترجمة: كلكامش نبيل
تصميم الصورة: أحمد الوائليّ
في مطلع أيار/مايو، انتهيت من قراءة كتاب “دول الخليج والإصلاح في الشرق الأوسط: بين إيران و”الربيع العربي”، للدكتور يوئيل غوجانسكي من كلية العلوم السياسية بجامعة حيفا ومعهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، والصادر عن دار بالغريف ماكميلان عام 2015.
يقع الكتاب في 4 فصول أساسية، قمت بتناولها في ثلاث مقالات من أجل تغطية الموضوعات المتشبعة التي يتناولها الكتاب فيما يخص تاريخ دول الخليج والعلاقات والخلافات البينية وعلاقة هذه الدول بالولايات المتحدة الأميركية وإيران وإسرائيل.
في الجزء الثالث من الكتاب، “الاستقرار والربيع العربي”، يشير الكاتب الى أن دول مجلس التعاون الخليجي ليست دول وطنية، بل دول قبلية، وأن الطبيعة القبلية للدولة واضحة في العقد الاجتماعي بين النظام والمواطنين. لكن هذا لم يجعل هذه الدول في معزل عن الخطر الذي نشأ عن انتفاضات الربيع العربي.
يرى الكاتب أن الحكام لجأوا للجانب الاقتصادي لتجنب حصول مشاكل مماثلة لما حصل في الدول العربية الأخرى، ويذكر قيام الملك حمد بن عيسى آل خليفة بإصدار مرسوم ملكي يمنح كل عائلة في البحرين مبلغ 1,000 دينار بحريني، ويبدو أن ذلك كان مسعى لتجنب تفاقم المشاكل في المملكة بحسب غوجانسكي. وفي المقابل، أصدر الملك السعودي حزم فوائد بقيمة 37 مليار دولار أميركي في شباط من ذلك العام، بما في ذلك زيادة في الرواتب، وتحسين خدمات العاطلين عن العمل، وتوفير مساكن بأسعار مناسبة. وفي الشهر التالي، كشف عن مخصصات أخرى بقيمة 93 مليار دولار أميركي. وفي آذار، اتبع حاكم الإمارات خطوات القادة في السعودية والبحرين عندما أعلن عن تخصيص 5.7 مليار درهم إماراتي (حوالي 1.55 مليار دولار أميركي) لتحسين شبكات المياه والكهرباء في الاجزاء الأفقر من البلاد. وفي عمان، قام السلطان قابوس، بإصدار اجراءات مالية مرحلية، بما في ذلك ارتفاع بمقدار 43 في المائة في الحد الأدنى لأجور العاملين في القطاع الخاص مع زيادة في مخصصات البطالة ورواتب الطلاب، وأعقبت ذلك زيادة في رواتب المتقاعدين وعلاوات لافراد الجيش والأمن في آذار وزيادة بمقدار 60 في المائة في الحد الأدنى لأجور عمال القطاع الخاص في نيسان.
تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في السعودية
يرى الكاتب بأن المتشددين والقوى المتطرفة ورجال الدين وأبواق النظام هم الأكثر هيمنة على شبكات التواصل الاجتماعي في السعودية، وهم يستخدمونها للأدلجة والتحشيد وكمنصة للتواصل مع الجمهور. فبحسب احصاء أجري في المملكة، بحسب الكتاب، ونشر في كانون الأول 2013، يستخدم 20 في المائة من السعوديين الانترنت لقراءة ومشاهدة المحتوى الديني، فيما يستخدم 8 في المائة فقط منهم الانترنت للاغراض السياسية.
أضاف الكاتب في موضع آخر بأن بعض المؤثرين لا ينشرون أفكار ديمقراطية وليبرالية، لكنهم يعملون على الترويج للحقوق والانخراط الفعال للشباب والنساء في الانظمة القائمة. وبذلك فإنهم يقوضون بشكل تدريجي مصادر السلطة التقليدية. وعن الأمثلة التي تؤكد تصدر رجال الدين للمشهد في السعودية، يشير الكاتب الى أن كل من الشيخ سلمان العودة والشيخ محمد العريفي وأحمد الشقيري يمتلكون ما بين خمسة وثمانية ملايين متابع على وسائل التواصل الاجتماعي. ويذكر بأن المواضع الأساسية التي يروجون لها هي: أولا، الطائفية الموجهة ضد الشيعة، ثانيا، معاداة السامية ومعاداة الغرب، وثالثا، الخطاب المحافظ الموجه ضد النساء والتقدم بشكل عام.
ويشير الكاتب الى أن أغلب الخطاب السلفي الجهادي في الشرق الأوسط يتولد في دول الخليج، وأن تدريب وتمويل العناصر المرتبطة بالقاعدة يأتي من دول الخليج، ومن المملكة العربية السعودية بالدرجة الأساس، وأنه يوفر أحيانا بشكل علني عبر الانترنت.
مع ذلك، يرى الكاتب ان هذه الدول تواجه مشاكلها الذاتية، ولاسيما اشكالية تعاقب الملوك في السعودية، ويذكر بأن الملكيات، في نهاية المطاف، ليست خالدة.
في الجزء الرابع والأخير، “هل عدو عدوي صديقي؟ إسرائيل ودول الخليج”، يبحث الكاتب في طبيعة العلاقة بين دول الخليج المختلفة وإسرائيل، ويرى بأن “دول الخليج في الواقع يمكن أن تعطي بعض الدعم لاتفاقيات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وانه اذا ما تم التوصل إلى مثل هذه الاتفاقيات، فإنها قد تقوم بتمويلهم ماليا”. ويشير إلى أنه “من المدهش أن تكون الدولتين الخليجيتين اللتين تمتلكان أوثق الصلات مع إيران – قطر وعُمان – هما أيضا اللتان تمتلكان علاقات رسمية مع إسرائيل.
ويذكر الكاتب بعض الخلافات بين قطر وإسرائيل والتي أدت إلى اغلاق البعثة الدبلوماسية في الدوحة بشكل نهائي في آذار 2011، ومنع حملة الجواز القطري من زيارة الضفة الغربية (يهودا والسامرة)، ووقف التعاون بين قطر والتصنيع العسكري الاسرائيلي. بعد شهرين، في أيار 2011، أشارت التقارير إلى حصول لقاء بين رؤساء وزراء اسرائيل وقطر في باريس، لكنهما لم ينجحا في كسر الجمود في العلاقات بين البلدين.
يتساءل الكاتب في عنوان فرعي في هذا الفصل عن كون “إيران: تهديد مشترك؟”، ويقصد لكل من اسرائيل ودول الخليج، لكنه يرى بأن القضية الفلسطينية أبعد ما تكون عن كونها على قمة أولويات دول الخليج، وأن طموحات إيران لتطوير برنامجها النووي كوسيلة لتحقيق هيمنتها على الخليج، هي القلق الأول لدول الخليج، وإسرائيل أيضا. ويختتم الفصل بالإشارة إلى لقاء جمع الرئيس السابق للموساد، مئير داغان، بمسؤولين سعوديين، ولقاء جمع الأمير بندر مع مسؤولين إسرائيليين خارج المملكة.
في الختام يتوقع الكاتب “صعود الخليج” ويعزو ذلك بقوله، “ساعدت قدرات الأنظمة الخليجية على مواجهة الاضطراب الاقليمي، فضلا عن الضعف النسبي للمراكز السياسية العربية التقليدية، في جعل دول الخليج القوى الأكثر استقرارا وتأثيرا في العالم العربي.” ويضيف، “لكن، مع ذلك، فقد عزز هذا من التنافس فيما بينهم من أجل النفوذ والهيبة مما قوّض من الجهود الرامية لزيادة التعاون”.
وبذلك كشف “الربيع العربي”، بحسب وصف الكاتب، عن عمق الصراع بين دول الخليج الست وإيران، وعزز من الحاجة لصياغة نهج موحد تجاه إيران والتخلي عن السلبية النسبية التي شكلت سلوك هذه الدول حتى الآن. ولا تزال الكثير من هذه الدول خائفة من احتمالية تحقق سيناريو تكون فيه هذه الدول مضطرة إلى التنافس مع إيران النووية لوحدها.