كتبه لصحيفة “هآرتس”: دانييل ب. شابيرو
منشور بتاريخ: 21/10/2018
ترجمة: مازن سفّان
تدقيق: آلاء عبد الأمير
تصميم الصورة: أحمد الوائليّ
إن عمليّة القتل التي تعرض لها “خاشقجي” تحمل تداعيات أبعد من توصيف ولي العهد السعودي أنه وحشي ومتهور. في القدس وواشنطن، يأسف الأمريكيون والإسرائيليون على المفهوم الاستراتيجي الذي وضعوه للشرق الأوسط في مواجهة إيران.
فالاختطاف الصادم والوحشي الذي تعرض له “جمال خاشقجي” ومن ثم قتله على يد قوات الأمن السعوديّة لا يمكن تغطيته، بغض النظر عن صعوبة تصديق الرواية التي صدرت عن السلطات السعوديّة على أنها تحقيق انتهى بشكل مؤسف أو عمل قتلة مارقين.
لكن تداعيات هذه العملية أعمق من المأساة التي تعرضت لها عائلة خاشقي وخطيبته. أنها تثير أسئلة جوهريّة للولايات المتحدة وإسرائيل عن كامل استراتيجيتهم في الشرق الأوسط.
من ناحية معينة، يمكن أن يجادل الساخرون أن الوقاحة في مقتل “خاشقجي” تختلف في الدرجة أكثر منها في النوع، وذلك بسبب التاريخ الطويل لسلوك الديكتاتوريات العربية، بما في ذلك تلك المتحالفة مع الولايات المتحدة. إذ لا يوجد حريات في الشرق الأوسط، مع ذلك فقد صمد التحالف السعودي الأمريكي لعقود مارست فيها السلطات السعودية القمع تجاه شعبها.
يمكن تحقيق المصالح الأمريكية عن طريق الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي أطلقها الأمير “محمد بن سلمان”، وأيضاً عن طريق الأهداف الاستراتيجيّة المشتركة التي تراقب اعتداءات إيران في المنطقة. هذه الاعتبارات لا يمكن التغاضي عنها. لكن مقتل خاشقجي بعيداً عن أنه يدمر كل الخطوط الحمراء، فهو يثير تساؤلات جوهرية حول السعودية كشريك استراتيجي تحت حكم بن سلمان. ما حدث في القنصلية السعودية في اسطنبول يكرر كلمات وصفت تصفية “نابليون” لمنافسه: “هذا أسوأ من جريمة. إنه خطأ فادح”. يمكن لشخص آخر أن يضيف أنه خطأ استراتيجي.
لقد أثبت بن سلمان أنه شخص متهور ومندفع في رسم سياسة السعودية الخارجيّة. فحملته الشرعيّة ضد الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن ألحقت به عدم الرضا بسبب المعاناة الكبيرة للمدنيين التي سببتها لهم هذه الحملة. وإجباره رئيس وزراء لبنان “سعد الحريري” على الاستقالة عاد عليه بالضرر.
كما شتت الحصار الشامل الذي تقوده السعودية على قطر دول الخليج عن هدفهم الأساسي في احتواء إيران ولم يعد هذا الحصار بالنتائج المرجوة منه. كما يعتبر قطع “محمد بن سلمان” للعلاقات مع كندا على إثر تغريدة تنتقد اعتقال نُشطاء حقوق الإنسان في المملكة ردة فعل سخيفة.
لكن الآن، ومن الواضح أنه جاء بأمر من بن سلمان، فإن جريمة مروعة قد ارتُكبت، وبشكل أساسي على الملأ. وقد كذب السعوديون على الرئيس “ترامب” لأيام بشأن ذلك ومازالوا يكذبون بهذا الشأن.
إن “ترامب” نفسه قد يهتم بذلك قليلاً، مدفوعاً بفساده الشخصي أو بتأثير خلق فرص العمل الملفق بشكل كبير الناتجة من صفقات السلاح مع السعوديّة.
لكن “محمد بن سلمان” لم يأخذ بالحسبان أن الأمر بقتل “خاشقجي” يتعدى كل الخطوط الحمراء لتقبله من قبل الشعب الأمريكي أو من الكونغرس المشكل من أعضاء الحزبين. في الواقع، فإن النقد القاسي و دعوات المعاقبة قد أتت من السيناتور “ليندسي غراهام” والسيناتور “ماركو روبيو”.
من جديد، يمكن لأي أحد أن يسخر من ذلك، فإن القمع السعودي ليس جديداً، وعلى الأرجح كان النظام السياسي الأمريكي ليوافق على ذلك لو جرى تحت مستوى معين من التستر. لقد كان الاحتجاج على هذه الجريمة عالياً كما كان يجب أن يكون حول سجن ناشطات حقوق الإنسان، والذي حدث بنفس الوقت الذي أُعطيت فيه المرأة حقها بقيادة السيارة. لكن “محمد بن سلمان” لم يقدر بشكل جيد العواقب التي تلي خطف وتقطيع صحفي مقيم في الولايات المتحدة، والتي كانت جريمته الوحيدة هي التعبير عن رأيه، لقد كانت هذه الجريمة أكبر من ما تستطيع أمريكا التسامح به.
لا يمكن تجميل هذا القدر من الوحشية والتوقع أن يستمر العمل مع الولايات المتحدة بشكل طبيعي. “ترامب” نفسه قد لا يهتم، وذلك بسبب تودده ل”فلاديمير بوتين” الذي قتل أيضاً صحفيين. ولكن الشعب الأمريكي له حدوده، وقد يرفعون تقديرهم للحكومات الصديقة لمستويات أعلى. إنهم يتوقعون أن هؤلاء الحلفاء، على الأقل، لا يورطون الولايات المتحدة بجرائم وقحة.الأسباب خلف ذلك يمكن مناقشتها. التفاصيل الغريبة حول مقتل “خاشقجي” هي جزء من ذلك النقاش. لكن مقتل “خاشقجي” يلامس أيضاً توجهات دولية واسعة مناقضة لليبرالية وهدم حقوق الصحفيين للوصول إلى الحقيقة، فالسياق هنا ليس إسكات “محمد بن سلمان” لمعارض سعودي.
إن عدم فهم “محمد بن سلمان” لهذا الواقع أو عدم استطاعته تقييمه، واعتقاده أنه سيفلت بفعلته، مع عدم امتلاكه لأي مستشار مستعد أو قادر على التحكم باندفاعاته، يثير أسئلة أساسيّة عن تقييمه للأمور وموثوقيته، ناهيك عما يخبرنا به ذلك عن أخلاقياته.
بالنسبة لإسرائيل، تثير هذه الحادثة الدنيئة احتمالية أن حقائق الشرق الأوسط الجديد التي سعت إسرائيل لتعزيزها – وهي إئتلاف إسرائيلي عربي سني، تحت مظلة أمريكيّة، لمراقبة إيران والجهاديين السنة- لا يمكن الاعتماد عليها بعد الآن.
وعلى إسرائيل الحذر كيف تلعب دورها. سيكون هنالك، بالتأكيد، رد فعل أمريكي على مقتل خاشقجي، وحتى وإن تمت مقاومته من إدارة ترامب. لن يؤدي رد الفعل هذا إلى تفكيك التحالف السعودي الأمريكي، لكن النفور من قبل العامة والكونغرس سيكون له ثمنه. يمكن أن يكون الثمن عبارة عن تقييد على مبيعات الأسلحة التي تمت المصادقة عليها. هذا يقود المستثمرين الأمريكيين الأساسيين لإبعاد أنفسهم عن المشاريع التي يروج لها محمد بن سلمان. على مستوى منخفض، لن يكون هناك حفاوة في استقبال محمد بن سلمان في زياراته الودية للمدن الأمريكية ولا تمجيداً له في وسائل الإعلام الأمريكية كمجدد سيعيد تشكيل الشرق الأوسط.
إسرائيل، التي لها مصلحة واضحة في إبقاء السعودية في صف حلفاء الولايات المتحدة لتكبير التحالف الاستراتيجي ضد إيران، ستحتاج لتجنب كونها جماعة ضغط لمحمد لن سلمان في واشنطن. اصطفاف إسرائيل مع شركائها في المنطقة لا يزال ضروري ومرغوب به. هذا ما تتطلبه الواقعية السياسية البسيطة. لكن هناك مخاطر جديدة من تضرر سمعة إسرائيل إذا تقاربت بشكل واضح مع السعودية.
لن يكون من السهل على إسرائيل التحرك وسط هذه المعمعة، خصوصاً بعد التصدع الذي أصاب سياسة واشنطن الخارجية والذي تحول إلى معسكرات مضادة لإيران ومعسكرات مضادة للسعودية. الفكرة هي أن على الولايات المتحدة المساواة في التعامل مع الوحشية التي يواجهها الشعبين السعودي والإيراني من قبل حكوماتهم، وعدم ترك جريمة بن سلمان لتخفف الضغط على إيران حول تصرفاتها القذرة في المنطقة، هذه الفكرة معرضة للفقدان.
بالنسبة للإسرائيليين، إن تخفيف الضغط على إيران هو أكبر عاصفة ناتجة عن تداعيات مقتل خاشقجي. محمد بن سلمان، بهوسه بإسكات معارضيه، قد قوض بناء إجماع دولي للضغط على إيران.
الضرر كبير، ويمكن أن يكون ترامب ناشزاً عن البقيّة، لكن أيوجد عضو من الكونغرس أو قائد أوروبي مستعد للجلوس مع محمد بن سلمان للحديث عن إيران الآن؟
هذا هو أكبر دليل على العمى الاستراتيجي لمحمد بن سلمان، ومن المرجح أن يستمر الضرر طالما أنه يحكم المملكة.
المقالة باللغة الإنجليزيّة: هنا