الرئيسية / سياسة / عميل مخابرات روسية يتنبأ بمستقبل أمريكا

عميل مخابرات روسية يتنبأ بمستقبل أمريكا

كتبه لموقع “بيج ثينك”: بول راتنر
منشور بتاريخ: 18/7/2018
ترجمة: مها تمراز
مراجعة وتدقيق: نعمان البياتي
تصميم الصورة: أسماء عبد محمد

لاقى الرئيس الأمريكي ترامب انتقادات لاذعة من كل حدب وصوب على إثر المؤتمر الصحفي الذي أعقب لقائه مع نظيره الروسي بوتين في قمة هيلسنكي بفنلندا، حيث ظهر ترامب مذعنًا لروسيا من خلال رفضه لمواجهة الرئيس بوتين بخصوص قضية التدخل الروسي الحالي والسابق في الانتخابات الأمريكية؛ لقد بدا في واقع الأمر، أن الرئيس الأمريكي لا يدعم النتائج التي توصلت إليها وكالات الاستخبارات التابعة لبلده، وارتأى الوثوق بكلام الزعيم الروسي بدل ذلك، رغم إنه غيَر من نبرته تحت وطأة ردود الفعل العنيفة التي تلت المؤتمر الصحفي.
سواء أاعتقدت بأن بوتين يملك وثائق حساسة من شأنها دفع ترامب لاتخاذ موقفه هذا، أم كان الأمر مجرد محاولة من الأخير ليجامل من ساعدوه جزئيًا ليتم انتخابه، أو إذا ما كنت تظن أن كل ما يجري أمر عادي لا يستحق كل هذا اللغط، بالرغم من كل الدلائل التي تشير إلى عكس ذلك، فالمؤكد أن الرئيس بوتين ضابط سابق في المخابرات الروسية، وله خبرة كبيرة في هذا الميدان، كما أنه يتمتع بالمعرفة والذكاء اللازمين لتنفيذ عمليات تتسم بالبراعة وبعد النظر؛ نحن لا نعرف هدفه النهائي من هذه اللعبة، ولا حتى إلى أي مدى لازال يستغل كل ما تلقاه من تدريبات بين أسوار جهاز المخابرات الروسي، و لكن ربما وعلى ضوء كل الأحداث الجارية يبدو إن هناك طريقة ما يمكننا من خلالها الوصول إلى فهم أعمق للمسألة عن طريق دراسة وتحليل كلمات عميل الاستخبارات الروسي السابق (يوري اليكساندروفيتش بيزمينوف) الذي انشق عن الجهاز والتحق بكندا سنة 1970.

يمكننا اليوم تعلم الكثير من المقابلة التي أجراها (بيزمينوف) مع (إدوارد جريفين) سنة 1984، والتي أثار خلالها العديد من النقاط التي كان أبرزها وأخطرها، زعمه بوجود خطة بعيدة الأمد وضعتها روسيا لهزيمة أمريكا عن طريق الحرب النفسية و”تثبيط الروح المعنوية”؛ هي لعبة تتطلب نفسًا طويلاً قد يستغرق عقودًا من الزمن ولكن يحتمل أنها قد بدأت تؤتي أُكلها.
لقد أوضح (بيزمينوف) بأن عمل جهاز الاستخبارات الروسية لا يرتكز أساسًا على عملية التجسس بغض النظر عن كل ما قد تسوقه لنا ثقافتنا الشعبية، فمعظم عمل الجهاز الاستخباراتي، بنسبة 85% منه، عبارة عن “عملية بطيئة تحمل تسميات مختلفة من قبيل التخريب الإيديولوجي أو الإجراءات النشطة أو حربًا نفسية”؛ ماذا يعني هذا؟ يوضح (بيزمينوف) أن أكثر ما يلفت الانتباه بخصوص التخريب الإيديولوجي هو أنه يحدث علنًا كعملية شرعية، فهو أمر “يمكنك أن تراه بعينيك” بحسب (بيزمينوف)، ويمكن للإعلام الأمريكي أن يراه أيضًا إذا ما ركز عليه فقط.
يعرف (بيزمينوف) التخريب الإيديولوجي أكثر قائلاً:
“ما يعنيه بشكل أساسي هو أن تُغيّر التصور القائم عند كل أمريكي عن الواقع، إلى المدى الذي يصبح معه الكل عاجزًا، رغم توفر المعلومات، عن الوصول إلى استنتاجات معقولة للدفاع عن أنفسهم وعائلاتهم ومجتمعهم وبلدهم”.
يصف (بيزمينوف) هذه العملية بـ “غسيل كبير للدماغ” والتي تنطوي على أربعة مراحل أساسية، تسمى المرحلة الأولى “تثبيط الروح المعنوية” وتستغرق من 15 إلى 20 عامًا لتتحقق، ووفقًا لعميل المخابرات الروسية السابق فإن هذه تعتبر أقل مدة ممكنة لإعادة تعليم جيل من الطلبة الذين يكونون متصلين بشكل طبيعي بأيديولوجية بلدهم؛ بتعبير آخر فإن هذه هي المدة اللازمة لتغيير ما يعتقده الناس.
وقد استشهد في معرض كلامه بظاهرة (الهيبيين) الناشئة في ستينيات القرن الماضي والذين وصلوا إلى مراكز القرار سواء أفي الحكومة أم قطاع الأعمال في أمريكا في سنوات الثمانينات، و يدّعي (بيزمينوف) أن ذلك الجيل كان قد أصيب مسبقًا بـ “عدوى” قيم الماركسية و اللينينية؛ من الصعب بطبيعة الحال، تصديق الادعاء القائل بأن الكثير من مواليد ما بعد الحرب العالمية الثانية يتبنون بطريقة ما أفكارًا يشوبها فكر المخابرات الروسية، ولكن النقطة الأهم التي أثارها (بيزمينوف) تناقش السبب الكامن وراء عدم قدرة الناس الذين تم “تثبيط معنوياًتهم” تدريجيًا على أن يفهموا أن ذلك قد حدث لهم بالفعل.
في إشارة إلى هكذا أشخاص، يقول (بيزمينوف):
“إنهم مبرمجون على أن يفكروا ويستجيبوا لمحفزات محددة بنمط محدد (في إشارة إلى العالم بافلوف)؛ لا تستطيع أن تغير رأيهم حتى إذا عرضت عليهم معلومات موثوقة، وحتى إذا أثبت أن اللون الأبيض أبيض واللون الأسود أسود، ستظل عاجزًا عن تغيير تصورهم الأساسي ومنطق سلوكهم “.
إن تثبيط الروح المعنوية عملية “لا رجعة فيها”، وفي حقيقة الأمر فإن (بيزمينوف) يعتقد أن عملية إحباط أمريكا معنوياً قد تمت بالفعل (رجوعًا إلى سنة 1984)، ويزعم العميل (بيزمينوف) كذلك بأن الأمر قد يستغرق جيلاً أخرًا وبضعة عقود أخرى لجعل الناس يفكرون بطريقة مختلفة ولكي يعودوا إلى قيمهم الوطنية الأمريكية.

فلاديمير بوتين في زيّ جهاز الاستخبارات السوفييتي عام 1980

لربما تكون الفقرة التالية هي أبرز وأخطر ما ذكره (بيزمينوف) في مقابلته حيث وصف الشخص المُحبط أو ”المثبط معنوياً” كما يلي:
“كما ذكرت سلفًا فإن كشف المعلومات الحقيقية لم يعد يهم بعد الآن، فالشخص الذي تم إحباطه معنوياً غير قادر على تقييم المعلومات الحقيقية والحقائق لا تعني له شيئًا، حتى إذا ما أمطرته بالمعلومات وبالإثباتات الموثَقة وبالوثائق وبالصور، وحتى إذا ما أخذته بالقوة إلى الاتحاد السوفييتي وأريته معسكر اعتقال، سيأبى أن يصدق ذلك، حتى يفوت الأوان؛ سيفهم فقط عندما يحطم رأسه حذاء عسكري، وليس قبل ذلك، هذه هي المأساة في حالة الإحباط المعنوي”.
من الصعب ألا ترى أن هذه حالة الكثير من الأمريكيين المعاصرين، لقد أصبحنا مجتمعًا من القبائل المستقطبة التي تضم أشخاصًا لا يترددون في رفض الحقائق ويفضلون التشبث بالروايات والآراء.
بمجرد أن تتم عملية تثبيط الروح المعنوية تبدأ المرحلة الثانية من غسل الأدمغة إيديولوجيًا وهي “زعزعة الاستقرار“، ففي مدة تتراوح بين السنتين وخمس السنوات، يجزم (بيزمينوف) أن ما يهم هو استهداف العناصر الأساسية التي تقوم عليها الأمة ألا وهي الاقتصاد والعلاقات الخارجية وأنظمة الدفاع حيث يتطلع المتآمر (روسيا هنا) بشكل أساسي إلى زعزعة استقرار كل عنصر من هذه العناصر في الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي إضعافها بشكل كبير.
أما المرحلة الثالثة فهي “الأزمة“، ويوضح (بيزمينوف) أن هذه المرحلة تستغرق مدة أقصاها ستة أسابيع فقط لوضع بلد ما في أزمة والتي يتولد عنها “تغير عنيف في السلطة والبنية والاقتصاد”، وستليها المرحلة الأخيرة المعروفة بـ “التطبيع“، عند هذه المرحلة يكون الاستيلاء على البلد قد تم بشكل فعلي وهو الآن يرزح تحت ظل إيديولوجية وواقع جديدين.
يحذر (بيزمينوف) أن كل هذا سيحدث لأمريكا ما لم تتخلص من الأشخاص الذين سيضعونها في أزمة، و يضيف: “إذا فشل الناس في إدراك الخطر الوشيك لتطور الأمور، فلا شيء أبدًا يمكن أن يساعد الولايات المتحدة الأمريكية، ويمكنكم حينها توديع حريتكم”.
جدير بالذكر أن (بيزمينوف) كان يحذر من جيل مواليد ما بعد الحرب العالمية الثانية والديمقراطيين في ذلك الوقت عندما أدلى بهذا التصريح.
وفي مقتطف آخر، مفزعٍ إلى حد ما، هذا ما قاله (بيزمينوف) عن حقيقة ما يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية التي ربما ظنت أنها تعيش في سلام، ولكنها كانت في حالة حرب نشطة مع روسيا:
“يدرب معظم السياسيين الأمريكيين ووسائل الإعلام والنظام التعليمي، جيلاً آخر من الناس الذين يعتقدون أنهم يعيشون في حالة سلام، ولكن هذا ليس صحيحًا، لأن الولايات المتحدة في حالة حرب: هي حرب شاملة وغير معلنة ضد مبادئ وأسس هذا النظام”.
سواء أاعتقدت أن ما ذكر حقيقي أم لا، فإن هذا يعتمد على آرائك السياسية، لكن واقع الإجراءات الروسية النشطة كما تم استعراض ذلك في الاتهامات الرسمية التي أصدرها المستشار الخاص روبرت ميلر مؤخرًا، يعيد كلمات (بيزمينوف) إلى الواجهة من جديد وبشكل مُلح.

المقال باللغة الإنجليزية: هنا

عن Ahmed Alwaeli

Designer, Translator..

شاهد أيضاً

الجواز الأمريكي لا فائدة منه

يمكنني التنقل حيث شئت بجواز سفري الألماني. ولكن عدد الدول التي تسمح للأمريكيين بالدخول تكاد …

حصرياً: من داخل مخيمات تدريب تابعة لحزب الله لنشر الأخبار الزائفة  

  بقلم: ويل كريسب وسداد الصالحي  بتاريخ: ٢/آب / ٢٠٢٠ ترجمة: رحاب الهلالي تدقيق: ريام …