كتبه لموقع “بيغ ثينك”: فيليب بيري
منشور بتاريخ: 2/2/2018
ترجمة: محمد باسم
تدقيق ومراجعة: نعمان البياتي
تصميم: مينا خالد
في عالم ما بعد الحداثة الغربي، تراجعت الحياة الدينية بشكل كبير، واستبدلت الوطنية بعدم الثقة في الحكومة على نطاق واسع، وأصبح المضي قدماً صعباً للغاية؛ نتيجة لذلك، يقع المزيد والمزيد من الأشخاص ضحية للملل، وينبع هذا الشعور البغيض بخيبة الأمل المريرة من فقدان المعنى في حياتهم.
يمكن أن يؤدي انعدام الأهداف إلى زيادة مشاكل الصحة العقلية، مثل القلق والاكتئاب، مما يسبب قلة النوم، وتدهور الحالة الصحية، وإدمان المخدرات والتفكير بالانتحار في الحالات الشديدة؛ اتجه البعض مؤخراً إلى الشرق، إلى المفهوم الياباني القديم “إيكيغاي”، وهو ما يعني تقريباً “أن نعيش الإحساس أو الوعي الذي نطمح إليه”، وترجمة أخرى هي “ما يجعل الحياة تستحق العيش”، لاحظ إنه لا توجد ترجمة دقيقة للكلمة.
تعني كلمة إيكي “حياة”، أما غاي فتعني “قيمة”، جاءت كلمة غاي من كاي بمعنى “صَدَفة”، وترجع هذه إلى فترة هييآن (794-1185)، حيث كانت الأصداف قيمة، ويمكننا ترجمة (إيكيغاي) بأنها إيجاد القيمة في حياة المرء أو اكتشاف هدفه.
في الغرب، تعاقب ظهور المرشدين وشتى الحركات بمختلف الصفات، وفي أعقاب كل منها، وإن على نحو أخف وطأة، وجد قلة من أتباعها عزاءً حقيقياً، وربما بدلاً من السعادة، التي تكون لحظية وعابرة على وجه العموم، يتوجب علينا السعي إلى حياة ذات معنى؛ استكشاف مفهوم (الإيكيغاي) والأسئلة التي ترافقه، يمكن أن يساعد المرء في العثور على هدف ثابت، وبالتالي القناعة والحافز للعيش.
يتلخص المفهوم بأكمله في أربعة أسئلة:
1. ماذا تحب؟ 2. ما الذي تجيده؟ 3. ما الذي يحتاجه العالم منك؟ 4. ما الذي يمكن أن يُدفع لك مقابله؟
فيما يلي مخطط يوضح المفهوم:
إن كنت متقاعداً، فليس عليك القلق بشأن ما يمكن أن يدفع لك مقابله، لذا يمكنك حذف تلك النقطة والتركيز على النقاط الثلاث المتبقية؛ لا تقتصر الفكرة على إيجاد هدفك، بل وإيجاد التوازن الصحيح بين جميع الجوانب المحيطة به، ومما يوضع في الحسبان أن (الإيكيغاي) لشخص ما لا تؤثر فيه وحده.
إن للمفهوم بعداً اجتماعياً بالنسبة لليابانيين، فهو يتعلق بالتكيف مع دورك في عائلتك، ووظيفتك، ومجتمعك؛ ينقسم ذلك تقليدياً تبعاً لاختلاف الجنس، ففي حين يربط الرجال (الإيكيغاي) الخاص بهم بالعمل والمهنة، تربط النساء (تقليدياً على الأقل) (الإيكيغاي) بالأمومة ودورهن في العائلة، ورغم إن (إيكيغاي) أصبحت في الآونة الأخيرة أحدث كلمات العصر الجديد الشائعة في الغرب، فهذا لا يقلل من شأنها بالنسبة لأولئك الذين يجدون أنفسهم عند مفترق طرق، من دون علامة لإرشادهم.
وقال الكاتب في (الإيكيغاي) (هيكتور غارسيا) لصحيفة (ذي إنديبيندينت) إن كل شيء يستقر في موضعه حينما تنخرط في مهمة ما وتبلغ حالة التدفق تلك؛ ويسأل غارسيا “هل سبق لك أن انهمكت في مهمة ما حتى نسيت أن تأكل وتشرب؟ ما كانت تلك المهمة؟ انتبه لتلك اللحظات التي تدخل فيها حالة التدفق، فقد يكون (الإيكيغاي) كامناً فيها”.
وقال المؤلف (دان بويتنر) لـ (بي بي سي) إن عليك لإيجاد (الإيكيغاي) الخاص بك كتابة ثلاث قوائم، الأولى تضم قِيَمك، والثانية للأشياء التي تستمتع بالقيام بها، والأخيرة للأشياء التي تجيدها، وقال “المقطع العرضي للقوائم الثلاث هو الإيكيغاي الخاص بك”.
كتبت المحاضِرة وعالمة الأنثروبولوجيا (إيزا كافيدزيا) في صحيفة (ذي كونفرسيشن)، إنه من خلال المقابلات مع يابانيين كبار في السن، وجدت أنهم يعتبرون (الإيكيغاي) إتقاناً شيء ما، وكان يرتبط ارتباطاً وثيقاً بعبارة (جانتو سورو) (chanto suru)، أو فعل الأشياء بالشكل الصحيح؛ يرتبط مفهوم (الإيكيغاي) ارتباطاً قوياً بجزيرة (أوكيناوا) اليابانية، التي يتمتع سكانها بعمر طويل على نحو مدهش، إذ يمكن العثور على الكثير من المعمرين المئويين هناك، والذين يعيشون، بفضل عثورهم على (الإيكيغاي)، حياةً طويلةً ومفعمةً بالصحة.
أحد أوجه التقييد إنه لو نظر شخص ما إلى عمله على أنه (الأيكيغاي)، فقد يهمل عائلته، وأصدقائه، وهواياته، والتي هي بنفس الدرجة من الأهمية، وعلاوة على ذلك، يجد اليابانيون أنفسُهم صعوبةً في الوصول إلى (الإيكيغاي)، فوفقاً لدراسة استقصائية أجريت عام 2010، قال 31% فقط من اليابانيين المشاركين إنهم عثروا على (الإيكيغاي).
لو وجدت (الإيكيغاي) الخاص بك، فهل هذه هي النهاية؟ قال البروفيسور (غوردون ماثيوس) من الجامعة الصينية في هونغ كونغ لصحيفة (ذي تيليغراف)، إنه بإمكان أولئك الذين يتمتعون بإحساس واضح بالإيكيغاي بلوغ مراتب أعلى من الإدراك، مثل “إيتايكان” أو شعور الفرد بالانسجام مع دوره الاجتماعي، و”جيكو جيتسوغين” أو تحقيق الذات.
لمزيد من المعلومات عن (الإيكيغاي)، شاهد الفديو التالي: هنا
المقال باللغة الإنجليزية: هنا