كتبه لموقع ”ذي أتلانتيك“: كارين سوالو بريور
منشور بتاريخ: 21/6/2013
ترجمة وتصميم: أحمد الوائلي
تدقيق: آلاء عبد الأمير
لقد ثارت النقاشات حول ما إذا كانت القراءة تجعل البشر أكثر إلتزاماً بالأخلاق. ولكن ماذا لو أن قيمتها الحقيقية تكمن في مسألة جوهرية أكثر؟
لقد نشبت في الآونة الاخيرة معركة تتعلق بالكتب على صفحات صحيفة ”نيويورك تايمز“، وكان استهلالاً لهذهِ المعركة مقال ”غريغوري كوري“ المعنون ” هل الأدب العظيم يجعلنا أفضل؟” الذي يؤكد أن الاعتقاد السائد بأن القراءة تجعلنا أكثر التزاماً بالأخلاق لا تحظى بتأييد كبير. وقد ردت عليه ”آني ميرفي بول“ في ” قراءة الأدب تجعلنا أكثر ذكاءً وأجمل” وحجة آني هيَ أن “القراءة العميقة” أو هذا النوع من قراءة الأدب العظيم، عبارة عن نشاط معرفي مميز يساهم في قدرتنا على التعاطف مع الآخرين، وبالتالي فهي تجعلنا “أكثر ذكاء وأجمل”، بالإضافة الى أمور أخرى. حتى الآن هذه المقالات تأتي باستنتاجات مختلفة باعتبارها تنظر في مسائل مختلفة.
وعند تقديم أطروحتها، أستشهدت آني بالدراسات التي أجراها ”ريمون مارس“، وهو طبيب نفسي في جامعة يورك في كندا، و“كيث أوتالي“، وهو أستاذ علم النفس الإدراكي في جامعة تورونتو. والنتائج التي توصلوا إليها تشير إلى أن هؤلاء “الذين غالباً ما يقرأون القصص الخيالية يبدو أنهم أكثر قدرة على فهم الأشخاص الآخرين، يتعاطفون معهم، وينظرون إلى العالم من وجهة نظرهم”. وهذا النوع من القراءة تتحدث عنه الكاتبة ”جويس كارول أوتس“ عندما تقول: “القراءة هي الوسيلة الوحيدة التي تمكننا من الإنزلاق، لا إرادياً، وغالباً بلا حول ولا قوة، داخل عالم آخر، وصوت آخر، و روح آخرى”.
وتقول آني، من خلال الدراسات التي أجريت مؤخراً في علم الأعصاب، وعلم النفس، والعلوم المعرفية. قد أظهرت هذه البحوث أن “القراءة العميقة – البطيئة، غامرة، غنية بالتفاصيل الحسية والعاطفية والأخلاقية بالإضافة إلى التعقيدات، وهي تجربة مميزة”، وهذا النوع من القراءة يختلف في النوع والجودة عن “مجرد فك رموز عبارة” الذي يشكل صفة جيدة للقراءة في الوقت الحاضر، لا سيما بالنسبة للكثيرين من طلابنا في العديد من مدارسنا.
تختم آني مقالتها بالإشارة إلى الناقد الأدبي ”فرانك كيرمود“، صاحب التمييز الشهير ما بين “القراءة الجسدية” والتي تتميز بالتسارع، وبمعالجة المعلومات النفعية التي تمثل الجزء الأكبر من نظامنا الغذائي اليومي للقراءة، و”القراءة الروحية” وهي قراءة تتم مع تركيز الإنتباه من أجل المتعة والانعكاسات الشخصية، والتحليل، والنمو. وفي هذا التمييز فإننا نجد أين يكمن الفرق الحقيقي ما بين الفصائل المتحاربة في ما يمكن أن يكون سيناريو ” الدجاجة أم البيضة”: هل الأدب العظيم جعل الناس على نحو أفضل، أم الناس الطيبون ينجذبون إلى قراءة الأدب العظيم؟
كوري يسأل ما إذا كانت قراءة الأدب العظيم تجعل القرّاء أكثر أخلاقية؟، هذا الموضوع تناوله من قبل أرسطو بِشاعرية ( الأمر الذي يجعل للأخلاقية في الأدب اعتذاراً مُقنعاً). كوري يستشهد بالنازيين، لأن النازيون مثقفين للغاية. والمشكلة في هذا (بصرف النظر عن السقوط في فخ قانون غودوين) هي أن النازيين كانوا، في الواقع، يتبعون ما يتماشى تماماً مع ما يمليه القانون الأخلاقي، وإن كان ذلك معاكس للرايخ الثالث. لكن آني تدرس التأثير في الأدب العظيم ليس على الأنفس المعنوية لدينا، ولكن على أنفسنا الروحية.
ما يمكن أن يقوم بهِ الأدب الجيد أعظم كثيراً من أي قانون اخلاقي، أنهُ يلمس الروح البشرية.
القراءة هي واحدة من النشاطات البشرية القليلة التي تميزنا عن بقية مملكة الحيوانات. كما لاحظ كثير من العلماء، وآني تذكر أيضاً في مقالتها أن القراءة، على عكس اللغة المنطوقة، لا تأتي بشكل طبيعي للبشر، بل يجب أن يتم تعلمها، لأنها تتجاوز مجردات البيولوجيا، وهناك شيء روحي عميق، حسب فهم المرء لتلك الكلمة، حول إمكانية الإنسان، واندفاعيته، للقراءة. وفي الواقع، مختلف الحواس التي نستخدمها عبارة لتجسيد هذا : أن “القراءة” لا تعني فقط فك رمز معين وتعلم مجموعة من الرموز بطريقة آلية، لكنها تقترح أيضاً أن الفعل إنساني جداً لإيجاد معنى لها، وبهذا يمكن أن تعتبر روحية أكثر من جميع الأنشطة البشرية.
كما أن “القراءة الروحية” ليست مجرد فك التشفير، لكنها تؤكد بقوة بأن الأدب الجيد لديه السر للوصول إلى نفوسنا، ورسم طريقة تفكيرنا وتواصلنا الجيد مع الآخرين. هذا هو السبب في أن الطريقة التي نقرأ بها يمكن أن تكون أكثر أهمية من ما نقرأ. وفي الواقع، فإن قراءة الأدب الجيد لا تجعل القارئ شخصاً أفضل من الشخص الجالس في الكنيسة او المسجد. ولكن قراءة الكتب الجيدة بشكل جيد قد تفعل.
لقد فعلت القراءة الكثير بالنسبة لي، لقد قرأت على مدى العمر ولقد شكلت النظرة الخاصة بي، معتقداتي، وحياتي. من التوقعات الكبرى تعلمت قوة القصص التي نرويها لأنفسنا والتي علينا القيام بها سواء كانت ضارة أم نافعة، لأنفسنا أو للآخرين؛ من ”موت بائع متجول“ تعلمت مخاطر النسخة الفاسدة من الحلم الأميركي؛ من ”مدام بوفاري“ تعلمت احتضان العالم الواقعي بدلاً من الهروب إلى الأحلام والنزوات؛ من ”رحلات جاليفر“ تعلمت وضع القيود العميقة من وجهة نظري المحدودة الخاصة، ومن ”جين آير“ تعلمت كيف أكون نفسي. هذه لم تكن سوى دروس فكرية وأخلاقية. بدلاً من ذلك، أصبحت قصص هذه الكتب وغيرها الكثير جزءاً في قصة حياتي ومن ثم، تدريجياً جزءاً من روحي.
كما يوضح ”يوجين بيترسون“ في ”كُلْ هذا الكتاب“: ” إذا تم استيعاب الكلمات بصورة صحيحة، ستصبح القراءة هدية هائلة، تؤكل، تمضغ، تقضم، وتُستَقبل ببهجة كبيرة” يصف بيترسون هذا الفن القديم من القراءة الإلهية الروحية بأنها “القراءة التي تدخل أرواحنا كما يدخل الطعام بطوننا، وينتشر من خلال دمائنا، ويصبح … الحب والحكمة”، كما أن المهارات والرغبة في القراءة لن تحدث عن طريق الطبيعة أو عن طريق الصدفة.
”ماريان وولف“ مديرة مركز بحوث القراءة واللغة، ومؤلفة كتاب ”بروست والحبار : قصة الدماغ القارئ“ تصف هشاشة قدرة الدماغ على القراءة بنوع من الإهتمام المتواصل الذي يتيح للأدب أن يبسط قوته في تشكيلنا:
“إن الذهاب أبعد من النص، إلى التحليل والاستنتاج والتفكير بالأفكار الجديدة، هو نتاج سنوات من القراءة. الأمر يتطلب بعض الوقت، قد يستغرق ملّي ثانية أو سنوات، ومجهود يُبذل لتعلم القراءة مع التعمّق، ومن ينفذ جميع هذه العمليات يصبح بمثابة قارئ خبير بالغ وواعي.. لأننا حرفياً وفسيولوجياً نستطيع القراءة بأكثر من طريقة. أما كيفية القراءة، وماذا يمكننا أن نستوعب من قراءتنا، فسوف يتأثر بكل من مضمون قراءتنا ومتوسط الوقت المخصص للقراءة”.
قوة “القراءة الروحية” هي في قدرتها على التعالي على آنية المادة. هي ليست ظاهرة تتيح القياس الكمي للبيانات التي يبتغيها كوري، على الرغم من توضيح آني إمكانية قياسها. ورغم ذلك، مثل هذه القراءة لا تجعلنا أفضل بقدر ما تجعل منا بشراً.
المقال باللغة الإنجليزية: هنا