كَتَبَهُ لـ(ذا كونفرزيشن): جينيفر كوبلن وميلاني نيلاند
منشور بتاريخ: 2018/4/19
ترجمة: عبدالرحمن الكنامة
تدقيق: عقيل صكر
تصميم: أحمد الوائلي
في إستراليا (1) من أصل كل (10) أطفال، و(1) من أصل كل (20) من الأطفال الأكبر عمراً، يُعانون من الحساسية لبعض الأطعمة، وهذه الحساسية متفاوتة الدرجة من طفل لآخر، فقد تكون ردّةُ الفعل التحسسيّة شديدة، وقد تستدعي إدخال الطفل للمستشفى، وقد تؤدي إلى الوفاة في بعض الأحيان.
وفي ما يخص مناديل الأطفال فبإمكان الأهل الإطمئنان، فخلافاً للعناوين العريضة التي يقرأونها، فإنَّ الدراسة المذكورة لم تقدّم أي دليلٍ على أنَّ استخدام مناديل الأطفال يُزيد من خطر إصابة الطفل بالحساسية الغذائية.
في الواقع، لم يُذكر في الدراسة أنّهُ تم تحليل المناديل، كما أنَّ الدراسة أُجريت على الفئران وليس البشر.
كيف تمّت الدراسة؟
لقد تم نشر الدراسة في مجلة الحساسية والمناعة السريرية، وقد كان الهدف الأساسي من الدراسة: هو ملاحظة دور مناديل الأطفال في إحداث أي ضررٍ للجلد كالأكزيما مثلاً، وهل لذلك دور في تطوير الحساسية اتجاه الطعام.
وكما هو معروف اعتماداً على دراسات سابقة فإنَّ أي ضرر للحاجز الجلدي للجسم يشكّل عاملاً هامّاً في الحساسية الغذائية عند الأطفال، فالرضّع الذين يُعانون من الأكزيما هم الأكثر عُرضة لتطوير الحساسية الغذائية، بالإضافة إلى أنَّ الأطفال الذين يُعانون من بعض الطفرات الجينية التي لها تأثيرها على الجلد، يطورون الحساسية الغذائية أكثر من غيرهم.
هذا وقد اعتمد الباحثون في هذه الدراسة على فئران لدراسة نوع من الحساسية الغذائية عند البشر، تُعرف باسم الحساسية المتوسطة بالغلوبولين (آي جي إي)، فالأشخاص المصابين بها يُعانون من حساسية لبعض الأطعمة، مثل الفول السوداني، ويُمكن أن يتطوّر لدى بعضهم ردّ فعلٍ تُحسسي مناعي عند تناول هذه الأطعمة.
وحتّى هذه المرحلة فإنَّهُ يُعتَقد أنَّ التحسّس يُمكن أن يحدث عند البشر من خلال التعرّض الجلدي، ولكن الدراسات لم تثبت الارتباط بين الأمرين بعد.
قام الباحثون باستخدام فئران حديثة الولادة معدّلة وراثياً تملك وظيفة معيبة للحاجز الجلدي، وتم اتخاذ خطوات عدّة لإحداث ردّ فعلٍ لدى الفئران اتجاه الفول السوداني، حيث تم تطبيق مادة سلفات دوديسيل الصوديوم – مادة كيميائية موجودة في الصابون – على جلد الفأرة لمنع تبدّد المحلول الذي سيُضاف لاحقاً، ثم قاموا بتطبيق قُطيرات حاوية على مُحسسات الفول السوداني، ومُحسسات الغبار المنزلي على فترات منتظمة لإحداث التحسّس، ثم أعطوا الفول السوداني فموياً، وبعد فترة، بحث الباحثون عن أي ردّة فعل تشير إلى الحساسية اتجاه الطعام، كانخفاض درجة حرارة جسم الفأرة بعد اعطائها الفول السوداني فموياً.
وقد قام الباحثون باستخدام مُحسّسات الغبار المنزلي، لأنهم لاحظوا أنَّ الغبار المنزلي يُمكن أن يحتوي على بروتينات الفول السوداني، كما لاحظوا أنَّ الأطفال الذين ينشأون في بيئاتٍ تحتوي على غبارٍ فيهِ مُحسّسات الفول السوداني غالباً ما تتطوّر لديهم حساسية اتجاه الفول السوداني، ولكن شرطاً على أن يكون لديهم طفرات وراثية تؤثّر على الحاجز الجلدي.
كيف كانت النتائج؟
بعد إجراء التجربة السابقة، توصّل الباحثون إلى أنَّهُ يُمكن إحداث حساسية اتجاه الفول السوداني لدى الفئران حديثة الولادة، مع عيوب وراثية في وظيفة الحاجز الجلدي، من خلال تعريض هذه الفئران للفول السوداني جنباً إلى جنب مع مُحسّسات الغبار المنزلي عن طريق الجلد.
هذا وقد لاحظوا أنَّهُ ومن دون مُحسّسات الغبار المنزلي لم يكن لأي من العوامل الأخرى (سلفات ديوديسيل الصوديوم، الفول السوداني، العيوب الجلدية) أي تأثير.
كل ما سبق يبين لنا أنَّ التحسّس للفول السوداني يمكن أن يحدث من خلال الجلد في هذه الفئران، ولكن فقط بوجود المُحسّسات البيئية، وبهذا فإنَّ إحداث الحساسية عند هذه الفئران يتطلّب وجود كل من العيوب الوراثية في وظيفة الجلد، وتعرّض الجلد لمُحسّسات الفول السوداني ومُحسّسات الغبار المنزلي معاً.
ومع ذلك فإنَّ هذه الدراسة لا توضّح أنَّ الحساسية الغذائية عند الأطفال تحتاج إلى توفّر العوامل الثلاثة عينها.
ماذا عن مناديل الأطفال؟
إذن، من أين جاءت فكرة أنَّ مناديل الأطفال قد تكون مرتبطة بالحساسية الغذائية؟
اكتشف الباحثون العاملون في الدراسة أنَّ مادة “سلفات ديوديسيل الصوديوم” التي استخدموها في التجربة لإبقاء المحاليل المُستخدمة على تماسٍ مع جلد الفأرة موجودة في مناديل الأطفال وأوضحوا ذلك:
“… مكوّنات الصابون مثل سلفات لوريل الصوديوم، والتي هي سلفات ديوديسيل الصوديوم ذاتها موجودة في مناديل التنظيف…. يمكن أن تُسهّل امتصاص المواد المُسبّبة للحساسية أثناء إطعام أو تنظيف الرضّع، ذوي الحاجز الجلدي المعيب.”
بدورنا ألقينا نظرة سريعة على مكوّنات مناديل الأطفال ذات العلامات التجارية السائدة، ولم تكن سلفات ديوديسيل الصوديوم من بين المكونات.
ولا شك أنَّهُ من الصعب معرفة الرابط بين تطوّر التحسّس الغذائي لدى الأطفال وبين تعرّضهم لمناديل التنظيف، حتّى لو علمنا أنَّ هذه المناديل حاوية على تلك المادّة الكيميائية، والسبب أنَّ ذلك يتطلّب مُقارنة نتائج التجارب على الفئران، التي تعرّضت لمادّة سلفات ديوديسيل الصوديوم، مع نتائج التجريب على فئران لم تتعرّض لتلك المادّة وهو ما لم تتطرّق إليه هذه الدراسة.
ماذا يجب علينا أن نتوقّع مستقبلاً؟
إنَّهُ من المعقول أنَّ وجود حاجز جلدي معيب في مرحلة الرضاعة يؤدّي إلى زيادة خطر امتصاص مكوّنات الفول السوداني عبر الجلد، وهو ما قد يؤدّي إلى تطوّر الحساسية لاحقاً عند الطفل.
وعلى الرغم ممّا توصلت إليه الدراسة من ملاحظات مثيرة للاهتمام، إلا أنَّ الأدلّة المُقنعة على أنَّ شيئاً ما يسبّب الحساسية الغذائية، أو يمنعها لا يمكن الحصول عليها إلا من خلال تجربة عشوائية مضبوطة، يتمّ فيها المقارنة بين مجموعة أولى تم التدخّل عليها بشكل معين (مثل التعرّض لمؤرج ما) مع مجموعة أخرى تم التدخّل عليها بشكل آخر، أو لم يتم التدخل عليها على الإطلاق.
إنَّ التجربة الوحيدة المُجراة للبحث عن طريقة تمنع الحساسية للفول السوداني عند الأطفال، بيّنت أنَّ الإدخال المبكّر له للرضع الذين يُعانون من الاكزيما الشديدة قلّل خطر تطوير حساسية الفول السوداني لديهم فيما بعد.
تجري حالياً تجارب معشاة تبحث في ما إذا كان استخدام الكريمات لتحسين حاجز الجلدي يمكن أن يحمي الأطفال من أن تتطوّر لديهم حساسية اتجاه الطعام، وهو ما سوف يوفّر المزيد من المعلومات عن دور الحاجز الجلدي في حدوث الحساسية الغذائية عند الاطفال.
وبما أنَّ الاستخدام المُفرط للصابون، أو المُنتجات الحاوية على الصابون يؤدي إلى تلف الحاجز الجلدي، وزيادة خطر امتصاص المواد المُسبّبة للحساسية الغذائية، فلا بد من إجراء المزيد من الابحاث والدراسات حَولَ ذلك.
على الرغم من أنَّ استخدام الصابون للأطفال حديثي الولادة لا يُنصَح به، لأنَّهُ سيعمل على تجفيف بشرتهم، فلا يوجد دليل كافي على أنَّ تجنّب الصابون سيقلّل من مخاطر إصابة الطفل بالحساسية الغذائية، بينما تجنّب استخدام مناديل الأطفال فإنَّ الأدلة حول ذلك أقل.
المقال باللغة الإنجليزية: هنا