الرئيسية / صحة / أَجسَامُنا تَتَفاعَلُ مَعَ الدواءِ بِشكلٍ أفضلَ في أوقاتٍ معينةٍ خلالَ اليوم

أَجسَامُنا تَتَفاعَلُ مَعَ الدواءِ بِشكلٍ أفضلَ في أوقاتٍ معينةٍ خلالَ اليوم

 

تقديم: إيميلي أنثس

لموقع: The Atlantic

بتاريخ: 18. آب. 2020م

ترجمة: شهد سعد

تدقيق ومراجعة: هندية عبدالله

تصميم الصورة: حسن عبدالأمير

 

تَعمَلُ أجسامنا على جداول يومية يمكن التنبؤ بها. فمع اقتراب الصباح، تبدأ درجة حرارة الجسم في الارتفاع وترتفع مستويات الكورتيزول لدينا. ويرتفع كذلك معدل ضربات القلب وضغط الدم عند الاستيقاظ. وبحلول منتصف الصباح، نميل إلى أن نكون في أقصى درجات اليقظة، بينما تصل العديد من مقومات الأداء الرياضي – بما في ذلك القوة والتنسيق والمرونة – إلى الذروة في فترة ما بعد الظهر. ومع حلول الظلام، تُطلِقُ الغدة الصنوبرية سراح الميلاتونين. ويزداد أثناء النوم، إفراز حمض المعدة. تتحكم دورات مماثلة على مدار 24 ساعة أو الإيقاعات اليوماوية تقريبًا في كل خليةٍ ونسيجٍ وعضوٍ في جسم الإنسان وجميع وظائفه الفسيولوجية تقريباً.

تبين أن لدى المستشفيات إيقاعات يومية أيضًا، كما أنها لا تتزامن دائمًا مع إيقاعاتنا. فوفقًا لتقريرٍ حديث أجرته دراسة للأكاديمية الوطنية للعلوم، قبل أن تتعامل المستشفيات مع زيادة حالات الإصابة بفيروس كورونا، أن الأطباء يصفون الأدوية بأنماط يمكن التنبؤ بها، وتُصْرَفُ الغالبية منها في الصباح. قد يناسب الجدول الزمني – الذي يسميه الباحثون “التحيز النظامي في توقيت العلاج” – الأطباء ولكنه لن يكون بالضرورة الأفضل للمرضى أو متوائماً مع ساعاتهم البيولوجية.

تعمل المستشفيات ليل نهار، ومن الناحية النظرية يمكن صرف الأدوية كلما دعت الحاجة إليها. كتب مؤلفو الدراسة، “تتحدى النتائج التي توصلنا إليها هذه الفكرة وتكشف عن عائق عملي محتمل لأفضل رعاية سريرية.” يعد الوقت بالنسبة للأطباء المشغولين، ثروة ثمينة والمستشفيات مصممة عمومًا لتقديم الرعاية بأسرع ما يمكن وبكفاءة. لكن جسم الإنسان يحتفظ بوقته الخاص، لذلك قد تكون الرعاية المثلى أقل من كونها مجرد رقصة مرتبة حسب التسلسل الزمني.

حَلَّلَ فريقُ بحثٍ بقيادة اختصاصي طب الأنف والأذن والحنجرة للأطفال ديفيد سميث وعالم الأحياء الزمني جون هوجينش، ما يقرب من 500000 جرعة من عشرات الأدوية – بما في ذلك المسكنات والمضادات الحيوية و الستيرويدات القشرية – التي قُدِّمَت للمرضى الداخليين في المركز الطبي لمستشفى سينسيناتي للأطفال من 2010م إلى 2017م. ووجد الباحثون أن الأوقات التي طُلِبت فيها الادوية وأعطيت إلى المرضى لم تكن موزعة بشكل موحد – وبدلاً من ذلك، كانت هناك “زيادة واضحة في أوقات الصباح وهدوء في الفترة الليلية “. (رفض الباحثون المقيمون في مستشفى سينسيناتي إجراء مقابلة). قُدِّمَت ثلث الطلبات تقريبًا في فترة الأربع ساعات من الساعة 8 صباحًا حتى الظهر وتركزت معظم هذه الطلبات بين الساعة 8 و 10:30 صباحًا، عندما كان الأطباء يقومون بجولاتهم الصباحية.

يقول غاريت فيتزجيرالد، الذي يدير معهد الطب المتعدي والمداواة في جامعة بنسلفانيا والذي لم يشارك في البحث، إن النتيجة منطقية. وأخبرني، “يعرف كل طبيب من الأطباء أن الكثير من السلوكيات في المستشفيات تسير وفقاً لجولات زمنية تُختَار لأسباب متنوعة والتي ليس لها بالضرورة أي أساس علمي معين.”

ومع ذلك، فإن هذا لا يجعل المزامنة بين الجولة والوصفات الطبية سليمة. يجب أن يحصل المرضى على الأدوية عندما يحتاجون إليها وليس فقط عندما يكون ذلك مناسبًا للأطباء ولا يوجد دليل يشير إلى أن العدوى أو الالتهاب أو الألم، على سبيل المثال، يقتصر على فترة الصباح. (في الواقع، يميل ألم المريض إلى التفاقم ليلاً.) يقول مايكل سمولينسكي، اختصاصي بعلم الأحياء الزمني الطبي في جامعة تكساس في مدينة أوستن، “في كثير من الأوقات لا علاقة للجداول الموضوعة بالمتطلبات البيولوجية للمريض التي قد تسير بإيقاعات يوماوية.” وكما يبدو أن تدفق الطلبات الصباحية قد يؤدي إلى مأزق عملي؛ حيث وجد الباحثون أن التأخير بين وقت وصف الأدوية ووقت إعطائها كان الأطول بالنسبة للأدوية المطلوبة في تلك الفترة التي تبدأ من الثامنة إلى الظهيرة. ومن غير الواضح فيما إذا كانت هذه التأخيرات قد أثرت على نتائج المرضى ولكن من الممكن وبالتأكيد تصور حدوث ذلك.

بالإضافة إلى هذه المشاكل المحتملة، ثَمَّةَ حقيقةٌ أن أجسامنا ليس لديها أنظمة مستقرة. إيقاعاتنا الداخلية تعني أن وقت معين من اليوم يمكن أن يؤثر على مدى جودة عمل دواء معين أو مدى خطورة آثاره الجانبية. فتتلاشى العديد من الأمراض وتتضاءل بطرق يمكن التنبؤ بها على مدار اليوم – حيث تميل أعراض البرد والحساسية إلى أن تكون أسوأ في الصباح، بينما تحدث حرقة المعدة في كثير من الأحيان بين عشية وضحاها – كتدفق الدم ووظائف الكبد والعمليات الفسيولوجية الأخرى التي يمكن أن تؤثر على استقلاب الدواء. ويمكن للمركب الذي يُتَخَلَّصُ منه بسرعة من الجسم أثناء النهار أن يبقى في الليل. قال فيتزجيرالد، “نحن نعلم أن إعطاء الأدوية في أوقات مختلفة من اليوم يمكن أن يؤدي في كثير من الأحيان إلى مستويات مختلفة من تلك الأدوية في الدم أو تؤدي إلى آثار سلبية مختلفة.” وأضاف أن استجابتنا للأدوية المختلفة “مشروطة بالساعة.”

على سبيل المثال، فإن الكثير من البالغين يأخذون جرعة يومية من الأسبرين للمساعدة في درء الجلطات الدموية التي يمكن أن تسبب النوبات القلبية والسكتات الدماغية. تكون هذه الحالات القلبية الوعائية شائعة بشكل خاص في ساعات الصباح الباكر وتشير بعض الأبحاث إلى أن الأسبرين من المرجح أن يمنع حدوث هذه الحالات عندما يُتَنَاول قبل النوم. يبدو أيضًا أن الدواء يسبب ضررًا أقل لبطانة المعدة عند تناوله في الليل. أخبرني سمولينسكي أن، “العلاج في الوقت البيولوجي الخطأ قد لا يمنحك النتائج التي تريدها، وقد يؤدي إلى تفاقم الحالة الطبية بشكل أكبر.”

وقال سمولينسكي على الرغم من أن هذه التأثيرات الزمنية قد وثِّقَت لمجموعة متنوعة من الأدوية، لكن العديد من الأدوية “تؤخذ دون أي تفكير في مفهوم الوقت الذي يجب أن تؤخذ فيه.” في الواقع، رأى باحثو سينسيناتي هذا الأمر في مشفاهم. لقد أثبتت الأبحاث السابقة أن العديد من أدوية ضغط الدم تكون أكثر فاعلية عند إعطائها في الليل. ولكن في المركز الطبي لمستشفى الأطفال في سينسيناتي، أُعْطِيَ ما يقرب من ضعف جرعات الهيدرالازين وهو دواء شائع الاستخدام لعلاج ضغط الدم المرتفع، يُعطى نهارًا وليلاً. لم يجد الباحثون أي سبب منطقي سريريًا واضحًا لهذا التوقيت – ككل، لا يبدو أن ضغط الدم لدى المرضى يرتفع بشكل ملحوظ خلال الساعات التي كان يُطلب فيها الدواء بشكل شائع. وعندما صُرِفَ الدواء في الليل، أَدَّى ذلك إلى انخفاض ضغط الدم بشكل أكبر مما كان عليه عندما تُنَاوَلَ في الصباح. كتب الباحثون، “من المفارقات أن المرضى كانوا أكثر استجابة للعلاج خلال الفترة الزمنية (في الليل) عندما قُدِّمَ عدد قليل نسبيًا من الطلبات.”

في عالم مثالي، سَيَنضَبِطُ سلوك الوصفات الطبية للأطباء عندما تعمل الأدوية المختلفة بشكل أفضل.  فقد تسبب مضادات الذهان على سبيل المثال، مشاكل أقل في التمثيل الغذائي عند تناولها في الصباح. النقطة المهمة هي أنه لا يوجد وقت مثالي صالح لجميع الأدوية – ولا يوجد سبب طبي لإعطاء جميع الأدوية في الصباح.

لسوء الحظ، لن يكون تصحيح هذا الانحياز سهلاً. إذ أن جداول الموظفين قد صُمِّمَت بعناية، وتحدث الجولة عادةً في نفس الوقت كل صباح لسبب ما. ولكن مجرد جعل الأطباء على دراية بالمشكلة قد يدفعهم إلى أن يفكروا مليَّاً عندما يطلبون أدوية معينة. من المؤكد أن موظفي المستشفى مشغولين في الوقت الحالي، ولكن في أعقاب هذه الأزمة، عندما يتعافى طاقم المستشفى ويعيدون تنظيم أدواتهم، حينها قد يكون من المفيد أيضًا التفكير في تغييرات أكثر جدية، مثل مطالبة الممرضات بالتجول بشكل متكرر أو إجراء فحوصات ليلية منتظمة. قال فيتزجيرالد “ربما، يجب أن نكون أكثر خبرةً قليلاً بشأن الطريقة التي نعطي بها الأدوية بحسب الوقت.”

المصدر: هنا

عن

شاهد أيضاً

كيف تعمل اللقاحات وما سبب احتمالية فشل لقاح كورونا؟

بـقــلـــم: تشوانغ بينغوي  كتبتـه لـ: صحيفة جنوب الصين الصباحية نُـشر بتأريخ: 11آب/أغسطس 2020 ترجـمـة: ورود …

بيل غيتس يُعلن موعد انتهاء جائحة كورونا

بقلم: زانى مينتون بيدويس كتبته لـ: مجلة ذي إيكونوميست تأريخ نشره: 18 آب/ أغسطس 2020 …