الرئيسية / علم الأعصاب / التفسير العلمي لـلأحلام

التفسير العلمي لـلأحلام

بقلم: ساندر فان دير لندين “Sander van der Linden”
منشور بتاريخ: 26 يوليو، 2011
ترجمة: رند يوسف

تدقيق: عمر أكرم المهدي
تصميم: مكي السرحان

 

لـقرونٍ من الزمن فكّر الناس بـمعنى الأحلام، الحضارات القديمة اعتقدت أنّ الأحلام هي مرحلة تتوسّط العالم الأرضي وعالم الآلهة. في الحقيقة، كان اليونانيّون والرّومانيون مقتنعين بـأنّ الأحلام لها قوة نبوئيّة معيّنة، فـفي حين كان هنالك دائمًا اهتمام كبير بـتفسير الأحلام البشرية، لم يكن لـيأتي هذا التفسير حتّى نهاية القرن التاسع عشر حيث وضع سيغموند فرويد وكارل يونغ بعضًا من النظريات الحديثة الأكثر شهرةً على نطاقٍ واسع والتي تمحورت حول مفهوم الكبت والقلق – الفكرة في أنّ الحلم يسمح لنا بـأن نمرّ في الأمنيات المكبوتة التي لم تتحقّق. كارل يونغ (الذي درس على يد فرويد) يعتقد أيضًا بـأنّ الأحلام لها أهمية فسيولوجية، ولكنّه عرض نظريّات مختلفة عن معانيها.

منذ ذلك الوقت، التطوّر الاجتماعي سمح بـظهور نظريات أخرى. واحدة من النظريات البارزة في علم الأعصاب البايولوجي هي «فرضيّة تنشيط التوليف» – (activation-synthesis hypothesis) والتي تنص على أنّ الأحلام لا تعني في واقع الحال أي شيء: وهي مجرّد دوافع كهربائية دماغية والتي تدفع أفكارًا عشوائية ومخيّلة من ذاكراتنا. النّاس، حسب هذه النّظرية، يبنون قصصًا لـلأحلام بعد الاستيقاظ، في رغبةٍ طبيعية منهم لـلإحساس بكل شيءٍ حولها. بعد ذلك، اتّسعت التوثيقات بـجوانب واقعية لأحلام البشر وكذلك أثبتت الأدلّة التجريبية غير المباشرة بـأنّ الثدييات الأخرى كـالقطط تحلم أيضًا، علماء علم النفس التطوّري قاموا بـوضع نظريّة تنص على أنّ الحلم يقوم حقًّا بـأداء وظيفة ذات مغزى. بشكلٍ محدّد، «نظريّة محاكاة الخطر» – (threat simulation theory) التي تقترح أنّ الحلم يجب أن يُنظَر إليه على أنّه آلية دفاعية بايولوجية قديمة والتي تقدّم لنا ميّزة تطوّرية، وذلك بـسبب قدرتها على تحفيز الحوادث المحتملة التي تهدّدنا مرارًا وتكرارًا – وذلك مما يعزّز من آلية الإدراك العصبي التي يجب توافرها من أجل الإدراك الفعّال للخطر وتفاديه.

وبـالتالي، على مرّ السنين، وُضِعَت نظريّات عديدة وهلمّ جرا من أجل تسليط الضّوء على اللغز الذي يقف خلف أحلام الإنسان، إلّا أنّه حتّى وقتٍ قريب، فـإنّ الدّليل القوي الملموس عليها لا يزال مجهولًا بشكلٍ كبير.
بعد ذلك، تمّ نشر بحث جديد في مجلّة العلوم العصبية (the Journal of Neuroscience) يقدّم رؤىً عميقة متعلّقة بـالآلية التي يقوم على أساسها الحلم، والعلاقة القوية بين أحلامنا وذاكراتنا. كريستينا مارزانو “Cristina Marzano” وزملاؤها في جامعة روما نجحوا للمرة الأولى في شرح كيفية تذكّر النّاس لأحلامهم. تنبّأ العلماء بـأرجحية نجاح استعادة الحلم بناءً على نمط تخطيطي لإشارات موجات الدماغ. ومن أجل القيام بذلك، دعا فريق البحث الإيطالي 65 طالبًا لإمضاء ليالٍ متتالية في مختبرات بحثهم.

خلال الليلة الأولى، تُرك الطلاب لـيناموا مع تخصيص غرف لهم ذات عزل صوتي وحرارة معتدلة. خلال الليلة الثانية قام العلماء بـقياس موجات الدماغ للطلاب أثناء نومهم. أدمغتنا تمر بـأربعة أنواع من الموجات الكهربائية الدماغية وهي: (دلتا) و (ثيتا) و (ألفا) و (بيتا). كل واحدةٍ منها تمثّل سرعة مختلفة لـتدفّق الذبذبات الكهربائية ومع بعضها تشكّل رسم المخ الكهربائي (EEG). استخدم فريق البحث الإيطالي هذه التقنية لـقياس موجات الدماغ عند الطلاب المشاركين أثناء مراحل النوم المختلفة. (هنالك خمس مراحل للنّوم؛ غالبية الأحلام، وأحلامنا الأكثر انفعالية تحدث خلال مرحلة نوم كرة العين السّريعة “REM”). تمّ إيقاظ الطلاب في أوقاتٍ مختلفة وطُلب منهم تدوين ملاحظات مفصّلة سواء كانوا حلموا أم لم يحلموا، وكيف لهم أن يحلموا عادةً وهل من الممكن لهم أن يتذكّروا محتوى أحلامهم.

في حين أنّ الدراسات السابقة قد أشارت في حينها إلى أنّ الناس يكونون أكثر عُرضةً لأن يتذكّروا أحلامهم عندما يستيقظون بعد مرحلة «نوم حركة كرة العين السريعة» – “Rapid eye movement (REM) sleep”، الدراسة الحالية بيّنت السبب وراء ذلك. أولئك المشاركون في الدّراسة الذين أظهروا تواترًا لـموجات (ثيتا) منخفضة التردّد في الفصوص الأمامية كانوا أكثر عرضةً أيضًا لأن يتذكّروا أحلامهم.

هذا الاكتشاف مثير لـلإهتمام وذلك لأنّ نشاط موجات (ثيتا) المرتفع في الفصوص الأمامية الذي تمّ رصده من قبل الباحثين يبدو تمامًا كـعمليات التّشفير الناجح والاستعادة للذكريات المتعلّقة بـالسيرة الذاتية والتي تحدث عندما نكون مستيقظين. وهذا هو نفس التذبذب الكهربائي في القشرة الأمامية والتي تجعل إعادة تجميع الذكريات العرضيّة (مثل الأشياء التي تحدث لك) أمرًا ممكنًا. وبـالتالي، هذه النتائج تشير إلى أنّ الآليات الفسيولوجية العصبية التي نوظّفها أثناء أحلامنا (وعملية استعادة الأحلام) هي نفسها عندما نبني ونسترجع الذكريات بينما نكون مستيقظين.

في دراسة أخرى أُجريت مؤخّرًا من قبل فريق البحث نفسه، استخدم الباحثون أحدث تقنيات صور الرنين المغناطيسي “MRI” من أجل التحري عن العلاقة بين الحلم ودور تراكيب الدماغ العميقة فيه. في دراستهم هذه، وجد الباحثون أنّ الأحلام الحيويّة والغريبة وذات العاطفية الشديدة (الأحلام التي يتذكّرها الناس عادةً) هي مرتبطة بـأجزاء من اللّوزة الدماغية (amygdala) والحصين (قرن آمون) (hippocampus). في حين أنّ لوزة المخ تلعب دورًا أساسيًا في عملية المعالجة والتذكّر لـلإنفعالات العاطفية، فـإنّ دور الحصين يشتمل على وظائف الذاكرة المهمّة، وكـمثال على ذلك توثيق المعلومات من الذاكرة قصيرة الأمد إلى الذاكرة طويلة الأمد.

الرابط المقترح بين أحلامنا وعواطفنا يتم تسليط الضّوء عليه كذلك في دراسة أخرى نُشرت مؤخّرًا من قبل ماثيو والكر “Matthew Walker” وزملائه وذلك في «مختبر فحص النّوم والتّصوير العصبي» – (the Sleep and Neuroimaging Lab) في جامعة كاليفورنيا في بيركيلي، والذين وجدوا بـأنّ الانخفاض في نوم حركة كرة العين السّريعة (أو ما يعني ’’أحلامًا‘‘ أقل) تؤثّر على قدرتنا في فهم المشاعر المعقّدة خلال حياتنا اليومية – وهي ميّزة أساسية لـوظائف الإنسان الاجتماعية. وقد حدّد العلماء أيضًا في الآونة الأخيرة، أين يمكن أن يحدث الحلم عادةً في الدّماغ. هنالك حالة سريرية نادرة جدًّا تُعرَف بــ «متلازمة شاركوت ويلبراند» –
(Charcot-Wilbrand Syndrome) قد تبيّن بـأنّها تسبّب (من بين عوارض عصبيّة أخرى) فقدان القدرة على الحلم. مع ذلك، هذه الحالة لم تكن لـتُعرَف إلّا قبل بضع سنوات مضت، عندما روت مريضة أنّها فقدت قدرتها على الحلم في حين لم يكن لديها عمليًا أي عوارض لـمرضٍ عصبي. كانت المريضة تعاني من ضررٍ في جزءٍ من الدّماغ يُعرَف بــ «التلفيف اللّغوي السفلي الأيمن» – (the right inferior lingual gyrus) الذي يقع في القشرة الدماغية البصرية. وبـالتالي، نحن نعلم بـأنّ الأحلام يتم توليدها فيها، أو يتم نقلها خلال هذه المنطقة المتخصّصة من الدماغ، والتي ترتبط بها العمليات البصرية والعاطفة والذكريات البصريّة.
مع أخذ ذلك كلّه بنظر الاعتبار، نجد أنّ هذه الاكتشافات الحديثة تخبرنا بـالسيناريو المهم عن تلك الآلية الكامنة وراء عملية الحلم والغرض المحتمل منها.

من الواضح أنّ الأحلام تساعدنا على التعبير عن مشاعرنا من خلال عمليات تأليف وبناء الذكريات عنها. الأمور التي نراها ونمرّ بها في أحلامنا ليست بالضرورة أنْ تكون حقيقية. ولكنّ المشاعر المرتبطة بهذه التجارب هي حتمًا حقيقية.
قصص أحلامنا تحاول بشكلٍ أساسي أن تستخرج العواطف من تجاربٍ معيّنة وذلك من خلال بناء ذاكرة عنها. وبـهذه الطريقة، تصبح العواطف نفسها غير فعّالة. هذه الآلية تقوم بدورٍ مهم لأنّنا عندما لا نتحكّم بـعواطفنا، وخصوصًا تلك السلبية منها، فـإنّ ذلك يزيد من القلق الشخصي والحصر النفسي. في الحقيقة، فـإنّ النقصان الحاد في نوم حركة كرة العين السريعة مرتبط بنحوٍ متزايد بـتطوّر الاضطرابات العقلية النفسية. بـاختصار، الأحلام تساعد على تنظيم حركة المرور على ذلك الجسر الهش الذي يربط ما نمرّ به مع عواطفنا وذكرياتنا.

 

المصـدر:

هنا

عن

شاهد أيضاً

الأشخاص الحكماء أقل شعوراً بالوحدة! إليكم الأسباب

بقلم: مات دايفيس لموقع: Big Think ترجمة : رهام بصمه جي تدقيق: ريام عيسى  تصميم …

الإنسحاب من العلاقات العاطفية بصمت أصبح عادياً

بقلم : ليزا بونوس بتاريخ : ‏13‏/02‏/2020 لموقع : The Washington Post ترجمة : حسين …