ترجمة: أحمد خضير عباس
تدقيق: مصطفى شهباز
تصميم: مكي السرحان
يتذكر نجيب الله أميري،أحد ضباط الشرطة الذين يحرسون ضواحي ولاية فرح،أنه تلقّى اتصالاً من قائده في تشرين الأول مفاده أن المئات من مسلحي طالبان متوجهين لمهاجمة ضاحيته. وخلال نصف ساعة، شن المسلحون هجوما على الحقول المحيطة بنقطة الشرطة وفرضوا حصاراً طال ثلاثة أسابيع على الضفة الغربية لمدينة فرح، عاصمة ولاية فرح. ولم يُرفع الحصار إلا بتدخل سلاح الجو الأمريكي الذي استنجدت به الحكومة الأفغانية. وبعد أن انجلى غبار المعركة، اتضح لقوات الأمن الأفغانية أن إيران هي من كانت تقف وراء ذلك الهجوم. وصرح ضباط الاستخبارات الأفغانية أن أربعة من كبار ضباط المغاوير الإيرانيين كانوا بين عشرات القتلى وشُيعت جنازاتهم في إيران. وأخبر كبار القرية ضباط الاستخبارات أن الكثير من جثث قتلى طالبان وجرحاهم نُقَلوا عبر الحدود إلى إيران، حيث تم تجنيدهم وتدريبهم قبل الهجوم. كان هذا الهجوم منسقاً مع هجمات على عدة مدن أفغانية أخرى، ويُعد أقوى محاولة لطالبان منذ عام 2001 لاستعادة السلطة، وهو جزء من حملة إيرانية متصاعدة لملء الفراغ الذي أحدثته القوات الأمريكية التي قلصت أعدادها هناك، ويعد ما حدث أكبر اندفاع لإيران داخل الأراضي الأفغانية منذ عقوداً من الزمن. وأعرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب،عن أسفه لخسارة الولايات المتحدة حربها المتواصلة منذ ستة عشر عاما في أفغانستان وتوعد بإقالة الضباط الأميركيين المعنيين بهذا الملف. وبينما تستعد الولايات المتحدة لإنهاء حربها في أفغانستان، التي تُعَد أطول حرب في تاريخها وكلفتها نصف ترليون دولار وحياة 150 ألف شخص من جميع الأطراف.
على الرغم من أن السعودية وباكستان يظلان القوتين البارزتين في المنطقة، فإن إيران تقوم بمناورة جريئة لتشكيل أفغانستان لصالحها. وبعد أن أطاحت الولايات المتحدة بالعدويين الرئيسيين المجاورين لإيران خلال العقدين الماضيين: طالبان في أفغانستان وصدام حسين في العراق، عملت إيران بصمت ومن دون انقطاع على توسيع نفوذها في كلا الدولتين. في العراق،استغلت إيران الحرب الأهلية والانسحاب الأميركي لتشكيل دولة تابعة لها سياسياً، بينما تسعى على الساحة الأفغانية تسعى ايران للضغط من أجل مغادرة قوات التحالف لأفغانستان والتأثير على أي حكومة تُشكل هناك، وجعلها صديقة أو حليفة لكي لا تهدد المصالح الإيرانية. وذلك من خلال مد يد العون إلى عدوها السابق”حركة طالبان” لجعلها قوة موالية لها ولزعزعة أستفرار أفغانستان، وهذه إحدى الوسائل التي تتبعها إيران لحماية حدودها المشتركة مع أفغانستان والتي تمتد لأكثر من 800 كيلومتر،ولكن إرسال إيران قوة متمردة للسيطرة على ولاية فرح أظهر تصعيداً خطيراً وكبيراً في جهودها.
قال ناصر هيراتي،أحد ضباط الشرطة الذين يحرسون في نقطة خارج ولاية فرح، بغضب:”إيران لا تريد تحقيق الاستقرار هنا وأن الناس هنا يكرهون العلم الإيراني ويحرقونه”. وبحسب مسؤولين غربيين وأفغان فإن إيران قد واصلت تدخلها الكبير في الشأن الأفغاني والذي انكشف بشكل علني حاليا. ويتمثل تدخلها بتدريب متمردي طالبان المحليين وتزويدهم بالسلاح والمال. وجعل أراضيها ملاذاً أمناً لقيادات طالبان مع توفير الوقود لشاحناتهم. ولقد جندت إيران اللاجئين الأفغان السنة في صفوف طالبان. وصرح محمد عارف شاه جيهان، أحد كبار ضباط الاستخبارات الأفغانية والذي يشغل منصب حاكم فرح مؤخراً، إن سياسات دول المنطقة تغيرت وأن قوة طالبان في هذه المنطقة هي قوة مشتركة “طالبان-إيران”. كانت إيران على وشك أن تعلن الحرب على حركة طالبان حينما قتلت مليشيات تابعة لطالبان 11 دبلوماسياً ايرانياً وصحفياً حكومياً في عام 1998. وبعد ذلك، دعمت إيران المعارضة المعادية لطالبان وتعاونت مع التدخل الأمريكي في أفغانستان الذي أزاح طالبان من السلطة. وبعد توسع عمليات حلف شمال الأطلسي (الناتو) في أفغانستان شرع الايرانيون بصمت يساندون طالبان لاستنزاف القوات الأمريكية وحلفائها بزيادة تكلفة الحرب لتجبرهم على مغادرة البلاد. ما عادت إيران ترى في طالبان أحد أعدائها بل قوة مفيدة لها. ولقد أناطت إيران ايضاً لطالبان مهمة مواجهة ما يسمى بالدولة الإسلامية في أفغانستان، حيث شن هذا التنظيم هجوماً ارهابياً على البرلمان الإيراني في هذا العام. وفي قاعات السفارة الإيرانية الفارغة في كابول المغلفة بالرخام، أنكر السفير الإيراني، محمد رضا بهرامي، دعم بلاده لطالبان وأكد على استثمار إيران أكثر من 400 مليون دولار لربط أفغانستان بموانئ الخليج العربي (الفارسي). وقال بهرامي في مقابلة معه في العام الماضي “إن وجود حكومة قوية في أفغانستان يحقق مزايا متعددة ويعزز أواصر العلاقات بين البلدين أكثر من اي شيء آخر”. ولكن وزارة الخارجية الإيرانية والحرس الثوري يعملان كذراع مُكمل لسياسة إيران، حيث تغرس الأولى بشكل علني النفوذ الاقتصادي والثقافي فيما يعمل الحرس الثوري كقوة تخريبية وعدائية من خلف الستار.
قال مسؤولون أفغان ” ان إيران أرسلت فرق اغتيالات وجواسيس سراً الى البلاد وتسلسلت الى الأجهزة الحكومية وصفوف الشرطة”. وكشف الجنرال البريطاني ديفيد ريتشاردز، أحد كبار قادة حلف شمال الأطلسي في أفغانستان، عن تجنيد إيران مترجمه الفوري، العريف دانيل جيمس -بريطاني من أصل إيراني-لصالحها. وحُكِمَ جيمس بالسجن عشر سنوات لإرساله رسائل مشفرة إلى الملحق العسكري الإيراني في كابول خلال جولة عمل في عام 2006.
تحركت طهران مؤخراً لدعم تمرد طالبان في ولاية فرح، مما دعى القوات الأمريكية في كانون الثاني الى الاندفاع إلى فرح مرة ثانية لصد هجوم طالبان. وقال السيد جاويد كوهستاني، محلل عسكري مقيم في كابول” إن اللعبة الإيرانية شديدة التعقيد”. خدمت القوات الأمريكية إيران، حينما أطاحت بحكم طالبان وصدام حسين،وهي تعمل حاليا على تعظيم خسائر القوات الأمريكية لدفعها لمغادرة البلاد.
التوسع الطموح
ظهر عمق علاقات إيران مع طالبان إلى العلن بشكل غير متوقع في العام الماضي عندما ضربت طائرة أمريكية من دون طيار سيارة أجرة على طريق صحراوي في جنوب غرب باكستان. وأسفرت هذه الضربة عن مقتل السائق وزبونه الوحيد. كان الزبون زعيم طالبان، الملا أختار منصور، إرهابي مطلوب على رأسه مكافأة أمريكية وكان على رأس لائحة عقوبات الأمم المتحدة منذ عام 2001. كان الملا منصور يسافر من دون أسلحة أو حراس. وكان يعيش في منزله واثقاً وهادئاً في باكستان. كشفت الضربة الجوية، التي تُعد الثانية منذ العثور على زعيم القاعدة “أسامة بن لادن” في بلدة أبوت أباد الباكستانية، عن تواطؤ باكستان مع الإرهابيين المطلوبين. كانت تلك المرة الأولى التي نفذت فيها الولايات المتحدة هجوماً في ولاية بلوشستان الباكستانية. ومنذ مدة طويلة، كانت هذه الولاية ملاذاً أمناً لطالبان لأنها بعيدة عن الطائرات من دون طيار الأمريكية بسبب الإحتجاجات الباكستانية. والأمر المهم هو ان الملا منصور كان عائدا من رحلة إلى إيران والتقى خلالها مسؤولين إيرانيين وروس. وأكد مسؤولون أفغان ومحللون أمنيون ودبلوماسيون غربيون وقيادي سابق في حركة طالبان، كان على صلة بالدائرة القريبة من الملا منصور، تفاصيل اللقاءات التي كان يجريها ملا منصور زعيم طالبان. وأقرت إيران وروسيا أنهما عقدتا لقاءات مع طالبان، بيد أنهما صرحا بأن اللقاءات كانت لأغراض المعلومات فقط. لقد أحدث قيام ملا منصور بتطوير العلاقات شخصياً مع إيران وروسيا تحولاً مفاجئاً في التحالف مع حركته المتشددة، التي كانت دائما تدعمها القوى السنية في دول الخليج(العربي) وباكستان. بعد سحب جزء من القوات الأمريكية من أفغانستان، سعى ملا منصور لتنويع مصادر تمويله وأسلحته منذ توليه قيادة الحركة في عام 2013. لقد أظهر جواز سفر الملا منصور الذي عثر عليه بجانب جثته، قيامه بثلاث عشرة رحلة الى دبي والإمارات العربية المتحدة، وواحدة إلى البحرين ورحلتين على الأقل إلى إيران. وبحسب مسؤولين أفغان، لهم دراية كبيرة بحركة طالبان، والقيادي السابق في طالبان فإن منصور كان يعمل على توسيع هيمنة طالبان في أفغانستان ويحضر لخوض مفاوضات من أجل إنهاء الحرب ووضع جميع الأطراف الأخرى تحت شروطه. وأضافوا أيضاً أن توسع منصور الطموح سبب بقتله. قال تيمور شاران، محلل سابق في مجموعة الأزمات الدولية في أفغانستان وانخرط بعد ذلك في الحكومة الأفغانية “كان منصور سياسياً محنكاً ورجل أعمال لديه طموح كبير لتوسيع علاقاته مع الدول”. وفقاً لكوهستاني، وهو محلل سياسي، فإن ملا منصور على علاقة بالإيرانيين منذ تسعينيات القرن الماضي. وأضاف كوهستاني بأن مصالح إيران وطالبان تداخلت بتجارة الأفيون وتُعتبر أفغانستان أكبر مصدر لهذا النوع من المخدرات في العالم بينما تشكل إيران البوابة الرئيسة لإخراجه. وقد خاض حرس الحدود الإيراني قتالاً طويلاً مع مهربي المخدرات عبر الحدود الأفغانية-الإيرانية، بيد أن الحرس الثوري وطالبان استفادا من هذه التجارة غير المشروعة عبر فرض إتاوات على المهربين. ووفقاً لروس ريدل، وهو محلل سابق لدى وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وباحث في معهد بروكينز في واشنطن، فإن التنسيق الفني يُعد الغرض الرئيس من رحلات منصور إلى إيران. وبينما كانت طالبان تستعد في عام 2016 لشن هجمات في ثمان ولايات أفغانية، كان منصور ينظر إلى ولاية فرح بنظرة خاصة ويعتبرها ثمرة ناضجة. وقال مسؤولون أفغان “أن إيران سهلت عقد لقاء بين منصور ومسؤولين روس لتأمين أسلحة وأموال من موسكو إلى مسلحي طالبان المتمردين”. وصرح حاج آغا لالاي، مستشار رئاسي سابق ونائب حاكم قندهار “إن باكستان شديدة الحرص على توزيع عبء الدعم السياسي والمالي لحركة طالبان وشجعت علاقات طالبان مع إيران”. فيما قال قيادي منشق من حركة طالبان ” سافر منصور إلى إيران في رحلته الأخيرة من أجل لقاء شخصية مهمة هناك، يحتمل أن يكون المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي”. وأقر القيادي بحصوله على هذه المعلومات من أعضاء في الدائرة المقربة من الملا منصور. ولقد تحدث الحاج آغا لالاي إلى أقارب زعيم طالبان، منصور، واخبروه بان الملا منصور بقى في إيران لمدة أسبوع والتقى مسؤول روسي رفيع المستوى في بلدة زاهدان. وأضاف لالاي ومسؤولون افغان “كان منصور يبحث قبل مقتله لزيادة المساعدة الإيرانية-الروسية”. وأشاروا إلى زيادة في الدعم الإيراني لطالبان خلال مدة زعامة منصور لطالبان. قال سميث جونز، المدير المشارك في مؤسسة راند ” كانت الولايات المتحدة على دراية تامة بتحركات منصور ومغامراته في إيران قبل استهدافه بمدة زمنية وشاركت المعلومات مع باكستان”. وأضاف جونز”زودتنا باكستان بمعلومات مفيدة وكانت داعمة في عملية استهداف منصور”. وتحدث الجنرال جون نيكولسون، القائد الأمريكي لقوات التحالف في أفغانستان، عن موافقة الرئيس أوباما على الضربة الجوية بعد أن فشل منصور بالانضمام إلى محادثات السلام التي كانت تنظمها باكستان. ويعتقد الكولونيل أحمد مسلم حياة، وهو ملحق عسكري أفغاني سابق في لندن، إن الجيش الأمريكي حقق نقطة مهمة لصالحه بضرب الملا منصور في أثناء عودته من إيران. ويعتبر السيد حياة استهداف ملا منصور بأنه عمل ذكي لرمي لإثارة الشبهات حول إيران، حيث تحاول الولايات المتحدة أن تخلق فجوة بين طالبان وإيران. ولكن للسيد لالاي رأي آخر ” لو كانت هذه هي نية الأمريكيين فيبدو أنها لم تنجح بالنظر إلى طريقة زعيم طالبان الجديد، مولوي هبة الله اخوندزاد، الذي يسير على خطى سلفه، ملا منصور”. وأضاف لالاي:” لا يزال هبة الله يتواصل مع الجانب الإيراني لأن طالبان تبحث عن مزيد من التمويل إذا أرادت توسيع القتال”.
هرات ”إيران الصغرى“
أما اليوم فإن إيران تتبع إستراتيجية الموت لاستنزاف القوات الأمريكية ورفع تكلفة الحرب عليها باستخدام طالبان في هرات، حيث لا يوجد مكان في أفغانستان يمكن فيه الشعور بعمق النفوذ الإيراني أكثر من مدينة هرات الواقعة غرب البلاد، حيث يُمكن رؤيتها من الحدود الإيرانية بالعين المجردة.
نزح ما يقارب من مليوني أفغاني إلى إيران إبان الإحتلال السوفيتي في ثمانينات القرن الماضي. ويعيش اليوم ثلاثة ملايين أفغاني في إيران ويمارسون أعمالهم هناك. يُطلق على مدينة هرات في بعض الأحيان تسمية “إيران الصغرى” وتُعد البوابة الرئيسة بين البلدين. ويتحدث سكانها بلكنة إيرانية وتنتشر المدارس والكليات والمكتبات الإيرانية في شوارعها. وترتدي نسائها “الشادور الأسود” الزي المفضل لدى نساء إيران. وتملأ الحلوى والمنتجات الإيرانية محالها. وعلى الرغم من ان هرات من إحدى المدن الأفغانية التي يعمها السلام والهدوء إلا أن رائحة المؤامرة مترسخة بداخلها. يقول مسؤولون محليون ” ان مدينة هرات مملوءة بالجواسيس الإيرانيين والمخبرين السريين وفرق الاغتيالات، ولقد شهدت حالات اختطاف واغتيال في السنوات الأخيرة”. وصرحت الشرطة الأفغانية قائلة ” إن إيران تمول مجموعات مسلحة وعصابات إجرامية”. وذكر مسؤولون أفغان إن إيران تعمل في الظل ومن دون توقف لخلق صراعات داخلية على السلطة الأفغانية وذلك من خلال الرشاوي أو العنف. وفي أحد أيام تشرين الثاني، أرسلت شرطة مكافحة الإرهاب في هرات ضباطاً سريين لاقتحام منزل أحد رجالهم. وكان ثمة رجلين غريبين على دراجة نارية يتجسسان على المنزل نفسه. وخلال ساعات، احتجزتهم الشرطة وحققت معهم ليتبين بأنهم عناصر في فرقة اغتيالات إيرانية. وكشفت التحقيقات أن أحد الأسلحة التي ضبطت بحوزتهم أُستخدم في جريمة قتل مواطن إيراني في هرات قبل عشرة أشهر. ولا يزالان محتجزان في أفغانستان ولم توجه السلطة الأفغانية اتهامات بحقهم إلى الآن واصبحا مصدراً للخلاف بين البلدين”إيران-أفغانستان”. أما إيران فقد أنكرت أن يكون المتهمان إيرانيين مشيرة إلى أنهما أفغانيين، لكن السلطات الأفغانية تباهت بهم على شاشات التلفاز وقالت ” هذان الرجلان يحملان أوراق ثبوتية مزورة واعترفا أن طهران أرسلتهما لتنفيذ عملية اغتيال”. وأعلنت الشرطة الأفغانية عن إلقاء القبض على 2000 شخص في عمليات لمكافحة الإرهاب في هرات على مدار السنوات الثلاث المنصرمة، ومن بينهم متمردين مسلحين ومجرمين كانوا مستقرين مع أسرهم في إيران ثم عادوا إلى أفغانستان لتنفيذ عشرات الهجمات على الشرطة والمسؤولين الأفغان. وبحسب مسؤولين أفغان فإن إيران تعمل على إضعاف الحكومة الأفغانية وقواتها الأمنية وقوات الولايات المتحدة لكي تحافظ على نفوذها في أفغانستان وجعلها دولة ضعيفة تابعة لها. وتحدث السيد فرهاد نايش باللغة الانجليزية وهو محافظ مدينة هرات السابق البالغ من العمر 33 عاما، بصراحة وامتعاض شديد قائلا “يستخدم الإيرانيون قنصليتهم في المدينة كقاعدة لنشر الدعايات الإعلامية ولتدبير الأنشطة الإرهابية”. وذكر السيد نايس إن إيران تؤدي دوراً كبيراً في الهجمات الإرهابية على هرات ولقد ألقت قوات الأمن الأفغانية القبض على ثلاثة أو أربعة إيرانيين كانوا يدبرون خطة إرهابية للهجوم على مسؤولين أفغان يرفضون العمل لصالح إيران. وقال أعضاء برلمانيون ومسؤولون أفغان “أن إيران تقوم برشوة مسؤولي الحكومة المحلية والمركزية لكي يعملوا لصالحها، وتمنحهم من عشر إلى خمس عشرة تأشيرة إيرانية في كل أسبوع ليوزعوها على أصدقائهم وشركائهم”. لقد كشفت الشرطة حالات تظهر عمق التغلغل الإيراني داخل المؤسسات الأفغانية. ومن هذه الحالات، حُكِمَ على شرطي أفغانية بالإعدام وقد أُتهمت على انها عميلة سرية إيرانية بعد ما أطلقت النار على مدرب أمريكي في مركز قيادة الشرطة الأفغانية في كابول في عام 2012. قال مسؤول رفيع المستوى في شرطة هرات، لم يفصح عن اسمه: “إن تحرك جارتنا من جهة الغرب خطير جداً، ولقد عثرنا على مدفعية ثقيلة كانت تستخدم لقصف المدينة”. وأكد المسؤول نفسه على دعم إيران لمجموعات مسلحة معارضة للحكومة في نصف المحافظات الأفغانية الواقعة غرب البلاد.
القوة الناعمة..سلاح ذو حدين
يحلم الأفغان بعودة بلادهم الحبيسة والممزقة بسبب الحرب إلى مركز تجاري قوي عرفته في الماضي حينما كانت معبر للقوافل المحملة بالسلع من الصين إلى أوروبا عبر طريق الحرير حيث يسافر الناس وتنتقل الأفكار عبر الطريق نفسه. أن وافقت إيران فسوف يمر طريق الحرير الجديد عبر حدود أفغانستان الغربية ليصل إلى إيران مجدداً، وهذا ما يتمناه الأفغان. أما الهند فشقت طريقها عبر حدود أفغانستان الجنوبية الغربية لتسمح للتجار بالمرور في باكستان التي طالما قيدت السلع الأفغانية. لكن إيران تهدف إلى ربط طريق الحرير بشبكة طرق وسكك حديدية على طول حدودها مع أفغانستان حتى ميناء جابهار في الخليج (الفارسي).قال السيد بهرامي السفير الايراني في كابول ” قلنا أن أفغانستان لن تكون حبيسة مرة ثانية وسنكون رهن إشارتها“ وأكد بهرامي على مساهمة بلاده في طريق أفغانستان حتى في ظل المشكلات الاقتصادية التي تواجهها إيران بسبب العقوبات. وقال مسؤولون أفغان:” يهدف الدعم الإيراني لطالبان الى عرقلة المشروعات التنموية في أفغانستان التي تهدد هيمنة الدولة”.
تتركز المنافسة الكبرى بين البلدين حول المياه. يظن الأفغان إن إيران تعمل على تخريب خطط بناء سدود مائية في أفغانستان لأنها من الممكن أن تهدد مصادر مياه إيران. أثارت إيران قضية بناء السدود في لقاءات ثانوية عديدة. وانتقد الرئيس الإيراني حسن روحاني مؤخراً مشروعات بناء السدود في أفغانستان وزعم بأنها تلحق ضرراً بالبيئة.
أُوقِفت الخطط التنموية ذات النطاق الواسع، مثل المشروعات الهيدروليكية، في أفغانستان منذ سبعينيات القرن الماضي حين شهدت البلاد انقلابات عسكرية وحروب جعلت غمامة الخراب والاضطراب تخيم عليها لأربعين سنة. وحتى عام 2001 عندما تدفقت المساعدات الدولية إليها، منعت السياسات الداخلية والخارجية تنفيذ تلك الخطط التنموية في البلاد. بيد أن الرئيس الأفغاني، أشرف غني، جعل بناء سد سلما في هرات من أهم الأولويات لتحقيق زيادة بالنمو الإقتصادي ولتوفير مياه الري للجزء الغربي الكبير من المدينة، وأمر أشرف غني ايضاً ببناء سد آخر في باكشاباد. وعلى الرغم من الهجومين المأساويين لطالبان على عاصمة فرح في تشرين الأول وكانون الثاني فإن سكان هرات يلهجون بذكر اسم سد باكشاباد كثيراً. لا يزال مشروع بناء سد باكشاباد في مرحلة التخطيط، لكنه حلم كبير لأنه سوف يوفر الكهرباء والمياه للسكان. وقال السيد لالاي، المستشار الرئاسي بشأن العلاقات مع إيران ” إن قضية المياه قضية مهمة ولا يستهان بها، وأن الجزء الأكبر من مياه بلادنا يذهب إلى دول الجوار ويتحتم علينا ان نعطيهم حصة مائية أقل من أجل تحقيق الازدهار في أفغانستان”.
سلام ام حرب بالوكالة؟
كشف مقتل الملا منصور صلة إيران الحيوية بطالبان، لكنه أدى إلى شق صف الحركة ودفع بعدد من قادتها البارزين بالارتداد عن ولائهم لها مما أتاح الفرصة لآخرين، ومن بينهم إيران نفسها، إلى التدخل. ألقت الأغلبية الساحقة من حركة طالبان مسؤولية مقتل زعيمها، الملا منصور، على باكستان. وعمقت تلك الضربة من خيبة مقاتلين طالبان إتجاه مموليهم في باكستان. وترك ما يقارب العشرين قائداً من طالبان، ومن بينهم مقربين من الملا منصور، قواعدهم السابقة في باكستان وعادوا بهدوء مرة ثانية مع أسرهم إلى قراهم الواقعة جنوب أفغانستان تحت حماية القوات الأمنية الأفغانية التي تأمل بتشجيعهم على الابتعاد عن التمرد والعمل على مصالحة مع الحكومة. قال قيادي سابق في طالبان، ترك القتال ورجع مع أسرته إلى أفغانستان هرباً من الانتقام ” إن الذين بقوا من طالبان في باكستان يعيشون تحت رقابة أمنية وسيطرة المخابرات الباكستانية”. وأضاف ايضاً ” نعلم جميعاً انها حرب باكستان ولا تخص أفغانستان لأن باكستان لا تريد السلام لأفغانستان قط”.
السؤال الآن: هل تريد إيران هذا؟ ربما سوف تتخذ إيران بمساعدة روسيا تهديد ما يسمى بالدولة الإسلامية عذراً لتعميق الحرب بالوكالة في أفغانستان من أجل زعزعة وحدة الحكومة هناك او ربما سوف تشجع السلام كما فعلت في السنوات الأولى بعد عام 2001 مع أفغانستان لضمان تحقيق الاستقرار على حدودها. وبحسب مسؤولين أفغان فإن إيران وروسيا وجدا الآن هدفاً مشتركاً يشبه الهدف من علاقتهما في سوريا. وقال السيد جيهان، ضابط مخابرات أفغاني سابق وحاكم ولاية فرح حالياً ” إن باكستان تمد يد العون لطالبان علناً، إما إيران وروسيا يساعدان طالبان بشكل غير مباشر وربما سنصل إلى المرحلة التي يتدخلان فيها بشأن البلاد بشكل علني”. وتابع مضيفاً ” أعتقد أن من اللازم علينا أن لا نجعلهم يغتنموا هذه الفرصة وإلا ستكون أفغانستان دولة مشرعة أبوابها لتنافس هذه الدول”. وحذر وزير الخارجية الأفغاني السابق، رانجيين دادفار، من إن تواجه البلاد صراع كبير بين القوى السنية من الخليج(العربي) وإيران الشيعية. وشدد رانجيين على بقاء أفغانستان بعيدة عن تنافس هذه القوى الإقليمية. وأضاف قائلاً “نحن ضعفاء”.
يرغب بعض المسؤولين الأفغان بأن لا تكون إيران عدو لبلادهم، لكن الموقف مشوش إلى حد كبير. يقول عبدالله عبدالله، المدير التنفيذي للحكومة الأفغانية حول العلاقات مع إيران ” إن مستوى التفاهم جيد مع إيران”. وتابع قائلاً:” ما نسمعه عن التواصل الإيراني مع طالبان هو لتشجيعهم على السلام بدلاً من الأنشطة العسكرية”. وحذر محمد رحيمي، محافظ هرات، من أنه لو سقطت ولاية فرح بيد طالبان سيكون الجانب الغربي من أفغانستان مفتوحاً بالكامل أمام المتمردين. ومن وجهة نظره، فإن التدخل الإيراني يهدف لوضع البلاد بأكملها في خطر عودة طالبان ولا يقتصر الأمر على هرات فحسب، لكن إيران مُنعت من تحقيق غايتها. خلقت أمريكا هذه الفجوة من خلال الفراغ الذي تركته عندما قللت من تواجد قواتها في أفغانستان وهو ما شجع إيران وروسيا على التدخل. كما أعطى الصراع في سوريا لإيران وروسيا ثقة بالنفس للتحرك في أفغانستان.
المصدر: هنا