ترجمة: رفل عبد الامير
تدقيق وتصميم: محمد عدنان
في نظرية الالعاب، يصف مصطلح “ضريبة الفوضى” كيف ان تصرف الافراد حسب رغباتهم الذاتية ضمن نظام اكبر يؤدي الى الحد من كفاءة ذلك النظام. كظاهرة واسعة الانتشار، لا بد و ان كل فرد قد واجهها في حياته، وهي بطريقة ما، تعد قاعدة عامة.
على سبيل المثال، إن كنت مخطط لمدينة و مهمتك هي إدارة حركة المرور، هناك طريقتان يمكنك من خلالها معالجة حركة المرور. بشكل عام، عند استخدامك اسلوبا منهجيا، من اعلى لاسفل (اي تحليل المشاكل العامة قبل الشروع بمعالجة المشاكل الأصغر) – أسلوب يشمل النظام الكلي. يحدد نقاط الاضطراب ويعمل على إيجاد الحلول الممكنة لإزالتها – هكذا اسلوب سيكون أكثر فعالية من مجرد السماح للسائقين باتخاذ قرارتهم الخاصة على الطريق، على افتراض أن قراراتهم هذه، في مجملها، ستؤدي الى نتيجة مقبولة. الاسلوب الاول يعمل على تقليل “ضريبة الفوضى” ويستفيد بشكل أفضل من المعلومات المتاحة.
العالم اليوم فائض بالبيانات. وفي عام 2015، أنتجت البشرية قدر من معلومات تعادل جميع المعلومات التي تم انتاجها في جميع السنوات السابقة من الحضارة الإنسانية. في كل مرة ترسل رسالة، تجري مكالمة، أو تبرم صفقة، تترك آثارك الرقمية. نحن نقترب بسرعة مما اشار اليه الكاتب الإيطالي إيتالو كالفينو بـ “ذاكرة العالم”: نسخة رقمية كاملة من عالمنا المادي.
و مع توسع الإنترنت في مجالات جديدة من الفضاء المادي من خلال إنترنت الأشياء، ستغدو ضريبة الفوضى مقياسا حاسما في مجتمعنا، وإغراء القضاء عليها بقوة تحليلات البيانات الكبيرة سيغدو اقوى من ذي قبل.
من الأمثلة على ذلك. تأمل في الاجراء الشائع لشراء كتاب عبر الانترنت خلال موقع الأمازون. الأمازون لديه كم هائل من المعلومات حول جميع مستخدميه – من ملفاتهم الشخصية إلى سجل بحثهم إلى الجُمل التي يتم تظليلها في الكتب الإلكترونية – والتي يستخدمها للتنبؤ بالكتب التي قد ترغب في شرائها مستقبلا. كما هو الحال في جميع أشكال الذكاء الاصطناعي المركزي، تستخدم أنماط الماضي للتنبؤ بالانماط المستقبلية. ينظر الأمازون في آخر عشرة كتب قمت بشراءها، ومع زيادة الدقة، يتنبأ بما قد ترغب في قراءته تاليا.
ولكن هنا ينبغي أن ننظر الى المساوئ التي تتمخض عن انخفاض مستوى الفوضى. الكتاب الاجدى بقرائته بعد تلك العشرة السابقة يجب ألا يتناسب تماما مع النمط السابق، وإنما من نمط جديد يثير فيك الدهشة و التحدي للنظر إلى العالم بطريقة مختلفة.
خلافا لسيناريو تنظيم المرور الموصوف أعلاه، قد لا تكون الاقتراحات المحسّنة – والتي غالبا ما تعتمد على تنبؤ ما قد يرضيك لكتابك التالي – أفضل نموذج لتصفح الكتب عبر الإنترنت. يمكن للبيانات الضخمة مضاعفة خياراتنا في الوقت الذي تقوم به بتصفية الأشياء التي لا نرغب برؤيتها، ولكن لا يمكن انكار مزايا اكتشاف الكتاب الحادي عشر من خلال الصدفة البحتة.
ما يتم اعتماده في شراء الكتب يتم اعتماده أيضا في الأنظمة الرقمية الأخرى، كما في مدننا ومجتمعاتنا. حيث تستخدم النظم المحلية المركزية الآن خوارزميات لرصد البنى التحتية للمدينة، من إشارات المرور واستخدام المترو، إلى التخلص من النفايات وإيصال الطاقة. العديد من العُمدات في جميع أنحاء العالم مفتونون بفكرة استخدام غرف تحكم مركزية، مثل مركز عمليات IBM في ريو دي جانيرو، حيث يمكنهم الرد على المعلومات الجديدة حال ورودها.
مع اعتماد الخوارزميات المركزية والتي ستقوم بإدارة كل جانب من جوانب المجتمع، فإن استناد التكنوقراط الى البيانات يهدد بأعاقة الابتكار والديمقراطية. وينبغي تجنب هذه النتيجة بأي ثمن. إن اتخاذ القرارات اللامركزية أمر بالغ الأهمية لمصلحة المجتمع. على العكس من ذلك، يستمد التحسين القائم على البيانات على حلول من نموذج محدد سلفا، والذي في شكله الحالي، غالبا ما يستثني الأفكار التحويلية أو البديهية التي تدفع البشرية إلى الأمام.
ان قدرا معينا من العشوائية في حياتنا يسمح لنا باستحداث أفكار وأنماط جديدة من التفكير والتي بطريقة ما سوف تُفتَقَد. وعلى مستوى شامل، فإن العشوائية لازمة للحياة نفسها. فإذا كانت الطبيعة قد استخدمت خوارزميات تنبؤية تمنع الطفرات العشوائية في تكرار المادة الوراثية DNA، فإن كوكبنا ربما لا يزال في مرحلة كائن حي وحيد الخلية.
ويمكن لعملية صنع القرار اللامركزية أن تخلق أوجه تآزر بين الذكاء البشري والذكاء الآلي من خلال عمليات التطور المشترك الطبيعي والاصطناعي. وقد يؤدي الذكاء المشتت أحيانا إلى تقليل الكفاءة على المدى القصير، ولكنها ستؤدي في نهاية المطاف إلى مجتمع أكثر إبداعا وتنوعا وأكثر قدرة على الصمود. ضريبة الفوضى ثمن يستحق الدفع إن أردنا الحفاظ على الابتكار من خلال الصدفة.
المصدر: هنا