في الوقت الذي بقيت فيه كلا من اللغة الفرنسية للباريسيين واللغة الايطالية للتوكسانيين غير قابلتان للتمحيص لفترة طويلة ، ظل الجدل قائما بصورة دائمة بين قاطني المدن الأمريكية المتاخمة للسواحل حول أفضل صيغة للغة ألانجليزية . ففي بداية الأربعينيات ظل قاطني شيكاغو المحافظين يكتبون “لمنبر شيكاغو” مستخدمين أنقى صورة للانجليزية الأمريكية كانت منطوقة في المنطقة الوسطى من الجهة الغربية ، في نفس الوقت الذي كان فيه مذيعوا راديو نيويورك يتحدثون لغة الطبقة الراقية اللندنية من خلال إدغام كل حروف الراء، بينما نهج قاطني عاصمة جنوب كارولينا ” تشارلستون” من النخبة الراقية استخدام لغة انجليزية مهجورة مميزة كما في نطقهم لكلمة ” كالم: “cam for calm, & gyardin for garden” كام” وكذلك ” جيردين: لكلمة جاردن”.
في كتابه حول تاريخ الانجليزية الأمريكية ” التحدث بالأمريكية” حاجج ريتشارد دبليو بيلي بأن للجغرافية دور كبير وراء تقييمنا الهش بخصوص مكونات / عناصر الانجليزية المناسبة. فعلى العكس من المدن الأوربية التي ولدت في رحم الحضارة، فقد ظل الأمريكيون الأوائل يتنقلون باتجاه الغرب والساحل الشرقي. إن احد صفات الانجليزية الامريكية هي المرواحة الدائمة بين النشوء والتدني، لهذا ظل بيلي، وهو مؤلف سلسة من الكتب حول اللغة الانجليزية، يقتفي أثر الاساليب التي انتقاها الأمريكيون في الكلام عبر كل البلاد مركزا على دراسة حقبة 50 سنة لكل منطقة على حدة بدء من خليج تشيسبيكي انتهاء عند لوس انجلوس.
إننا محتارون من طريقة الحديث الغريبة التي كانت ينتهجها الأمريكيون الأوائل، ففي سنة 1818 لاحظ احد قاطني بوسطن عندما كان في زيارة لفيلادلفيا بأن إحدى النادلات كانت عادة تنطق كلمة “ديكشينيري” بطريقة “ديسونري”، “disconary for dictionary and agin for again ” وكلمة ” أغين” بطريقة ” اغن” أثناء زيارته لمدينة نيويورك في سنة 1820، لم يقم ويليام كولين بريانت، وهو من مدينة ماساشيتوس، بالكتابة عن ” نيو ياوكيس”2 كما توقعنا، بل كتب حول بعض العبارات التي اختفت ألان مثل ” نطق كلمة سوتش” بـــ “سيتش” ، وكلمة ” كاف” بطريقة “كوف”، و يبدو أن حتى بعض أساليب الكتابات القديمة قد تتسبب في حيرتنا، فلو تمعنا وقرأنا بعناية في أحد أعداد جريدة ” شيكاغو تريبن” الصادرة في سنة فترة الثلاثينيات فإننا بلا شك سنتوقف مندهشين عند نطق بعض الكلمات مثل ” نطق كلمة ” كروم” و” هيفين” و “ايلاند” والتي كتبتها المجلة بأسلوبها والذي يعكس أملا بائسا في تحسين نظام نطق الانجليزية الأمريكية.
إن التحدي الذي يواجهه كتاب مثل كتاب بيلي يتمثل في قلة الأدلة حول بعض الصيغ للانجليزية الأمريكية القديمة، حيث لم يكن بالإمكان تسجيل الأصوات البشرية حتى نهاية القرن التاسع عشر، وحتى مع نهاية القرن التاسع عشر ظلت التسجيلات التي تمت للأصوات البشرية نادرة ، بينما الأدلة المكتوبة للغة المحلية ، عند مقارنتها باللغة الرسمية” قد ظهرت في صورة مقتضبة وغير دقيقة. سنضرب مثالا يعرض ” سيرة اسلوب الحديث في مدينة نيويورك” ، فعلى الرغم من توفر الأرشيف الغني بالمعلومات حول كل أوجه المدينة، إلا أن المقال قد خيب الآمال وظهر بصورة معتمة. من جانب أخر ، توصلت دراسة تمت في سنة 1853 إلى أن الانجليزية المستخدمة في مدينة نيويورك هي من أفصح اللغات الانجليزية مقارنة بأماكن أخرى تتحدث الانجليزية، لكن في نفس الوقت ، أظهرت التسجيلات الصوتية التي تمت للحياة اليومية للعامة . “bus, tramp, whiff”في الشوارع استخدام لغة عامية سلسة ولطيفة والتي انبثقت منها كلمات مثل بطبيعة الحال، لقد كانت دراسة 1853 تشير فقط إلى طريقة كلام طبقة الأغنياء، ولكن بعد 16 سنة لاحقة وصف أحد الروائيين طفل ولد وترعرع وفي فمه ملعقة من ذهب بأنه ” يتحدث بلهجة سكان نيويورك”.
بينما يحذر كتاب صدر في سنة 1856 من ” التحريف قي قواعد اللغة” معرفاً اياه “بالتعدي” أو ” الاخلال” الذي طال النطق وأثر حتى في طبقة الاثرياء الجدد التي ظهرت ضمن الطبقة الراقية، حسنا، ماذا بخصوص ” اللغة الفصحى”؟ بطريقة ما وربما كنوع من التعويض عن ضعف الادلة المتوفرة والتشويه الذي لحق بها، فقد خصص بيلي كتابه لدراسة للغات الاخرى التي كان الامريكان يتشاركون استخدامها الى جانب الانجليزية.
وفعلا انه لامر مدهش مدى الصبر الذي امتلكه الامريكيون الاوائل في ظل التنوع اللغوي ، ففي سنة 1903 كتب مختص في أحد جامعات شيكاغو بكل فخر عن هذه المدينة كونها كانت موطنا لعدد من الجنسيات المختلفة يتحدثون لغة بلدناهم ، حيث استوطنها حوالي 125000 من البولنديين و 100000 من ذوي الجنسية السويدية و 90000 من التشيك و 50000 نرويجيا و 35000 هولنديا و 20000 دانماركيا.
يبدو أن ما اعتبره الامريكيون الاوائل اكثر خطرا على النسيج الاجتماعي من التنوع اللغوي هو سوء استخدام اللغة نفسها. أحد الادلة التي تعكس استخدام عبارات الكراهية التي كانت سائدة في المحاكم خلال القرن السابع عشر في ماسيشيتوس تتضمن إطلاق عبارات ” كلاب” ” حيوانات ضالة” وايضا ” مثليين” والاخيرة تشير عادة للدعارة، على البشر، وهذا يأتي كردة فعل وإظهار للامتعاظ من قبل رجال القانون من جراء وصفهم “بالجراء” او “الاغبياء”، لكن لاحقا فقط شاعت عقدة الخوف من الاجانب والعداء للغات الاجنبية والتي أدت الى نتائج مذهلة.
ففي بدايات القرن العشرون تم حذف كلمات ذات مدلولات جنسية نابية من النصوص القانونية لولاية كاليفورنيا على اساس انها غير مدرجة في القواميس ، وبالتالي فهي كلمات غير انجليزية وتشكل خرقا للغة الانجليزية التي تعتبر من متطلبات صياغة قانون الولاية.
على اية حال، فالخلاصة ان مسائل كهذه تشغل حيزا كبيرا ضمن صفحات كتاب كان من المفترض ان يخصص لتطور اللغة الانجليزية نفسها، لكن نجده في الفصل الذي يتحدث فيه عن مدينة فلادلفيا، انه ركز على استخدام اللغة الالمانية في المدينة خلال القرن الثامن عشر، ومدى اهمية ان نعلم بأن بنيامين فرانكلين كان ممتعظا جدا من انتشار اللغة الالمانية بنفس درجة الامتعاظ الذي يبدو عليها الكثيرون اليوم من انتشار اللغة الاسبانية، لكن يبدو أن هذا الفصل ركز على التاريخ اكثر منه على اللغة الانجليزية.
علاوة على ذلك، فحتى التاريخ الذي يسرده لم يكن يبحث في تاريخ الانجليزية نفسها، بل التاريخ الصريح. في الفصل الذي يتحدث عن شيكاغو، يذكر الكاتب بيلي بخصوص اللهجات المستخدمة في أدب فينيلي بيتر و جورج أدي، لكن بالكاد يلقي الضوء على امثلة بسيطة منها التي تبدو غير ذات قيمة ، بالرغم من انها في واقع الامر كانت لتكون عكس ذلك في غياب التسجيلات الصوتية للحديث اليومي للشارع.
إن أكثر ما يظهرعدم رضانا عن الكتاب بصفة خاصة، هو تعرضه المقتضب لتطور الانجليزية بالمناطق الجنوبية واختلاطها مع اللغة الانجليزية للسود. يقدم بيلي لمحة ذات مدلول بالرغم من كونها غاية في الفظاظة، مستحضرا حدثا أرخ له رحالة بريطاني سنة 1746 حول تربية اطفال السود في الجنوب قائلا ” لقد اقحموهم وجعلوهم يشاركون في عمليات اجرامية مع شباب من السود الامر الذي جعلهم ياخذون عنهم تصرفاتهم وحديثهم الضارب في العامية المتقطعة”.
في الحقيقة اللغة الانجليزية في الجنوب تداخلت مع الاقتصاد الاول المعتمد على الزراعة بشكل مثالي مما جعل كلا من البيض والسود يعلم احدهما الاخر طريقة الحديث، و هو الامر الذي بالكاد اشار اليه الكتاب ويتوفر حوله العديد من المصادر والدراسات حاليا. كذلك بخصوص انجليزية السود ، لم يعر بيلي اهتماما لدراسة صدرت سنة 1962 والتي وثقت بأن السود في شيكاغو يتحدثون بنفس طريقة حديث جيرانهم البيض في المدينة باستثناء بعض الاختلافات البسيطة في طريقة نطق (pin for pen)الحروف المتحركة كما في المثال: بين لنطق كلمة بن” .
يميل البشر لاستخدام لغة اثناء المقابلات الرسمية تختلف عن تلك التي يتحدثون فيها مع بعضهم البعض، لذلك يعمل علم اللغة الحديث على استنباط اللغة العامية التي لم تكن سائدة سنة 1962. وبكل تأكيد يبدو ان الانجليزية الغنية والمميزة التي يتحدث بها السود الان في شيكاغو، والتي تعتبر بكل المقاييس متقطعة ” غير نقية”، لم تظهر فقط في فترة السبعينيات. في مكان أخر، خاطر بيلي بوضع استنتاجات غريبة والتي ترجع لفترة قبل وفاته السنة الماضية الامر الذي لم يمنحه الفرصة لاضفاء تعديلات على ما قد خلص اليه . كما أن محرري الكتاب قد فضلوا ترك بعض المسائل التي وصفوها ” بشديدة الغموض” على ما هي عليه ودون تدخل، من بينها والتي” كما لاحظ بيلي، :” لو كانت حفنة قلية فقط من التعابير الشائعة في نيو اورلاينز قد انتقلت خارج اركنساس، فكيف يمكن لنيو اورلاينز ان تلعب دورا حاسما على الصعيد الوطني كونها المكان الذي حدثت فيه اكبر تنقية للانجليزية الامريكية”؟ لكن هل كانت امريكا القرن السابع عشر ، على عكس بقية المجتمعات الاخرى حول العالم، موطنا لتعدد اساليب الحكي؟ يبدو أن هذا الرأي يغض الطرف عن عدد من المستعمرات الامريكية الاخرى عبر العالم ذلك الوقت والتي كانت تشهد استمرار تطور مستوطينيها وتعلمهم لغات ولهجات جديدة ، بالمثل كانت امريكا تشهد تطورا فريدا بعدة اساليب، ولكن لم يكن التنوع اللغوي المقلق من ضمن الاشياء التي خضعت للتطور.
لقد تم التعرض لتاريخ الانجليزية الامريكية بشكل اكثر دقة و اكثر تفصيلا وبأسلوب مختلف من قبل المؤلف دجي او ديلارد ومن قبل بيلي نفسه في كتابه ” الانجليزية في القرن التاسع عشر” ، لكن تظل رحلته المفيدة كدرس يزيح الغطاء عن دراما اكثر ماساوية للكثيرين منا والذي كما وصفها بيلي نفسه ” اولئك الذين يسعون لاستقرار الانجليزية ولا يجدونها : اولئك الذين يتمنون وحدة اللغة فاضحت اضحوكة”.
http://www.nytimes.com/2012/01/22/b…