من تلفزيوناتنا الى محاداثتنا السياسية، نحن مغمورون برسائل من الخوف، نحن نشعر بالخوف من العالم ومن جيراننا، في الوقت الحاضر اكثر مما كنا عليه في العّقود السابقة. لكن هذا الخوف ليس بالجيد بالنسبة لنا، في الحقيقة، ووفقًا لعلم الأعصاب، الخوف يقوم بقتلنا.
أولًا، الخوف هو “تفاعل متسلسل في الدماغ”، وفقًا لـ كيفية عمل الأشياء (How Stuff Works). يبدأ الخوف بحافز مُخيف وينتهي بتحضير اجسامنا لحمايتها من الخطر. يعمل بهذه الطريقة : شيءٌ ما يرعبك، كأن ترى صرصور، تسمع صوت إغلاق باب في شقة فارغة، او أن تشعر بسكين تُضغط على حنجرتك. تشعر بالرعب، والقلق، والذعر. يبدأ قلبك بالخفق سريعًا، تتسارع انفاسك، وتبدأ عضلاتك بالتوتر. يُوضع جسمك في وضع القتال او الهروب، يكون على أهبة الاستعداد للقيام بأي شي للحفاظ على سلامتك.
التفاعل بأكمله يشمل خمس مناطق مختلفة من دماغك:
يبدأ التفاعل في المهاد (the thalamus) ، الذي يستقبل الاشارات من الحواس الجسم. من هنا، يستطيع الخوف أن يتخذ احد الطريقين: احدهما يتمثل بالاستجابة الأسرع، الأبسط، والاقل منطقية للمواقف المهددة للحياة. اذا كان أيًا من هذه الإشارات مهددة للحياة، كسكين على حنجرتك، يقوم المهاد بتحذير اللوزة(the amygdala) حيث تقوم بتحفيز الاستجابات العاطفية وتحفز الغدة تحت المهاد لتفعيل الغدد المجاورة للكلية وضخ الدم لعضلاتك للهروب من الخطر.
اذا لم تكن الإشارة مهددة للحياة، يقوم الدماغ بأستخدام الطريق المتقدم والاكثر منطقية. عندما ترى شيئًا مخيفًا لكنه ليش بالضرورة ان يهدد الحياة، كصرصور ينزلق على الارضية، تقوم اللوزة بإنذار القشرة ماقبل الامامية، أو القشرة الحسية في الدماغ.
والتي تقوم بإنذار الحُصين (the hippocampus) وتحفيزه لمقارنة التهديد الحالي بالتهديدات السابقة. الحُصين هو مركز الذاكرة في الدماغ، وعندما لا يكون محُفزًا لخوف مهدد للحياة، يقوم الحُصين برفع الحواس الى ما يقرب الحدود فوق البشرية ويحفز استجابة القتال او الهروب. كلا العمليتين يحدثان بصورة تلقائية وفي غضون (اجزاء من الثانية ) وفقًا لـ(Edutopia).
على الرغم من كون الاستجابة هذه مفيدة، إلا ان سرعة هذا التفاعل ودقته يمكن أن تكون مؤذية. وفقًا لبحث من جامعة مينيسوتا (Minnesota)، متى ما فُعلَت ممرات الخوف هذه، يقوم الدماغ بأستخدام طرق معالجة اقصر واكثر عقلانية ويستجيب على الفور للإشارات المرسلة من اللوزة (the amygdala). في هذه الحالة، يقوم الدماغ بإستقبال الاحداث كأنها سلبية ويتم خزنها وتذكرها بهذه الطريقة.
ولسوء الحظ، عندما يقوم الدماغ بذلك، فإنه يقوم بخزن كل التفاصيل المتعلقة بذلك المُحفز – الوقت، والصور، والاصوات، والروائح، والطقس، … الخ) في الذاكرة الطويلة المدى. وهذا ما يجعل هذه الذاكرة قوية، ومن الممكن أيضًا ان تكون مُشتتة مما يحفز سلسلة كاملة من من الاستجابات الجسدية والحسية متى ما نواجه مثل هكذا المحفز مرة اخرى. يسمى هذا بـ (التكيف للخوف)، كما يشرح الباحثون:
(لاحقًا، المشاهد والاصوات والتفاصيل الأخرى المتعلقة بالحدث يمكنها ان تصبح محُفزات وتثير الخوف. ويمكنها ان تُعيد الذكريات المتعلقة بالحدث الذي اثار الرعب، ويمكنها ان تجعلنا نشعر بالخوف من دون ان نعّي السبب. لأن هذه الإشارات كانت مرتبطة مع خطر سابق، فإن الدماغ يفسرها كمؤشرات لخطر او تهديد).
هذا الوضع يُضر وبشكل خاص اولئك الذين يعانون من اضطراب مابعد الصدمة(post-traumatic stress disorder).
يفسر الدكتور بيسيل فان دير كولك (Bessel van der Kolk) ذلك انه:
بينما يستطيع الخوف ان يمارس الحيل مع ذاكرتك وإدراكك للواقع، فإنه يؤثر على جسدك أيضًا. من الممكن للخوف أن يُضعف صنع الذكريات طويلة الأمد ويدمر الحُصين (the hippocampus) متلفًا بذلك مسارات الاستجابة ومسببًا مشاعر مستمرة من القلق. يمكن للخوف ايضًا أن يسبب تأثيرات طويلة المدى على صحتنا ويشمل ذلك: الارهاق، والاكتئاب المزمن، وتسارع الشيخوخة، والموت المبكر.
مرة اخرى، ووفقًا لجامعة مينيسوتا:
(بالنسبة لشخص ما في خوف مزمن, يبدو العالم مخيفًا، وذكرياتهم تؤكد ذلك، مع ذلك، ممكن للخوف أن يقوم بمقاطعة عمليات في دماغنا تلك التي تسمح لنا بتنظيم العواطف وقراءة الإشارات غير اللفظية، وغيرها من المعلومات المقدمة لنا، التفكير قبل التصرف، والتصرف بشكل أخلاقي، يؤثر ذلك بشكل سلبي على تفكيرنا واتخاذنا لقراراتنا ويتركنا عرضة لمشاعر قوية وردود افعال متهورة).
أن تكون مغمورًا برسائل من الخوف واستقبالها بإستمرار يُحفز الكثير من العواقب السلبية على الجسد والنفس. ولكنك لست مضطرًا لتقبل ذلك، اذ بإمكانك التغلب على الخوف، تحتاج فقط إلى أن تدّرب نفسك.
عملية التغلب على ذاكرة الخوف تسمى بـ(انقراض الخوف)، تتضمن هذه العملية إنشاء استجابة جديدة للحافز المُسبب للخوف، وهذا يعني إيجاد ترابطات ايجابية مع الشيء الذي اثار ذعرك.
على سبيل المثال، اذا كانت استجابة الخوف لك قد حُفزت عن طريق رؤية صرصور ينزلق على الأرضية، فإن هذه الاستجابة ممكن ان تُحفز كلما نظرت الى هذا الجزء من الأرضية. لكنك اذا نظرت الى قطعة الأرضية هذه كل يوم بدون رؤية صراصير عليها، سيٌعاد كتابة استجابة الخوف، لأن اللوزة (the amygdala) تريد ربط الذاكرة مع استجابة الخوف هذه، لكن من الممكن تدريبها للربط مع ما هو أقل ضررًا، اذ تعاد صياغة ذاكرة الخوف.
وعندما يحدث ذلك، تصبح متحررًا من الخوف.
مغزى المقال : سيطر على استجابتك للخوف، لا تدع الخوف يتحكم بك.
المصدر:- هنا