بقلم: جوش هرالا
في الوقت الذي كنا أطفال يمر معضمنا بمرحلة خوف من الظلام. حين كنا أصغر سناً، كنا عديمي الخوف تجاه بعض الأشياء والتي صرنا حذرين بشأنها كأشخاص بالغين، ولكن كان هناك دائماً أمر ما يتعلق بالظلام والذي يبقينا على حذرنا في كل ليلة. فهو بعد كل شئ، الوقت الذي تخرج فيه الوحوش لتلعب (أو هذا ما تصورناه سابقاً).
بالرغم من أن هذا الكلام يبدو طفولي جداً وصعب التصديق، لكن خوفنا من الظلام هو صفة تطورية ألتقطها الإنسان في السابق، فهي ضرورية لنجاته من الحيوانات المفترسة الحقيقة التي كانت تطارده خلال الليل. أفترض الباحثون أن هذا الخوف الفطري نتج من مرحلة معينة في التاريخ البشري حيث كنا بعيدين كل البعد عن قمه الهرم الأفتراسي الذي نتصدره اليوم. حيث أن الجنس البشري لم يصبح المفترس الأول إلا بمساعدة التطور التكنلوجي. والذي لم يكن موجود إلا منذ مدة ليست بطويلة.
قبل حصول التطور التكنلوجي، كان أجدادنا يقضون حياتهم يسيرون على أقصى درجات الحذر في أغلب الأوقات خوفاً من المفترسات التي لا تريد أكثر من مضغ اللحوم البشرية. والشئ الأكثر أخافة من ذلك هو أن معظم هذه الحيوانات المفترسة تخرج للصيد خلال الليل، وهو الوقت المخصص من اليوم الذي نكون فيه أكثر عرضه للهجمات بسب ضعف بصرنا النسبي خلال الظلام مقارنة بالكائنات الأخرى.
ذلك يعني بأن البقاء آمنين خلال الليل كان من أكثر الأمور الضرورية التي تشغل فكر أجدادنا. حيث أنهم سيموتون لو لم يحافظوا على أمنهم خلال هذه الفترة. مع مرور السنوات، أصبح الخوف من الليل غريزياً، والذي ما زلنا نتعرض له بصورة معتدلة على شكل قلق.
بالأعتماد على ما ذكره أندرو تارنتولا على موقع (جزمودو)، بأن هناك دراسة حصلت في عام 2012 من قبل بعض الباحثين في جماعه تورنتو في كندا والتي بينت بأن هذا القلق قد لا يأخذ صورة ردة فعل متمثلة بالهلع الشديد. بل يأخذ هذا الخوف صورة الأنذار الدائم والذي يبقينا على أتم حذرنا، وهذا الخوف بالضبط هو ما أحتاجه اجدادنا للبقاء. وهذا النوع من القلق مخصص ليبقي أجسامنا يقضة وعلى أتم الأستعداد في حال أحتجنا إلى القتال أو الهرب بعيداً عن الخطر المحدق.
إن جوهر الخوف من الظلام هو بصورة أو بأخرى الخوف من المجهول. نحن لا نستطيع أن نشاهد أو نرى ما يوجد في الظلام وهذا الأمر يسبب هلعنا لأن مخيلة الأنسان تصور له أسوأ الأحتمالات التي من الممكن أن تحدث. بالنسبة للبشر القدماء كان محتملاً أن يكون هذا المجهول أسداً جائعاً أو أي مفترس أخر، أما في وقتنا الحاضر وفي مدننا الكبيرة الخالية من المفترسات فهذا المجهول يمكن أن يكون وحشاً ما.
نحن نصنع الوحوش في مخيلتنا لنملاء الفراغ الحاصل بسبب أختفاء المفترسات من حياتنا الحالية. أفضل الأمثلة عن الكلام المسبق هو كيفية عمل أفلام الرعب: افلام الرعب الجيدة في أغلب الأحيان لا تعرض لك صورة الوحش بشكل مباشر لأن مخيلتك ستصنع شئ أكثر أخافة بكثير.
عندما بدأت الحضارات البشرية القديمة تتحول تدريجياً إلى المجتمعات المحبه للمدن التي نسكنها اليوم، بقي خوفنا من الظلام موجود، ولكنه خوف غريب نسبياً لأن أغلبنا في الوقت الراهن ليس لديه أي سبب لهذا الخوف ولا يحتاجه أبداً. خصوصاً وأننا نمتلك المصابيح الكهربائية، شاشات التلفونات المحمولة، أضافةً إلى شاشات التلفاز، كل هذه الأجهزة جعلت من الظلام أمراً أختيارياً أكثر مما هو أمر حتمي.
تقنياً، نحن لا نحتاج هذا الخوف من الظلام، ولكنه لا يزال موجود، هذه الصفات تتوارث بين الأقارب بشكل طبيعي عبر القرون لدرجة أنها تزرع بشكل دائمي في نفسية البشر. عندما نفكر بالمدة الزمنية التي قضاها البشر على سطح الأرض، ندرك بأن هذا الخوف لم يصبح غير ضروري أوغير مؤثر ألا من مدة قريبة عندما أنتقل الناس للعيش في المدن الكبيرة.
لذلك، إذا كنت أو كان أحد أطفالك خائفاً من الظلام، تذكر بأن هذا الخوف كان فيما سبق أحد أهم العوامل التي ساعدت أجدادنا في النجاة من المفترسات وأبقتهم على قيد الحياة. هذا الأمر لا يجعلك جباناً، بل يجعل جسدك مكيفأ بصورة أكبر لمواجهة أي خطر محدق، أي يزيد من فرصك في النجاة.
المصدر: هنا