فيلم 300، فيلم خيالي مقتبس عن أحداث تاريخية، الفيلم من إخراج زاك سنايدر 2007، اقتبس هذا الفيلم من معركة 300 أشهر المعارك في التاريخ القديم، لكن يجدر التنويه على أن الفيلم يحوي أحداثاً خيالية مضافة إلى الأحداث التاريخية الواقعية في القصة.
يدرك معظم الناس أن قائد اليونان أثناء المعركة هو نفسه ليونيداس ملك إسبارطة، لذا ما مقدار معرفتنا للقائد ليونيداس ؟ وماذا حدث فعلاً في معركة ثيرموبيلا ؟
وفقاً للمؤرخ اليوناني الكبير ( هيرودوت ) ليونيداس هو ابن الملك أليكساندريداس، وزوجته الأولى هي امرأة مجهولة لكنها أيضاً كانت ابنة أخ الملك. ليونيداس، لم يكن الطفل الأول حيث أن زوجة والده الثانية أنجبت قبله طفل يسمى كليومينيس، بعد ذلك أنجبت زوجة الملك الأولى- والدة ليونيداس- دوريوس وهو الأخ الأكبر لليونيداس، بعد ذلك أنجبت ليونيداس وأتى بعده كليومبروتوس، ويقول هيرودوت أنه يوجد بعض الروايات ما تفيد أن ليونيداس وكليومبروتوس توأم.
تقلد ليونيداس منصب الملك، وتوج على عرش إسبارطة في العام 498 ق.م وذلك تبعاً لموقف غير متوقع – كما وصفه هيرودوت -. كانت فرص تولي ليونيداس عرش إسبارطة ضئيلة للغاية لذلك فهو ليس لديه أي نية ناحية منصب الملك. مع وفاة الملك أليكساندريداس تولى العرش من بعده ابنه كليومينيس الذي توفى دون أن يكون له أي وريث للعرش. بالإضافة إلى ذلك فإن دوريوس -ابن الملك أليكساندريداس- قد لاقى حتفه في رحلة إستكشافية في صقلية. هذا يعني أن ليونيداس هو الابن الوحيد الناجي من أبناء الملك أليكساندريداس، وكان أفضل شخص لخلافة أخيه، علاوة على ذلك فقد تزوج ابنة أخيه كليومينيس، جورجو.
الغزوات الفارسية
لم تكن مهمات الملك سهلة، حيث إن الفرس تحت قيادة الملك داريوش قاموا بغزو اليونان، خصيصاً لمعاقبة مدنها ومدن أريتريا التي ساندت مدن لونيا في ثورتهم ضد الحكم الفارسي. وانتهى الغزو بانتصار حاسم لليونانيين في معركة الماراثون في عام 490 ق.م .
ولكن لم يمر وقت طويل حيث عاد ملك الفرس داريوش بجيش وعتاد كبيرين لمعاودة الغزو، إذ جاء هذه المرة بكل قوته. هذا الغزو القادم على اليونان، تسبب في تحالف كل أحزاب اليونان سويا لمواجهته، على الرغم من أنهم كانوا على حرب فيما بينهم.
لم يكن الملك الفارسي داريوش قادراً على بدء الهجمات على اليونان في الحال، وذلك بسبب الحركات الثورية المنتشرة في إمبراطوريته، وفي العام 486 ق.م بينما هو في خضم قمع هذه الحركات، تم قتله في معركة. تولى العرش من بعده ابنه خشايارشا الذي عزم على الثأر لهزيمة والده، وقام بجمع قوات لغزو اليونان من جديد. بحلول العام 480 ق.م أسس خشايارشا جيش ضخم يتكون من 150 ألف رجل، وأسطول بحري ضخم يتكون من 600 سفينة. بنهاية شهر أغسطس أو بدايات سبتمبر من نفس العام أصبح خشايارشا مستعداً لغزو اليونان، وبالفعل بدأ هجماته على اليونان فيما يعرف الآن بمعركة ثيرموبيلا.
معركة ثيرموبيلا هي أشهر المعارك في الغزو الفارسي الثاني على اليونان، كما أنها تعتبر من أشهر المعارك في تاريخ أوروبا القديم، بعكس معارك أخرى، على الرغم من إنها انتهت بخسارة اليونانيين وليس بنصرهم. يعود سبب شهرة هذه المعركة إلى أنها واحدة من أكثر المعارك التي قاتل فيها جنود اليونان بكل شجاعة إلى آخر لحظة، واستماتوا في الدفاع عن مدن اليونان، تحت قيادة ملك إسبارطة ليونيداس، في مواجهة الغزو الفارسي الذي يقوده الملك خشايارشا.
حدثت المعركة في ممر ضيق بين جبال وسط اليونان وبين البحر تسمى ثيرموبيلا. ووضعت هذه الإستراتيجية من قبل الإغريق، إذ إن ضيق الممر أحبط مخططات الفارسيين.
على الرغم من أن جنود إسبارطة الـ 300 كانوا أشهر المقاتلين في ذلك الوقت إلا إنهم لم يمثلوا وحدهم حضور اليونانيين في المعركة. علينا أن نضع في الإعتبار أن جنود إسبارطة كان معهم حلفاء يونانيون، من ميسينا ومقاطعات أخرى في اليونان. حدد هيرودوت عدد المقاتلين من شبه جزيرة بيلوبونيز الذين بلغ عددهم حوالي 3100 أو 4000 مقاتل، أي إن مجموع المقاتلين الكلي يفوق 5000 مقاتل يوناني. تقديرات حديثة تشير إلى أن العدد ربما وصل إلى 20 ألف مقاتل يوناني، يضم هذا العدد العبيد والخدم والمساعدين. في حين أن هناك اختلاف بين عدد المقاتلين الفارسيين، إذا يُعتقد أنه يتراوح بين 200 ألف أو 2.5 مليون مقاتل، والأرجح أنه العدد الثاني.
نبوءة عرافة دلفي
أشار هيرودوت إلى أن ليونيداس ذهب قبل المعركة إلى عرافة دلفي ليستشيرها، وقد أصدرت حينها نبوءة قاتمة :
” بالنسبة لكم يا سكان إسبارطة، إما أن تُدمر مدينتكم العظيمة والممجدة بواسطة رجال الفرس، وإما ستضطرون لرثاء ملك ميت على طريقة هيراكليس، كما أن جبروت الثيران أو الأسود لن يضعف قوته، لأنه يمتلك بالمقابل جبروت زيوس، أوضح أنه لن يُكبَح جموح قوته قبل أن يحقق شيئاً مما ذكرت ” .
أقنعت هذه النبوءة ليونيداس أنه لن يعود ناجياً من هذه المعركة التي سيخوضها ضد الفرس. بأخذ ذلك في الإعتبار اختار ليونيداس مجموعة من الرجال الذين سيمثلون إسبارطة، وقد حرص أن تكون لهذه الرجال أبناء على قيد الحياة، حتى يحذوا حذوهم، وفي الطريق إلى ساحة المعركة قام جنود إسبارطة بتجنيد عدد كبير من القوات من الولايات اليونانية.
المعركة
استمرت المعركة مدة ثلاث أيام. في اليومين الأولين استطاع اليونانيون السيطرة على الجبهة الأمامية ومنع الفارسيين من التوغل في الممر الضيق. رماحهم الطويلة، دروعهم الثقيلة والواقية للبدن أعطتهم ميزة واضحة عن جنود الفرس الذين تسلحوا بالرماح القصيرة المدى، الدروع الضعيفة، وأوقيتهم المصنوعة من الكتان المنسوج.
قام اليونان بتشكيل كتيبة عسكرية ضخمة، تتألف من المشاة حاملي الرماح الثقيلة، والذين استطاعوا سد الممر الضيق بكل سهولة. كما رسم جنود إسبارطة خطة ذكية حيث ادعوا بأنهم في فترة راحة للعلاج وبذلك استدرجوا جنود الفرس لمطاردتهم، عندها تحول جنود اليونان فجأة إلى مهاجمين وبهذه المناورة تم قتل الكثير من الأعداء من صفوف الفرس على حين غرة.
كل هذا في أثناء عجز ” الخالدون ” وهم نخبة جنود الفرس، عن اختراق صفوف الدفاع اليونانية.
الخيانة
انعكس الموقف خلال المعركة. ماليان – شخص من قبيلة يونانية – قاد جنود الفرس حول الجبل حيث استطاعوا الوصول إلى الجزء الخلفي من قوة الدفاع اليونانية. بحلول الظلام، أرسل خشايارشا أفضل جنوده ليعبروا من خلال الممر والهجوم على جنود اليونان من خلف خطوط دفاعهم.
عندما وصل الخبر إلى ليونيداس أن موقفهم أصبح في خطر، قرر البقاء لمناقشة وتحليل هذا الموقف، بدلاً من التخلي عن موقعه وسحب الجنود إلى الجنوب قبل وصول الفرس، كما أنه قام بإعفاء غالبية الجيش، وأمر فقط 300 جندي من إسبارطة، و1100 جندي يونان بالبقاء للقتال.
إن سبب اختياره للبقاء مع فرقة قليلة من جنود إسبارطة واليونانيين هو أمر غير واضح. على حسب تفسير هيرودوت لهذا الأمر فإنه شجاعة وتضحية بالنفس كما ذكرت العرافة في نبوءتها. بعض المؤرخين أرجعوا أمر بقاءه لكي يمنح القوات اليونانية المتحالفة معه- التي أمرها بالرحيل- الوقت الكافي للهرب، في كل الأحوال لم يكن هناك سوى نتيجة واحده لقرار البقاء، مذبحة.
سقوط إسبارطة
في اليوم الثالث والأخير من المعركة، تحرك الفرس من خلف جنود اليونان وبذلك أحاطوهم من كل الاتجاهات. قُتل الملك ليونيداس وكل من قاتل بجانبه في صفوف المعركة. عندما وقف خشايارشا على جثة ليونيداس، أمر بقطع رأسه ولقصها على سارية، وهو أمر غريب على الفارسيين الذين اعتادوا على معاملة الخصم الباسل بكل شرف. هذا ما دفع هيرودوت إلى الاعتقاد أن هذا الفعل إشارة على أن ليونيداس كان شوكة مؤلمة في حلق لخشايارشا.
آثار المعركة
كانت معركة ثيرموبيلا بدون شك هزيمة لليونانيين سمحت للفرس باستكمال توغلهم في اليونان. بالفعل وصلوا إلى أثينا واحتلوها. هزيمة ثيرموبيلا جعلت من ليونيداس والرجال الذين كانوا تحت إمرته شهداء وأبطالا، مما ساهم في رفع معنويات الجنود اليونانية الباقية على قيد الحياة حيث اشتركوا في معارك أخرى مع الفارسيين لإلحاق الهزيمة بهم مثل معركتي سلاميس و بلاتايا اللتين ساهمتا بشكل فعال في إنهاء الغزو الفارسي الثاني على اليونان علاوة على ذلك فإن المعركة تركت تراثا امتد لآلاف السنين، يروي شجاعة عدد قليل من الجنود وصمودهم أمام عدد هائل من جنود العدو، وثباتهم على أرض المعركة حتى النهاية.
المصدر: هنا