النسبية هي واحدة من أشهر النظريات العلمية في القرن ال20. ولكن كيف تُفسر الأشياء التي نراها في حياتُنا اليومية؟
النظرية النسبية، التي صاغها العالم آلبرت إينشتاين في العام 1901، هي الفكرة القائلة بأن قوانين الفيزياء هي نفسها تعمل في كل مكان. وتُفسر النظرية سلوك الأجسام في المكان والزمان، ويُمكن إستخدامها للتنبؤ بكلِ شيء إبتدأً بوجود الثقوب السوداء مروراً بإنحناء الضوء الذي تُسببه الجاذبية، وصولاً إلى سلوك كوكب عطارد في مدارهُ.
النظرية مُخادعة بشكل بسيط، أولاً: ليس هُناك إطار مرجعي «مُطلق». وفي كُل مرة تقيسون فيها سُرعة الأجسام، أو زخمها، أو كيفية مواجهتها للزمن، تكون دائماً مُتعلقة بشيء آخر. ثانياً: سُرعة الضوء ثابتة بِغض النظر عمّن يقيسها، أو مدى سُرعة الشخص الذي يقيسها. وثالثاً: لا يوجد شيء يَنتقل بسرعة أسرع من سرعة الضوء.
الآثار المُترتبة على نظرية إينشتاين الأكثر شُهرة عميقة. إذا كانت سُرعة الضوء هي نفسها دائماً، فهذا يعني إن رائد الفضاء الذي يسير بسُرعة كبيرة جداً بالنسبة لسرعة الأرض سيقيس دقات ثواني الساعة أبطئ مما يَقيسها المُراقب الثابت على الأرض- الوقت يتباطئ بشكل حقيقي بالنسبة لرائد الفضاء، وهي ظاهرة تُدعى بِتمدد الزمن.
أي جسم داخل حقل جاذبية كبير سيكون بِحالة تَسارع مُستمر، لذلك سيُعاني أيضاً من تَمدد في الزمن. وفي الوقت نفسهُ، ستُعاني سفينة الفضاء التي يَشغلها رائد الفضاء من إنكماش في الطول. هذا يعني إنكم إذا أخذتُم صورة لسفينة الفضاء وهي مُحلقة، ستبدو كما لو كانت «مضغوطة» بإتجاه الحركة. أما بالنسبة لرائد الفضاء داخل المركبة، فإن كُل شيء يبدو عادياً. إضافةً إلى ذلك، فإن كُتلة سفينة الفضاء تبدو أكبر من وجة نظر الناس على الأرض.
ولكن لن تحتاجون بالضرورة لركوب سفينة فضاء تتحرك بسرعة قريبة من سرعة الضوء لتروا آثار النسبية، في الواقع، هُناك العديد من حالات النسبية التي يُمكننا أن نراها في حياتنا اليومية. وحتى التقنيات التي نستخدمها اليوم تُثبت أن إينشتاين كان على حق. فيما يلي بعض الطرق التي نرى من خلالها عمل النسبية.
1- نظام تحديد المواقع العالمي:
لكي يعمل نظام تحديد المواقع في سيارتك بالدقة التي يعمل بها، يجب أن تأخذ الأقمار الصناعية تأثيرات النسبية بنظر الإعتبار. هذا بسبب إنهُ حتى لو كانت الأقمار الصناعية لا تتحرك بأية سرعة قريبة من سرعة الضوء، فإنها لاتزال تُعتبر مُنتقلة بسرعة كبيرة. تُرسِل الأقمار الصناعية أيضاً إشارات للمحطات الأرضية على الأرض. وهذه المحطات (وكذلك وحدة الGPS في سيارتك) تَشهد جميعها تعجيلاً أسرع، بِسبب الجاذبية، من الأقمار الصناعية في مَدارها.
للحصول على دقة مُتناهية، تستخدم الأقمار الصناعية ساعات بدقة تصل إلى بضعة أجزاء من المليون من الثانية (نانوثانية). ولأن كل قمر صناعي بإرتفاع 12,600 ميلاً (20,300 كيلومتراً) فوق سطح الأرض، ويتحرك بسرعة حوالي 6000 ميل في الساعة (10,000 كيلومتراً في الساعة)، فسوف يحدث هُناك تمدد نسبي في الزمن يصل لحوالي (4 مايكروثانية في كل يوم). وبالإضافة لتأثير الجاذبية فإن هذا الرقم يرتفع لحوالي 7 مايكروثانية. والذي يُساوي 7000 نانوثانية.
الفرق حقيقي جداً: إذا لم يُحتسب أي تأثير للنسبية، ستُخبرك وحدة الGPS بإنك بنصف ميل (0.8 كيلومتر) عن محطة الوقود القادمة وستكون 5 أميال (8 كيلومتر) بعد يوم واحد فقط.
2- المَغانِط الكهربائية:
المغناطيسية هي تأثير نسبي، وعِند إستخدامك للكهرباء فإن ذلك بفضل النسبية، لحقيقة أن المولدات تَعمل بكل الطرق.
إذا أخذتم حلقة من سلك وقُمتم بتحريكها خلال مجالاً مغناطيسياً، فإنكم ستولدون تيّاراً كهربائياً. تتأثر الجُسيمات المشحونة في السلك بالحقل المغناطيسي المُتغير، والذي يُجبر بعضها بالتحرك وخلق تيّار.
ولكن الآن، تخيل إن السلك بحالة إستقرار والمغناطيس يتحرك. بهذه الحالة، فإن الجُسيمات المشحونة في السلك (الإلكترونات والبروتونات) لا تتحرك بعد الآن. وبالتالي فإن المجال المغناطيسي لا ينبغي أن يؤثر عليها. ولكنهُ يفعل، التيّار لايزال يتدفق. وهذا يدل على إنهُ لا يوجد إطار مرجعي مُتميز.
يَستخدم توماس مور، أستاذ الفيزياء في كلية بومونا (Pomona College) في كليرمونت، كالفورنيا، يستخدم مبدأ النسبية لإثبات لماذا يَصح قانون فارادي الذي يَنص على إن المَجال المغناطيسي المُتغير يَخلق تيّاراً كهربائياً.
قال مور « بما إن هذا هو المبدأ الأساسي الذي يَقف خَلف عَمل المحولات والمولدات الكهربائية، فإن اي شخص يَستخدم الكهرباء يَشهد آثار النسبية»
تَعمل المغانط الكهربائية بِمبدأ النسبية كذلك، عندما يَتدفق تيّار مُستمر (DC) من شحنة كهربائية خلال سلك، تَنجرف الألكترونات خلال المادّة. في الحالة الإعتيادية سيبدو السلك مُحايداً كهربائياً، بدون أي شُحنة صافية موجبة أو سالبة. وهذا نتيجة وجود حوالي نفس العدد من البروتونات (الشحنات الموجبة) والالكترونات (الشحنات السالبة). ولكن إذا وضعت سلكاً أخراً بجانبة يحمل تيّاراً مُستمراً، فإن السلكين يتجاذبان أو يتنافران مع بعضهما، إعتماداً على إتجاه تحرك التيّار.
وبفرض إن التيّارين يتحركان بِنفس الإتجاه، فبالنسبة للإلكترونات في السلك الأول سيبدو لها إن الألكترونات في السلك الثاني بحالة سكون (هذا بِفرض إن التيّارين بنفس القوة). وفي الوقت نفسهُ، من وجهة نظر الإلكترونات في السلكين، تبدو إن البروتونات في الأسلاك بحالة حركة. بسبب إنكماش الطول النسبي تبدو كإنها أقرب مسافة. لذا هُناك شُحنة موجبة أكثر بالنسبة للسلك من الشحنة السالبة. وبما إن الشُحنات المتشابهه تتنافر، فإن السلكين يتنافران.
أما إذا كان التياران مُتعاكسان بالإتجاه سينتُج تجاذُب. لأنه بالنسبة للسلك الأول تبدو الإلكترونات في السلك الأخر مُزدحمة معاً، ومُكونةً شُحنة سالبة صافية. وفي الوقت نفسهُ، فإن البروتونات في السلك الأول تخلق شُحنة موجبة صافية. وتتجاذب الشحنات المختلفة.
3- اللون الأصفر للذهب
مُعظم المعادن لامعة لأن الألكترونات في الذرّات تَقفز من مُستويات طاقة مُختلفة أو «مدارات» . تُمتَص بَعض الفوتونات التي تَضرب المعدن وتُبعَث من جديد، ولو كانت بِطول موجي طويل. مع ذلك، يَنعكس مُعظم الطول المرئي.
الذهب ذرة ثقيلة، وبالتالي فإن الألكترونات الداخلية تنتقل بِسُرعة كافية لِجَعل الزيادة النسبية في الكتلة كبيرة، فضلاً عن إنكماش الطول. ونتيجة لذلك، تدور الألكترونات حول النواة بمسارات أقصر، وبزخم أكبر. تحمل الألكترونات في المدارات الداخلية طاقة أقرب إلى طاقة اللأكترونات في المدارات الخارجية. والأطوال الموجية التي تُمتص وتُعكس تكون أطول.
الأطوال الموجية الطويلة من الضوء تَعني أن بعض من الضوء المرئي، الذي عادةً ما يُعكس، يتِم إمتصاصهُ. ويكون هذا الضوء في النهاية الزرقاء من الطيف. الضوء الابيض هو خليط من ألوان قوس قزح، ولكن في حالة الذهب، عندما يُمتص الضوء ويُبعث من جديد تكون الأطوال الموجية عادةً أطول. وهذا يعني أن الخليط من الأمواج الضوئية التي نراها تميل لإمتلاك زُرقة ووبنفسجية أقل فيها. وهذا يجعل الذهب يبدو أكثر صفاراً لأن الضوء الأصفر، والبرتقالي والأحمر تمتلك أطوالاً موجية أطول من الأزرق.
4- عدم تأكل الذهب بسهولة
التأثير النسبي على إلكترونات الذهب هو أيضاً أحد أسباب عَدم تأكل أو تَفاعل هذا المعدن مع أي شيء أخر بِسهولة.
يَمتلك الذهب إلكتروناً واحداً في غِلافهُ الخارجي، ولكن لا يزال ليس بفعّالية الكالسيوم أو اللثيوم. بدلاً من ذلك، تتجمع الألكترونات في الذهب، كونها «أثقل» مما ينبغي لها، تتجمع كلها بالقرب من نواة الذرّة. وهذا يعني إن الألكترون الأبعد من غير المُرجح أن يتواجد بمكان حيثُ يُمكنه التفاعل مع اي شيء أخر على الإطلاق- إنهُ من المُرجح أن يكون بين زُملائه من الألكترونات القريبة من النواة.
5- سيّولة الزئبق
على غِرار الذهب، فإن الزئبق أيضاً ذرّة ثقيلة. بألكترونات مُتجمعة بالقرب من النواة بسبب سرعتها وبالتالي كُتلتها الزائدة. بالنسبة للزئبق، تكون الروابط بين ذرّاتهُ ضعيفة، لذا يذوب الزئبق في درجات حرارة مُنخفضة وعادةً ما يكون سائل عندما نراهُ.
6- تلفّازكم القديم
قبل بِضع سنوات فقط، إمتلكت مُعظم أجهزة التلفاز وأجهزة المُراقبة شاشات أشعة انبوب الكاثود. تعمل شاشات أشعة إنبوب الكاثود عن طريق إطلاق ألكترونات على سطح الفسفور المُزود بمغناطيس كبير. يُضيء كل ألكترون بكسلاً عندما يَضرب الجُزء الخلفي من الشاشة. تُطلق الألكترونات لتَجعل الصورة تتحرك بسُرعة 30% من سرعة الضوء. لذا تكون آثار النسبية ملحوظة، وعندما يُشكل المُصنعين المغانط، عليهم أن يأخذو تلك التأثيرات بِنظر الإعتبار.
7- الضوء
لو كان إسحق نيوتن مُحقاً بإفتراضهُ أن هُنالك إطار مُطلق وساكن للحدث، فعلينا أن نأتي بتفسير مُختلف للضوء، لأن ذلك لن يحدث بكل الطرق.
يقول مور، من جامعة بومونا، «ليست فقط المغناطيسية ستكون غير موجودة، ولكن أيضاً لن يكون هُنالك ضوء. لأن النسبية تتطلب وجود تغييرات في خطوط المجال الكهرومغناطيسي تتحرك بسُرعة مُحددة بدلاً من حدوثها بشكل فوري» وأضاف « لو لم تفرض النسبية هذا الشرط .. ستَنتقل التغييرات في المجالات الكهربائية بِشكل فوري… بدلاً من اللجوء للموجات الكهرومغناطيسية ستكون كلاً من المغناطيسية والضوء غير ضروريين»
8- المحطات النووية والمُستعرات العظمى
النسبية هي أحد الأسباب التي تجعل الكتلة والطاقة يتحولان لبعضهما البعض. وهو أساس عمل محطات الطاقة النووية، وشروق الشمس. تآثير مهم أخر هو إنفجارات المُستعرات العُضمى، وهو إشارة لموت نجوم ضخمة.
قال مور «توجد المُستعرات العضمى بسبب تغلُب الآثار النسبية على الآثار الكمومية في قلب مُستعر أعظم كبير كفايةً، سامحةً لهُ بالإنهيار فجأة تحت تأثير وزنهُ حتى يصبح أصغر بكثير ونجم نيوتروني أقوى بكثير»
في المُستعر الأعظم، تنهار الطبقات الخارجية إلى قلب النجم، وتصنع إنفجار ضخم والذي يصنع، من بين الأمور الأخرى، عناصر أخرى أثقل من الحديد. في الواقع، جميع العناصر الثقيلة التي نعلم بوجودها تقريباً صُنعت داخل المُستعر الأعظم.
يقول مور «نحنُ مصنوعين من الأشياء التي صُنعت ونُشرت من قِبل المُستعرات العُضمى». ويُضيف «لو لم تكن النسبية موجودة، فحتى أكثر النجوم ضخامةً ستنتهي حياتها كأقزام بيضاء، لا تنفجر أبداً. ولن نكون موجودين للتفكير في الأمر».
المصدر: هنا