الرئيسية / فيزياء / هل يمكننا إنشاء كونٍ في المختبر؟

هل يمكننا إنشاء كونٍ في المختبر؟

الجدال حول ما إذا كان لهذا الكون من خالق ومن يكون، يعتبر من بين أقدم الجدالات في تاريخ البشرية، ولكن في خضم الجدال المحتدم بين المؤمنين والمشككين هناك احتمال واحد غالباً ما يتم تجاهله، وهو فكرة إن الكون من حولنا قد يكون أُنشأ من قبل أُناس يشبهوننا بشكل كبير، مستخدمين أجهزة لا تختلف كثيراً عن تلك الأجهزة المتوفرة لعلمائنا حالياً.

كما هو الحال مع الكثير من الأفكار في الفيزياء الحديثة، تنطوي هذه الفكرة على تسريع الجسيمات، نوع من شيء ما يُسرع في مُصادم الهادرون الكبير في سويسرا. قبل أن يبدأ هذا المصادم بالعمل، قلق بعض المتشائمون من إمكانية أن يُحدث هذا المصادم ثقباً أسود من شأنه أن يدمر العالم. هذا الأمر لم يكن على الورق: فعلى الرغم من إمكانية أن يوّلد مصادم الهادرون الكبير ثقب أسود اصطناعي، فإن هذا الثقب سيكون صغير جداً لإبتلاع ذرة، ناهيك عن إبتلاع الأرض.

ومع ذلك، لخلق كون جديد فهذا الأمر يتطلب آلة أقوى من مصادم الهادرون الكبير بفارق جزئي- وهناك تُتاح لنا كل الفرصة للتفكير في ما إذا صُنع كوننا بنفس هذه الطريقة.

هذا الأمر محتمل لسببين. الأول، هو الثقوب السوداء تعمل بمثابة بوابات إلى مناطق أخرى من المكان و الزمان.

ثانياً، بسبب الحقيقة الغريبة وهي أن الجاذبية تمتلك طاقة سلبية مما يجعل صنع كون جديد لا يحتاج لأي طاقة. و على الرغم من كميات الطاقة الهائلة التي تكون موجودة في كل ذرة فأن سلبية الجاذبية توازن هذه الطاقة الهائلة بشكل دقيق.

علاوة على ذلك فأن الثقوب السوداء تعتبر نسبياً سهلة الصُنع، حيث إن لكل جسم هناك دائرة فيها نصف قطر حاسم يُدعى بنصف قطر شفارتزشيلد (Schwarzschild radius) أما بالنسبة للثقب الأسود فسوف يتشكل من كتلة الجسم. يقدّر نصف قطر شفارتزشيلد للشمس بميلين، 1/200,000 من عرضها الحالي؛ أما الأرض فإن تحولها إلى ثقب أسود؛ سوف يتحتم عليها التقلص إلى كرة نصف قطرها سنتيمتر واحد.

الثقوب السوداء التي يمكن إنشاؤها في مُسرع الجسيمات ستكون ثقوب صغيرة جداً مكونة من كتل صغيرة متقلصة بأحجام غاية في الصغر، ولكن بسبب الطاقة السلبية للجاذبية فلن يكون هناك أهمية لصغر حجم الثقوب ولكن ما تزال لدى هذه الثقوب الإمكانية على التضخم و التوسع في أبعادها الخاصة (بدلاً من التهام جانبنا الخاص). مثل هذا التوسع يعتبر مُشابه بدقة لما فعله كوننا عند الإنفجار الكبير، عندما أنفجر فجأة من كتلة صغيرة من المواد لكي يصبح كون ناضج و مكتمل.

أول من اقترح فكرة التضخم الكوني والتي أصبحت مقبولة على نطاق واسع هو العالم الفيزيائي آلان غوث (Alan Guth) من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، حيث أشار إلى إن نقطة بداية الإنفجار العظيم كانت أصغر بكثير والتوسع كان أسرع بكثير مما أفترضنا، قام آلان غوث بالتحقيق في الجوانب الفنية من «خلق الأكوان في المختبرات»، وأستنتج أن قوانين الفيزياء من حيث المبدأ قاردة على جعل هذا الأمر ممكناً.

السؤال الكبير هو ما إذا كان هذا الأمر قد تحقق بالفعل، هل كوننا تم تكوينه من قبل مُصمم؟ وبكلمة «مصمم» هنا لا أقصد إله من الآلهة وانما أقصد «مصمم ذكي» يُراقب و يصقل جميع جوانب الحياة. التطور عن طريق الإنتقاء الطبيعي، وجميع العمليات الأخرى التي أنتجت كوكبنا و الحياة عليه، كل هذا يعتبر كافياً لتفسير كيف أصبحنا على هذه الشاكلة فقط من خلال النظر لقوانين الفيزياء التي تحكم كوننا.

ومع ذلك، لا يزال هناك مجال لمصمم ذكي قد صمم هذه الأكوان جميعاً. حيث تقترح الفيزياء الحديثة بأن كوننا هو واحد من مجموعة أكوان متعددة، حيث تقع هناك مناطق مختلفة من المكان و الزمان والتي من الممكن ان يكون لها خصائص مختلفة (قوة الجاذبية ربما تكون أقوى في بعض الأكوان وضعيفة في الأكوان الأخرى). إذا كان كوننا قد صنع بهذه الطريقة على يد حضارات متقدمة تكنولوجياً في جزء آخر من الأكوان المتعددة فمن الممكن أن يكون المصمم هو المسؤول عن إحداث الإنفجار العظيم، فقط لا غير.

إذا كان مثل هؤلاء المصممين يقومون بتصميم الأكوان عن طريق تصنيع الثقوب السوداء، فالطريقة الوحيدة لفعل ذلك والتي يدركها البشر أيضاً تنقسم إلى ثلاثة مستويات: الأولى هي تصنيع ثقوب سوداء فقط، من دون التأثير على قوانين الفيزياء في الكون الجديد، وتعتبر البشرية قريبة من هذا المستوى، كما في رواية Cosm الشيّقة من كتابة غريغوري بينفورد (Gregory Benford) وتتمحور هذه الرواية حول باحثة أمريكية تجد كون جديد في يدها بحجم كرة القاعدة (Baseball) بعد إنفجار مُسرع جسيمات.

المستوى الثاني يخص حضارة متقدمة بشكل بسيط، حيث تكون هذه الحضارة قادرة على إيعاز خصائص للأكوان المولودة حديثاً لتغيير وجهتها الى وجهة معينة، وقد يكون من الممكن لهم أن يعدلوا الثقوب السوداء بطريقة تجعل جاذبية الكون الجديد أقوى من جاذبية الكون الأم، دون قدرة المصممين على أن يحددوا كم زادت قوة الجاذبية.

المستوى الثالث يخص حضارة متقدمة جداً، حيث تنطوي قدرتهم في وضع وتعيين معايير دقيقة، وبالتالي يكونون قادرين على التصميم بشكل مفصل. و على سبيل التشبيه سوف نقارن عملية صنع كون مع عملية صنع طفل، فبدلاً من أن يقوم العلماء بالعبث بالحمض النووي لكي يحصلوا على طفل مثالي، يقوم العلماء بالتلاعب بقوانين الفيزياء لكي يحصلوا على كون مثالي. وبشكل حاسم، لن يكون من الممكن وفي أي حالة من الحالات ولأي مستوى للمصممين مهما كان متقدماً أن يتدخلوا بعد أن يحدث أنفجار عظيم في الأكوان المولودة حديثاً، سوف يكون كل كون لوحده.

قد يبدو هذا بعيد المنال، ولكن الشيء المذهل حول هذه النظرية هو كيف من المرجح لهذا أن يحدث بل أن هذا الأمر من الممكن أن يكون قد حدث بالفعل. فكل ما هو مطلوب هو أن يحدث التطور بشكل طبيعي في الأكوان المتعددة إلى حد أن يصل الذكاء على أحد الأكوان إلى مستوى مُقارب لذكائنا. من تلك النقطة، يقوم مصمموا الذكاء بإنشاء عدد كافي من الأكوان المناسبة للتطور، والتي تكون عبارة عن برعم من أكوانهم الخاصة، وتلك الأكوان المشابهة لأكواننا (بمعنى آخر، المناسبة للحياة الذكية) تتكاثر بسرعة مع الأكوان «الغير ذكية» لتمثل نسبة ضئيلة من الأكوان المتعددة. ولذلك فإنه يصبح من المرجح وبشكل كبير لأي كون معين (يشمل كوننا) أن يكون قد تم تصميمه بدلاً من أن يكون نتاج نشأة «طبيعية».

في حين إن الذكاء المطلوب للقيام بهذا العمل ربما يكون متفوق علينا بقليل، ولكن هذا الذكاء المتفوق يعتبر من نفس النوع المشابه والمعرّف لذكائنا، بدلاً من وجود ذلك الإله اللانهائي والغير مفهوم. والسبب الأكثر احتمالاً لكي يقوم نوع من هكذا ذكاء بإنشاء أكوان هو نفس السبب الذي يدفعنا لتسلق الجبال، أو دراسة طبيعة الجسيمات دون الذرية – وذلك لسبب بسيط جداً وهو إننا نستطيع فعل تلك الأشياء. و الحضارة التي لديها التقنية لكي تُنشأ أكوان حديثة الولادة سوف تجد في عملية تصميم وإنشاء أكوان جديدة إغراء لا يقاوم. و إذا كان الذكاء مُقارب لذكائنا فسوف يكون هناك إغراء ساحق على صعيد المستويات العالية من تصميم الأكوان لتحسين النتائج.

هذه الفكرة حتى الأن توفر أفضل حل للّغز الذي كان يثيره آلبرت إينشتاين، وهو أن «أكثر شيء غير مفهوم عن الكون هو إنه قابل للفهم». الكون مفهوم بالنسبة للإنسان لأن تم تصميمه، على الأقل إلى حد ما، من قبل كائنات ذكية تمتلك عقول مشابهة لعقولنا.

أقترح عالم الفلك البريطاني العظيم فريد هويل (Fred Hoyle) بأن قوانين الفيزياء كانت موصّلة بشكل فريد إلى الوجود البشري لدرجة إن الكون يبدو وكأنه «وظيفة مهيأة». أنا أعتقد بأنه كان محقاً: بالفعل أن الكون يبدو وأنه مُعد لكي يوفر موطناً للحياة، حتى لو كان من خلال عملية الإنتقاء الطبيعي، دون الحاجة إلى تدخل خارجي. أننا لم نُخلق على صورة الله – بدلاً من ذلك فأن كوننا قد تم إنشائه في صورة مُصمميه.

المصدر: هنا

 

عن

شاهد أيضاً

أرقام غريبة حيرت الفيزيائيون

بقلم بول راتنر 30/12/2018 ترجمة: أحمد طريف المدرس تدقيق: ريام عيسى تصميم الصورة: اسماء عبد محمد هل يعتمد عالمنا، بما في ذلك …

إمكانية السفر عبر الزمن

بقلم: جيم خليلي 11 تموز 2019 ترجمة: ريام عيسى إنه السؤال العلمي المفضل للجميع: هل …