بقلم: انيل اناثازومي
بتاريخ: 4/9/2018
ترجمة: احمد طريف المدرس
تدقيق: ريام عيسى
تصميم الصورة: اسماء عبد محمد
إن وصف ظاهرة الضوء التي قادت إلى قلب الطاولة على أفكار إسحاق نيوتن العظيمة حول طبيعة الضوء، كانت بسيطة بشكل مذهل. حيث قال عالم الفيزياء الإنجليزي توماس يونغ لأعضاء الجمعية الملكية في لندن في نوفمبر 1803 أنه يمكن أن نكرر التجربة بسهولة كبيرة، يكفي فقط أن تشرق الشمس، وهذه التجربة هي ما يعرف الآن بتجربة الشق المزدوج، وتوصل يونغ إلى تجربة منزلية أنيقة ومثيرة لإظهار الطبيعة الخفيفة لموجات الضوء، وبفعل ذلك دحض نظرية نيوتن القائلة أن الضوء مصنوع من جسيمات.
لكن ولادة فيزياء الكم في أوائل القرن العشرين أوضحت أن الضوء مصنوع من وحدات صغيرة غير قابلة للتجزئة أو كوانتا من الطاقة والتي نسميها الفوتونات. عندما يتم إجراء تجربة يونغ باستخدام فوتونات مفردة أو حتى جسيمات مفردة من المادة، مثل الإلكترونات والنيوترونات، نحصل على لغز كبير، حيث تثير التجربة أسئلة أساسية حول طبيعة الواقع. بل إن البعض قد استخدمها ليجادل بأن العالم الكمومي يتأثر بالوعي البشري مما يمنح عقولنا مكان في علم الوجود. لكن هل هذه فعلاً حالة هذه التجربة البسيطة؟
في الشكل الكمومي الحديث تشتمل تجربة يونج على بث جسيمات فردية من الضوء أو المادة على شقين أو فتحات مقطعة إلى حاجز غير شفاف. على الجانب الآخر من الحاجز توجد شاشة تسجل وصول الجسيمات ( لوحة فوتوغرافية في حالة الفوتونات). إن الحس السليم يقودنا إلى توقع مرور الفوتونات بشق واحد أو آخر وتتراكم خلف كل شق.
لكنهم لا يفعلون ذلك. بدلاً من ذلك يتوجهون إلى أجزاء معينة من الشاشة ويتجنبون الأخرى، ويخلقون خطوط متناوبة من الضوء والظلام. وتسمى هذه الظاهرة بالتداخل، وهي من نفس النوع الذي تحصل عليه عند تداخل مجموعتين من الأمواج. عندما تصطف قمم موجة واحدة مع قمم أخرى تحصل على تداخل بناء (خطوط مضيئة)، وعندما تتوافق القمم مع القاع نحصل على تداخل هدام (الظلام).
لكن عندما يكون هناك فوتون واحد يمر عبر الجهاز في وقت واحد. يبدو الأمر وكأن الفوتون يتدفق من خلال الشقين في آن واحد و يعود ليتداخل مع نفسه. هذا لا معنى له في الفيزياء الكلاسيكية.
ومع ذلك، من الناحية الرياضية فإن ما يحدث عبر الشقين ليس جسيماً مادياً أو موجة فيزيائية بل هو شيء يسمى تابع الموجة ـ جسيم، وهو تابع رياضي مجرد يمثل حالة الفوتون (في هذه الحالة هي الموضع). تتصرف الدالة الموجية مثل الموجة، حيث إنها تمر من الشقين وتبعث موجات جديدة من كل شق على الجانب الآخر وتنتشر وتتداخل في النهاية مع بعضها البعض. و يمكن استخدام الدالة الموجية المشتركة لتحديد احتمالات وجود أحد الفوتونات.
للفوتون فرصة كبيرة في التواجد حيث تتداخل تابعا الموجة بشكل بناء ومن غير المحتمل العثور عليهما في مناطق التداخل الهدام. في هذه الحالة تفاعل الدالة الموجية مع لوحة الصور الفوتوغرافية – يؤدي إلى انهيار تابع الموجة. ينتقل من الانتشار قبل القياس إلى ذروته في الأماكن التي يكون فيها الفوتون حقيقي عند القياس.
هذا الانهيار الظاهر للتابع الموجي الناتج عن القياس هو مصدر العديد من الصعوبات لفهم ميكانيكا الكم. قبل انهيار الدالة لا توجد وسيلة لمعرفة حركة الفوتون. يمكن أن يظهر في أي مكان من الاحتمالات غير الصفر. لا توجد طريقة لرسم مسار الفوتون من المصدر إلى الكاشف. الفوتون غير حقيقي مثل الحركة الحقيقة لطائرة تحلق من سان فرانسيسكو إلى نيويورك.
فسر فيرنر هايزنبرغ من بين آخرين رياضيات الكم على أنها تعني أن الواقع غير موجود حتى تتم ملاحظته. وكتب إن فكرة وجود عالم حقيقي موضوعي توجد أصغر أجزاءه بشكل موضوعي بنفس معنى وجود الأحجار أو الأشجار بغض النظر عما إذا كنا نراقبها أم لا أمر مستحيل. واستخدم جون ويلر أيضاً أحد أشكال تجربة الشق المزدوج ليثبت أنه لا توجد ظاهرة كمية أساسية ظاهرة حتى يتم تسجيلها.
لكن النظرية الكمية غير واضحة تماماً حول ما هو القياس، فهي تفترض ببساطة أن جهاز القياس يجب أن يكون كلاسيكي، دون تحديد مكان وجود مثل هذا الحد الفاصل بين الكلاسيكية والكمية ، مما يترك الباب مفتوحاً لأولئك الذين يعتقدون أن الوعي البشري يساهم في الانهيار. قال هنري ستاب وزملاؤه في منتدى بأن تجربة الشق المزدوج ومتغيراته الحديثة توفر دليلاً على أن المراقب الواعي قد يكون لا غنى عنه لفهم العالم الكمي وأن العقل يكمن وراء العالم المادي.
لكن هذه التجارب لا تشكل دليلاً تجريبي لمثل هذه الادعاءات. في التجربة الشق المزدوج بفوتون واحد، كل ما يمكن القيام به هو التحقق من التنبؤات الاحتمالية للرياضيات. إذا تم إثبات الاحتمالات على مدار إرسال عشرات الآلاف من الفوتونات المتطابقة من خلال الشق المزدوج تدعي النظرية أن كل دالة موجية للفوتون قد انهارت وذلك بفضل عملية غير محددة تسمى القياس. هناك طرق أخرى لتفسير تجربة الشق المزدوج. مثل نظرية دي بروغلي بوهم التي تقول أن الواقع هو كل من الموجة والجسيم. يتجه الفوتون نحو الشق المزدوج بوضع محدد في جميع الأوقات ويمر عبر شق واحد أو آخر بحيث يكون لكل فوتون مسار. تمر الموجة عبر الشقوق وتتداخل ثم توجه الفوتون إلى موقع التداخل البناء.
في عام 1979، قام كريس دودني وزملاؤه في كلية بيركبي لندن ، بمحاكاة التنبؤ النظري لمسارات الجسيمات التي تمر عبر الشق المزدوج. في العقد الماضي العلماء تحقق التجريبيون من أن هذه المسارات موجودة وذلك باستخدام تقنية مثيرة للجدل تدعى القياسات الضعيفة. على الرغم من الجدل تظهر التجارب أن نظرية دي بروغلي بوهم لا تزال تعمل كشرح لسلوك العالم الكمي.
بشكل حاسم، لا تحتاج النظرية إلى مراقبين أو قياسات أو وعي غير مادي.
وهي نفس حالة ما يسمى بنظريات الانهيار و التي تدعي بأن الموجات تنهار عشوائياً كلما زاد عدد الجسيمات في النظام الكمي، كلما زاد احتمال حدوث الانهيار. فيكتشف المراقبون النتيجة فقط. كان فريق ماركوس أرندت في جامعة فيينا في النمسا يختبر هذه النظريات بإرسال جزيئات أكبر وأكبر من خلال الشق المزدوج. تتنبأ نظرية الانهيار أنه عندما تصبح جزيئات المادة أكثر ضخامة من بعض العتبات، فإنها لا يمكن أن تبقى في تراكب كمومي للدخول في كلا الشقين في وقت واحد وهذا سيدمر نمط التداخل. أرسل فريق ارنديت جزيئاً يحتوي على أكثر من 800 ذرة عبر الشق المزدوج وما زالوا يشاهدون التداخل. ويستمر البحث عن العتبة.
لدى روجر بنروز روايته الخاصة لنظرية الانهيار، والتي فيها الكتلة الأكثر كثافة خلال التراكب سرعان ما تنهار إلى حالة واحدة أو أخرى، بسبب عدم الاستقرار الجاذبي. مرة أخرى، إنها نظرية مستقلة بالنسبة للمراقب(لا تعتمد عليه). لا حاجة للوعي. يختبر ديرك بويمستر في جامعة كاليفورنيا سانتا باربرا فكرة بينروز بنسخة من تجربة الشق المزدوج.
من الناحية المفاهيم، فإن الفكرة هي ألا نكتفي بوضع فوتون في حالة تراكب من خلال شقين في وقت واحد ولكن أيضاً وضع أحد الشقوق في التراكب في موقعين في وقت واحد. ووفقاً لما ذكره بنروز فإن الشق سيبقى إما في حالة تراكب أو ينهار أثناء وجود الفوتون في الجو مما يؤدي إلى أنواع مختلفة من أنماط التداخل. الانهيار يعتمد على كتلة الشقوق. كان بوماستر يعمل في هذه التجربة لعقد من الزمن وقد يتمكن قريباً من التحقق من فرض بينروز أو رفضه.
إذا لم يكن هناك شيء آخر، فإن هذه التجارب تظهر أننا لا نستطيع حتى الآن تقديم أي ادعاءات حول طبيعة الواقع حتى لو كانت المزاعم ذات دوافع رياضية أو فلسفية. وبالنظر إلى أن علماء الأعصاب وفلاسفة العقل لا يوافقون على طبيعة الوعي فإن الادعاء بأنه يسبب انهيار تابع الموجة سابق لأوانه في أحسن الأحوال، ومضلل وخاطئ في أسوأ الأحوال.
المصدر: هنا