كتابة واعداد : روبنسون ماير
ترجمة : غدير حميد
تدقيق: ريام عيسى
تصميم الصورة: مثنى حسين
إن الحرائق المشتعلة في البرازيل الآن إنما هي جزء من كارثة كبيرة ألا وهي كارثة تدمير الغابات المستمر والمتزايد بسبب الرئيس البرازيلي، جايير بولسونارو.
من الجدير بالذكر إنه فضلاً عن حرائق غابات الامازون المشتعلة الآن فإنه كان هناك ما يزيد عن 74000 حريق في مناطق مختلفة من البرازيل هذا العام، وذلك وفقاً لما ذكره المعهد الوطني البرازيلي لبحوث الفضاء، ويعد هذا أعلى معدل حرائق تم تسجيله منذ أن بدأت عمليات تسجيل الحرائق في عام 2013.
وإنه ولشدة كثافة الدخان السام المنبعث من نيران الحرائق فإن الظلام صار يحل قبل ساعات من غروب الشمس في مدينة ساو باولو، حيث تمثل هذه المدينة عاصمة البرازيل الاقتصادية كما أنها تعد أكبر مدينة في النصف الغربي للكرة الارضية.
إن حادثة حرائق غابات الامازون جذبت اهتمام العالم لها حيث لم يسبقها في ذلك إلا القليل من الحوادث الاخرى، وذلك لما لغابات الامازون من أهمية من حيث كونها أكبر غابات العالم واكثرها تنوعاً بغاباتها المطرية ومن حيث احتوائها على ملايين الاصناف من الكائنات الحية والبلايين من الاشجار. هذا فضلاً عن كونها مخزناً لكميات كبيرة من ثنائي اوكسيد الكاربون التي يؤدي وجودها في الجو إلى زيادة الاحتباس الحراري في كوكبنا. كما أن هذه الغابات تنتج ما يعادل 6% من اوكسجين هوائنا الجوي. ومن هنا نرى كيف أن قلة الاهتمام وقلة التغطية الاعلامية التي لاقتها هذه الكارثة _بشكل أقل بكثير من التغطية الاعلامية التي لاقتها حادثة حريق كنيسة نوتردام_ تعد دليلاً قاطعاً على عدم اكتراثنا بالكوارث البيئية، بما فيها التغير المناخي.
إلا أن التغير المناخي لا يعد سبباً رئيسياً لحرائق الغابات، فعلى الرغم من أن الحرائق التي تشتعل في ولاية كاليفورنيا الامريكية إنما تشتعل نتيجة لحادث عرضي وتتزايد نتيجة للتغير المناخي إلا أن الحرائق الامازونية لا تشتعل نتيجة لحادث عرضي او طبيعي انما يتم اضرامها عمداً. وعندما تنتشر النيران في مساحات واسعة في هذه الغابات لتفريغها لأغراض الزراعة وتربية المواشي، حينها يبدأ مفتعلو هذه الحرائق بالتوغل نحو الغابة الرئيسية او ما تعرف بالغابة البدائية.
إن هنالك رقمين مخيفين يكشفان عن حقيقة هذه الحرائق، كانت قد أعلنت عنهما الحكومة البرازيلية، الاول هو زيادة نسبة الحرائق في البرازيل في هذه السنة لتزيد عن سابقتها بنسبة تصل إلى 80% ، وأن هذه الزيادة الكبيرة في الحرائق أدت إلى تصاعد كوارث الدمار البيئي على مستوى الكرة الارضية. ووفقاً لصحيفة نيويورك تايمز فإنه قد تم تدمير ما يزيد عن 1330 ميل مربع في غابات الامازون المطرية منذ شهر يناير حتى الان وهذا يكشف عن زيادة في معدل الدمار البيئي الحاصل بنسبة تزيد على نسبة العام المنصرم ب 39% وخلال الفترة الزمنية نفسها.
علام نعطي اهمية كبيرة لهذه الكارثة وهذه الارقام؟
تكمن الاجابة في إنه بعد تغير القيادة السياسية للبرازيل، في شهر يناير من العام السابق، والمتمثلة بالرئيس الشعبي واليميني المتطرف، جايير بولسونارو، والذي يعرف بحبه للنظام الاستبدادي السابق في بلاده. حيث وعد بولسونارو شعبه في اثناء حملته الانتخابية بأنه سوف يعمل على اضعاف نظام الحماية البيئي لغابات الامازون، والذي كان له الاثر في تقليل الدمار البيئي في هذه الغابات خلال العقدين السابقين، كما وعدهم بالسماح لهم باستغلال غابات الامازون المطرية لأغراض التطور الاقتصادي.
وما كان من بولسونارو إلا أن يوفي بوعوده هذه. حيث يقول ريتشارد بلاك _الصحفي في شبكة انباء البي بي سي سابقاً ومدير وحدة الطاقة والاستخبارات المناخية غير الربحية حالياً_ أن الولايات البرازيلية الثلاث، التي يحكمها حلفاء بولسونارو، تشهد تزايداً في الحرائق يعد الاسوأ لهذا العام على الاطلاق. اما الولايات البرازيلية الاخرى، التي يحكمها الخصوم السياسيين للرئيس البرازيلي، قد شهدت انخفاضاً في نسبة الحرائق. كما أن هناك مزاعم على موقع الاخبار العالمي المعروف باسم “Open Democracy” بوجود وثائق مسربة تكشف عن نية الحكومة البرازيلية برئاسة، جايير بولسونارو، لوضع استراتيجية لمنع مشاريع حفظ البيئة في غابات الامازون.
إن ادراك الاسباب التي أدت إلى هذا الحرائق والمتمثلة بالمشاكل السياسية والبيئية يجعلنا ندرك مدى صعوبة القضاء على هذه الكارثة. حيث أن بولسونارو قد جعل نفسه في موقف مضاد لدول الشمال _الدول المتقدمة_ الغنية ، وحين سُئل بولسونارو عن كارثة الامازون لمح الاخير إلى اأن للمنظمات البيئة غير الحكومية دور في انشاء هذه الحرائق. كما أن الرئيس البرازيلي قام باتهام نظيره الفرنسي، ايمانويل ماكرون، بانتهاج ” عقلية استعمارية” وذلك على خلفية تعليق الاخير على حرائق الامازون من خلال تغريدة كتبها على حسابه الشخصي في تويتر قائلا : ” إن بيتنا يحترق”، واصفا لهذه الحادثة بالكارثة.
إن ردة فعل الرئيس البرازيلي على نظيره الفرنسي، المثيرة للسخرية إن دلت على شيء فإنما تدل على مدى صعوبة معالجة هذه الكارثة. وعلى الرغم من أن غابات الامازون تعود ملكيتها للبرازيليين وللسكان الاصليين الذين يعيشون فيها إلا أنه من منطلق كون هذه الغابات مخزناً للكاربون في العالم، لذا يعد وجودها وبقائها امراً جوهرياً في الحفاظ على حياة كل واحد منا. فلو تم تحطيم غابات الامازون وافسادها بشكل كامل فإن عملية استرجاعها ستكون فوق مستوى طاقة البشر، فحتى لو اعيد زراعة ما يعادل نصف قارة من الاشجار فإنه من غير الممكن اعادة التنوع الاحيائي الذي قد يفقد من غابات الامازون. ولن يكون بمقدورنا سد النقص الذي سينتج عن هذه الخسارة إلا بعد 10 ملايين سنة على وجه التقريب، وهذه المدة تزيد بثلاثة وثلاثين مرة عن المدة التي دامت حتى وصل الانسان إلى مرحلة الجنس البشري العاقل _الجنس البشري المتطور_.
المصدر: هنا