كتبه ل (ورلد ايكونوميك فوروم): جيف مورغان
منشور بتاريخ: 26\7\2017
ترجمة: أحمد حازم سلطان
تدقيق: آلاء عبد الأمير
تصميم: أحمد الوائلي
لقد حلت الروبوتات محلنا منذ ستينيات القرن الماضي. فلماذا أصبح الساسة ومدراء الأعمال يشعرون بالقلق إزاء الروبوتات التي تسبب بطالة جماعية؟
يتعلق الأمر بمسألة ما هو الروبوت حقاً. في حين أن الخيال العلمي غالباً ما يصور الروبوتات كإنسان آلي ينفذ المهام بنفس الطريقة مثل البشر، إلا أن الحقيقة هي أن الروبوتات تأخذ أشكالاً أكثر تخصصاً. كانت الروبوتات التقليدية في القرن العشرين عبارة عن آلات وأذرع آلية لصناعة السيارات في المصانع. الروبوتات التجارية في القرن الواحد والعشرين تتمثل بعمليات السحب الذاتي في السوبرماركت، ومركبات موجهة آليا داخل المستودعات، وحتى ماكينات تقليب البرغر في مطاعم الوجبات السريعة.
في نهاية المطاف، لم يتم إستنساخ البشر بشكل تام نظراً لأن هذه الروبوتات قد تكون فعالة جدًا ولكنها غبية أيضاً. إنهم لا يفكرون، بل ينفذون المهام فقط بطرق دقيقة للغاية ولكنها محدودة للغاية. لا يزال البشر بحاجة إلى العمل بجانب الروبوتات، والقيام بالمهام التي لا تستطيع الأجهزة تنفيذها وإصلاحها عند حدوث أي عطل. لكن هذا كله في طريقه لأن يتغير بفضل دفعة جديدة من الآلات الأذكى والأكثر قيمة التي يمكنها التكيف مع مهام متعددة. سيكون هذا التغيير هاماً إلى درجة أنه سيخلق ثورة صناعية جديدة.
الصناعة 4.0
تتم قيادة عصر ال “الصناعة 4.0” من خلال نفس التقدم التكنولوجي الذي يتيح الإمكانيات للهواتف الذكية في جيوبنا. وهو مزيج من أجهزة الكمبيوتر منخفضة التكلفة وعالية الطاقة، والاتصالات عالية السرعة والذكاء الاصطناعي. وسيؤدي ذلك إلى إنتاج روبوتات أكثر ذكاءً تتمتع بقدرات استشعار وإتصال أفضل يمكنها التكيف مع مهام مختلفة، بل وحتى تنسيق عملها لتلبية الطلب دون تدخل البشر.
في الصناعات الإنتاجية، حيث يمكن القول إن الروبوتات حققت التقدم الأكبر في مختلف القطاعات، فإن هذا سيعني تحولاً مثيراً من الإنتاج التعاوني المركزي إلى الإنتاج التعاوني اللامركزي. ركزت الروبوتات التقليدية على العمليات الفردية والثابتة والعالية السرعة إلا أنها إحتاجت إلى قوة عاملة بشرية ذات مهارات عالية لتشغيلها وصيانتها. تتميز ماكينات الصناعة 4.0 بأنها مرنة وتعاونية ويمكن أن تعمل بشكل أكثر استقلالية، مما يزيل في نهاية المطاف الحاجة إلى قوة عاملة ذات مهارات عالية.
بالنسبة للشركات المصنّعة على نطاق واسع، تعني صناعة 4.0 أن تكون الروبوتات قادرة على استشعار بيئتها والتواصل في شبكة صناعية يمكن تشغيلها ومراقبتها عن بُعد. ستقوم كل آلة بإنتاج كميات كبيرة من البيانات التي يمكن دراستها بشكل جماعي باستخدام ما يعرف باسم تحليل “البيانات الكبيرة“. وسيساعد ذلك على تحديد طرق لتحسين الأداء التشغيلي وجودة الإنتاج عبر المصنع بأكمله، على سبيل المثال، من خلال التنبؤ بشكل أفضل عند الحاجة إلى الصيانة وجدولتها تلقائيًا.
بالنسبة إلى شركات التصنيع الصغيرة والمتوسطة، فإن الصناعة 4.0 ستعمل على استخدام الروبوتات بشكل أرخص وأسهل. كما ستقوم بإنشاء آلات يمكن إعادة تهيئتها لأداء وظائف متعددة وتعديلها للعمل على نطاق منتجات أكثر تنوعاً وحجم إنتاج مختلف. وقد بدأ هذا القطاع بالفعل في الاستفادة من الروبوتات القابلة لإعادة التهيئة والمصممة للتعاون مع العاملين البشريين وتحليل أعمالهم الخاصة للبحث عن التحسينات، مثل BAXTER,SR-TEX و CareSelect.
في حين أن هذه الآلات تزداد ذكاءً، فإنها لا تزال غير ذكية مثلنا. يعمل الذكاء الصناعي اليوم بشكل محدود، مما يعطي مظهر الذكاء البشري الذي تظهره الآلات، ولكنه مصمم من قبل البشر.
يُعرف ما سيأتي بعد ذلك باسم “التعلم العميق”. على غرار تحليل البيانات الكبيرة ، فإنه ينطوي على معالجة كميات كبيرة من البيانات في الوقت الفعلي لاتخاذ قرارات حول أفضل إجراء يمكن اتخاذه. الفرق هو أن الجهاز يتعلم من البيانات حتى يتمكن من تحسين قدرته على اتخاذ القرار. تم عرض مثال رائع للتعلم العميق بواسطة برنامج (ألفا غو)، والذي قام بتعليم نفسه للتغلب على أعظم لاعبي GO في العالم.
إن نقطة التحول في تطبيق الذكاء الاصطناعي على التصنيع يمكن أن تحدث مع تطبيق الشرائح الدقيقة الخاصة والتي تسمى بوحدات المعالجة البيانية (جي بي يو). هذه تمكن من تطبيق التعلم العميق على مجموعات كبيرة للغاية من البيانات بسرعة فائقة جدا. لكن الطريق لا يزال طويلاً والشركات الصناعية الكبرى تقوم بتوظيف أعداد هائلة من العلماء لمزيد من تطور التكنولوجيا.
التأثير على الصناعة
في الوقت الذي تصبح فيه تكنولوجيا الصناعة 4.0 أكثر ذكاءً وتوافرًا على نطاق أوسع، سيتمكن المصنعون بغض النظر عن حجم صناعتهم من استخدام آلات فعالة من حيث التكلفة ومتعددة الأغراض وتعاونية بشكل إعتيادي. وسيؤدي ذلك إلى النمو الصناعي والقدرة التنافسية في السوق، مع زيادة فهم عمليات الإنتاج والتي تؤدي إلى منتجات جديدة عالية الجودة وإلى خدمات رقمية.
إن تأثير القوى العاملة الروبوتية الأكثر ذكاءً لا يزال موضع خلاف واسع النطاق. فالذكاء الاصطناعي كما نعرفه في أفلام الخيال العلمي لا يزال في مراحله الأولى. يمكن للبشرية أن تصل القرن 22 قبل أن يكون لدى الروبوتات القدرة على إعتبار العمل البشري أمراً قد عفا عليه الزمن، ليس من خلال تطوير التعلم العميق فحسب ولكن تطوير الفهم الاصطناعي الحقيقي الذي يحاكي التفكير البشري. من الناحية المثالية، ستتيح الصناعة 4.0 للعمال البشريين تحقيق المزيد في وظائفهم عن طريق إزالة المهام المتكررة ومنحهم أدوات آلية أفضل. من الناحية النظرية، فإن هذا سيتيح لنا أن نركز أكثر على تطوير الأعمال والإبداع والعلوم، الأمر الذي سيكون أصعب بكثير على أي روبوت القيام به. لقد أجبرتنا التكنولوجيا التي جعلت البشر زائدين عن الحاجة في الماضي، على التكيف، بشكل عام مع المزيد من التعليم. ولكن نظرًا لأن الروبوتات 4.0 الصناعية ستتمكن من العمل بشكل مستقل، فقد نشهد فصل أعداد كبيرة من العاملين من الوظائف الإنتاجية دون أن تكون القطاعات الأخرى قادرة على خلق فرص عمل جديدة وكافية. ثم قد نرى المزيد من الخطوات السياسية لحماية العمالة البشرية، مثل فرض الضرائب على الروبوتات.
مرة أخرى، في سيناريو مثالي، قد يكون البشر قادرين على التركيز على القيام بالمهام التي تجعلنا بشراً، وربما يغذيها دخل أساسي ناتج عن العمل الآلي. في النهاية، سيكون الأمر متروكاً لنا لتحديد ما إذا كانت القوى العاملة الروبوتية ستعمل لصالحنا أو معنا أو ضدنا.
رابط المقال باللغة الإنجليزية : هنا