كتبه لموقع (ذي كونفرسيشن): صمويل ليفين
نشر بتاريخ: 1/11/2017
ترجمة: أحمد حازم سلطان
مراجعة وتدقيق: نعمان البياتي
تصميم: أحمد الوائلي
من الممكن أن تتواجد الكائنات الفضائية في أي مكان، إذ يوجد في مجرتنا فقط ما لا يقل عن 100 بليون كوكب، كما إن 20% من تلك الكواكب -على أقل تقدير- من الممكن أن تكون صالحة للسكن، حتى وإن كانت نسبة ضئيلة من تلك الكواكب -أقل من واحد بالمئة من الواحد بالمئة- طورت الحياة على سطحها، فإن ذلك ما زال يعني عشرات الآلاف من الكواكب المسكونة بالكائنات الفضائية بالقرب منا، ولكن إن أردنا معرفة المكان الذي نبدأ منه البحث عن هؤلاء الجيران، نحن بحاجة لفهم شكلها والأماكن التي من الممكن أن تعيش فيها تلك الكائنات.
في النهاية، نحن نريد أن نفهم بقدر المستطاع الأنواع الفضائية هذه قبل مواجهتها؛ مع ذلك فإنه من الصعب التكهن بذلك، والسبب بسيط: إننا لا نملك سوى مثال واحد -الحياة على الأرض- لاستقراء النتائج، فتطور الأعين والأطراف ولعدة مرات على سطح الأرض لا يعني أنها ستظهر مرة أخرى في مكان آخر، ولمجرد إننا مخلوقون من الكاربون ومشفرون بـ “دي إن أي” لا يعني أن الكائنات الفضائية كذلك -فمن الممكن أن يكونوا مخلوقين من السيليكون ومشفرين بـ “إكس إن أي”.
إلا إنني وزملائي في دراستنا الجديدة والصادرة عن (المجلة الدولية للأحياء الفلكية)، نقترح أن هناك مقاربة أخرى للتكهن حول الكائنات الفضائية والتي تستوعب هذه المسألة، وذلك باستخدام نظرية التطور كمبدأ توجيهي؛ فنظرية الانتخاب الطبيعي تتيح لنا القيام بتكهنات لا تعتمد على معطيات الأرض، لذا سنعتمد ومن دون مشاهدة، كائنات فضائية تتنفس النيتروجين.
صاغ دارون نظرية الانتخاب الطبيعي قبل أن نعرف الحمض النووي بكثير، وكيفية حدوث الطفرات الوراثية، أو حتى كيفية انتقال السمات الوراثية، إنها بسيطة بشكل ملحوظ، ولا تحتاج سوى القليل من المكونات للعمل: الاختلاف (لدى بعض الزرافات أعناق أطول من غيرها)، التوريث (لدى الزرافات طويلة العنق صغار طويلو العنق)، والنجاح التفاضلي المرتبط بالاختلاف (تأكل الزرافات طويلة العنق طعاماً أكثر فتنجب أكثر).
الكائنات الفضائية حسب نظرية دارون
نحن نستخدم نظرية التطور -في بحثنا- للقيام بعدد من التكهنات حول الكائنات الفضائية؛ أولاً، قلنا بأن الكائنات الفضائية ستخضع للانتخاب الطبيعي، غالباً ما يعد هذا الأمر مسألة إما مفروغاً منها أو بافتراض إنها غير معلومة، وقد بينا إن للنظرية أساساً صلباً للاعتقاد بأن الكائنات الفضائية ستخضع (أو قد خضعت بالفعل) للانتخاب الطبيعي.
ذلك بسبب “التصميم الواضح” الذي يميز الحياة عن الجماد، كالفرق بين الكائن الحي الخلوي والصخور الساكنة، إذ إن الكائنات الحية تمتلك أجزاءً معقدةً تم ضبطها بدقة لأجل الغرض المحدد لتكاثر الكائن الحي، والسبيل الوحيد للتوصل لهذا التصميم الواضح، أو التكيف، السبيل الوحيد لنيل الحياة، هو عبر الانتخاب الطبيعي.
بناءً على إن الكائنات الفضائية -من المرجح جداً- أن تخضع للانتخاب الطبيعي، نستطيع القيام ببعض التكهنات حول ما ستبدو عليه تلك الكائنات، خاصة أن تكهناتنا هي حول الكائنات الفضائية المعقدة، وبالتعقيد نعني، أي شيء أكثر تعقيداً من فايروس.
حتى الخلية البكتيرية لديها أجزاء معقدة تعمل جنباً إلى جنب لتحقيق أهدافها، كالحركة والأكل، بتعبيرٍ آخر، معظم الكائنات الفضائية التي نرغب باكتشافها، أو التي سيمكننا اكتشافها، ستكون كائنات معقدة، لأن المخلوقات الوحيدة التي من الممكن لها أن تنشأ بدون الانتخاب الطبيعي هي الجزيئات، وهذه من الصعوبة الكشف عنها مادياً وتمييزها عن محيطها من الجزيئات الساكنة على حد سواء، بالإضافة لكونها سريعة الزوال، فمن غير الانتخاب الطبيعي الذي سيجعلها أكثر تكيّفاً مع محيطها، ستختفي؛ حتى وإن تمكنا من إيجادهم، قد لا نصنفهم كأحياء.
نشأ التعقيد على الأرض من خلال مقدار قليل مما يسمى “التحولات الكبرى في الفردية”، حدثت هذه التحولات عند اجتماع كائنات حية مستقلة لتشكل فرداً جديداً أو نوعاً جديداً؛ على الأرض، اجتمعت المورثات لتشكل الجينوم، الكائنات الحية وحيدة الخلية شكلت كائنات حية متعددة الخلايا، مثلنا، وفي حالات نادرة، شكلت كائنات حية متعددة الخلايا كالحشرات مجتمعات تصرفت “ككائنات حية متفوقة” بنفسها؛ تلك حالات نادرة وتتطلب ظروفاً تطورية قاسية لتحدث.
نحن نقترح بأن الكائنات الفضائية المعقدة ستخضع أيضاً لتحولات كبرى، لأنه السبيل الوحيد لتجاوز مرحلة الجزيء البسيط، وبسبب ندرة حدوث الظروف لتحولات كبرى، وبسبب فهمنا لتلك الظروف بشكل جيد جداً من منظور تطوري، فقد سمح لنا هذا الحديث شيئاً ما عن بنية الكائنات الفضائية.
خاصة، وكما أننا (أنا وأنت) نتألف من خلايا، والتي بدورها تتألف من نوى ومايتوكوندريا (الجهاز التنفسي للخلية) والتي تتألف من مورثات، ستتألف الكائنات الفضائية من تسلسل متدرج (مشابه) من الوحدات؛ قد لا تتألف الكائنات الفضائية من “خلايا” كما نظن، لكنها ستتألف من أجزاء كانت يوماً ما كائنات مستقلة، وتلك الأجزاء بدورها ستكون أيضاً – نزولاً حتى المواد الوراثية لتلك الكائنات (أياًّ كانت)؛ لدى أعضائنا آليات مناسبة تضمن عمل جميع الأجزاء سوية لتستمر الحياة في الجسم.
على سبيل المثال، تبدأ جميع خلايانا عملها كخلية واحدة منفردة (البيضة الملقحة)، مما يعني أن كل خلايانا مستنسخة، لذلك تتعاون لتكوّننا؛ إن الكائنات الفضائية ستمتلك سبلاً مشابهة لفرض التعاون بين أجزائها الداخلية، لكل مستوى من الوحدات.
قد لا تمتلك الكائنات الفضائية ساقين اثنتين، وقد تكون بلا سيقانٍ أصلاً، إلا إن بنيتهم، من وجهة نظر تطورية، ستكون مألوفة أكثر بكثير مما نعتقد، وبكونها مألوفة، لا أعني أنها مألوفة ظاهرياً، فقد تبدو، للوهلة الأولى، مختلفة عن أي شيء على سطح الأرض، إلا إنها ستبدو مشابهة أكثر على المستوى الجوهري: أجسامهم مركبة بنفس الطريقة (أجزاء كائنات مستقلة مسبقاً بداخل أجزاء كائنات مستقلة مسبقاً)، وقد خضعت لتاريخ تطوري مشابه (كائنات حية مستقلة تتعاون لتشكل كائنات حية جديدة أكثر تطوراً).
هناك الكثير من العمل بعد لفهم الشكل الذي من الممكن أن تبدو عليه الكائنات الفضائية والمكان الذي قد نجدهم فيه، ويبقى السؤال المحير: “هل نحن بمفردنا” بلا إجابة، ولكن كما بينا، إن لم نكن بمفردنا، فقد نفهم أكثر بُنية جيراننا مما يظهره الخيال العلمي.
رابط المقال باللغة الإنكليزية: هنا