كَتَبَهُ لموقع بيغ ثينك: ديريك بريس
منشور بتاريخ: 27 ديسمبر 2017
ترجمة: رشا الخطيب
تدقيق: عقيل صكر
تصميم: مينا خالد
تعتمدُ الحياة على تحقيق التوازن المحفوف بالمخاطر، حتّى إن إدراك التأثيرات الكلّية قد يكون مُرهقاً، لكن الضياع في التفاصيل قد يكون تعجيزاً، بنفس المقدار.
بالسنوات القليلة الماضية، تم انتاج كمّيات ضخمة من الطاقة تعمل على تحسين الأداء الإدراكي والجسدي، من خلال المُغذيات الدقيقة والمركبات، التي لا يجدر أن نُعيرها انتباهاً.
إنَّ وَلَعَنا بالتسويق والبيع للجزيئات المُنعزلة يُخبرنا الكثير عن عادتِنا الخاصة بالانغماسِ في الخيال، أكثر من الاهتمام بالعلمِ المُفيد. لا يوجد شيء يُدعى بــ “الطعام المثالي”. أنَّهُ فقط طعام، بعضه صحّي وبعضه غير صحّي.
ومع ذلك، فنحنُ نُؤمن بصحّة بعض الأشياء، فالتأثيرات الضارة للسكّر لا يُمكن فهمُها حتّى لو امتلكنا المعلومات الكافية عن الكابوس الاستقلابي، الذي تُمثّلهُ تلك الكربوهيدرات. ومُجدّداً، لم يُسفر عن عقودٍ من التوعية بالآثار القاتلة للتبغ، إقلاع البشر عن التدخين. يُعدّ الإقلاع عن إدمان السكر أكثر صعوبة، خاصةً بالنظرِ إلى مدى انتشاره والأسماء المُبتكرة التي تستخدمها الشركات لتخدع عيونَنا الفضولية، وكما كتبتُ سابقاً هذا العام، يُعتبر السكّر المسؤول الرئيسي في حبّنا المسموم للسجائر.
يتناول المواطن الأمريكي (22.4) ملعقة صغيرة من السكّر في المتوسط يومياً، وهذا يعدّ تدميراً، بغض النظر عن السن. وفي جريدة ركّزت على التطوّر العقلي للمُراهقين، نشر مجتمع “تشوّه الأجنّة” دراسة باسم بحث في تشوّهات الولادة: أدمغة المراهقين. أشارت الدراسة إلى أن السكّر مدمراً للمراهقين بوجهٍ خاص؛ وإن الانتشار الواسع لمشروبات الطاقة والأطعمة السريعة في سنوات المراهقة يؤثر تأثيراً سلبياً على المراحل الأخيرة لتطوّر أدمغتهم.
كتبت (إيمي ريشلت) من (المعهد الملكي للتكنولوجيا) في ملبورن: “أنَّ الأطعمة السريعة تؤثّر بالسلب على اتخاذ القرارات وتحفّز السلوك المُطالب بالمكافآت، ممّا يُعِد المُراهق لحياةٍ مليئةٍ بالعادات الغذائية والسلوكية السيئة. كذلك تؤثّر الأطعمة السريعة المُمتلئة بالسكريات تأثيراً سلبياً على اثنين من أنظمة الناقلات العصبية – وهما إشارات الدوبامين المرتبطة بالمكافأت والانتقال المثبط – خلال مرحلة حَرجة من التطوّر العقلي.”
تُعد فترة المُراهقة رابطة هامّة للمراحل الأساسية الأخيرة من التطوّر العقلي جنباً إلى جنب مع الفترة التي تتزايد فيها التغيّرات السلوكية، وبالتالي خلق “العاصفة المثالية” حيث يمكن لخيارات نمط الحياة تغيير مسار التطوّر العقلي وتترك أثراً طويل الأجل على الصحة العقلية.
وبالنظر إلى مدى سهولة الحصول على الأطعمة السريعة ورخص ثمنها وغناها بالطاقة وافتقارها للمواد الغذائية بالنسبة للمراهقين، وحيث أن المراهقين يستهلكون أعلى كمّيات من تلك الأطعمة عن أي فئة عمرية أخرى، فإن ذلك ستتبعه حياة مليئة بالاختيارات السلوكية السيئة إذا لم نتدخل في ذلك. فالازدياد المُذهل في معدلات السُمنة في البالغين وليس المراهقين والأطفال فحسب، يبعث على القلق حيث بلغت نسبة انتشار السُمنة بين الأطفال الأمريكيين حالياً إلى 31%.
ينجم عن التغييرات في دائرة المكافآت في الدماغ، المُحفّزة عن طريق تناول الأطعمة السريعة، أداء عقلي وانفعالي سيء. يعاني المراهقون (البالغين مستقبلاً) من تزايد السلوك المتهوّر وضعف في الذاكرة والتفاعلات الاجتماعية. ويُعاني الذكور بالتحديد ضعف القُدرة على كبح سلوكهِم بعد استهلاك كمّيات كبيرة من المشروبات المُحلاة بالسكّر، حيث يتأثّر الحُصَين (بُنية تشريحية في الدماغ) بالأنظمة الغذائية مُرتفعة السكّر و الذي يُسبّب أيضاً عجزاً في الإدراك بمرور الوقت.
إن الاستهلاك الزائد للأطعمة السريعة خلال فترة المُراهقة يُسبّب تغيّرات عصبية مُحدّدة، على نظم المكافآت الذي ينعكس على تطوّر الدائرة العصبية بالمناطق الجبهية المُخططة والجبهية الصدغية، وهذا يُقلّل من القُدرة على التثبيط السلوكي خلال فترة المراهقة، ويؤدّي إلى التغيّرات السلوكية، التي يُمكن مُلاحظتها في المهام الادراكية المُعتمدة على تلك النظم.
قام (كريستن كوران) و (سيسل مارزينك) بجامعة شمال كنتاكي، بدراسة على مشروبات الطاقة. تركّزت الدارسة على الأثار المُضرّة لنوعٍ آخر من الأطعمة السريعة، يحتوى على نسبةٍ عاليةٍ من الكافيين والتورين، تضمّن البحث أيضاً المشروبات الكحولية، حيث أن مشروبات الطاقة عادةً ما تتكوّن من أمزجة شائعة. تلك الصناعة العالمية المُتوقّع وصولها لـ (60) مليار دولار، هي مصدر قلق للكتّاب بالنظر إلى الخليط البغيض من الكافيين والتورين
تُشير البيانات إلى أن السن هو عاملٌ هامٌ في درجة التأثّر بسمية كلٍ من الكافيين والتورين. وبالرغم من أنَّ دماغ الشخص العجوز أو المريض قد يستفيد من مُكملات التورين أو الكافيين، يبدو أن المراهقين لا يستفيدون من تلك المُكمّلات، وفي الحقيقة قد يصابون بالمرض من تناول كميات كبيرة لوقت طويل.
حيث أن مشروبات الطاقة تُباع على أنها مُكمّلات غذائية، فإن الشركات ليست مُلزمة بذكر مستويات الكافيين. وبينما سمية الكافين كثيراً ما لا يتم مناقشتها (45%) من جميع الحالات المُبلّغ عنها تحدث للأطفال أو المراهقين.
ذكرَ (كوران) و (مارزينك) أن مُستويات الكافيين في مشروبات الطاقة تتراوح من نسبة (50-مغم) الآمنة نسبياً إلى النسبة الهائلة (505-مجم). يملك مشروب الطاقة الواحد القدرة على رفع نسبة (70%) من الأطفال و (40%) من المراهقين فوق مستويات التأثير المعاكسة، باعتبار أنها (3-مغم) إلى (كغم) في اليوم.
يُمكن أن يُزيد الكافيين من ضغط الدم ومعدّل ضربات القلب؛ وتزيد احتمالات ذلك عند خلطه مع حمض الأميني التورين. واستناداً على دراسة تمّت على الفئران، شارك المؤلفون المشكلات الإدراكية التي يُمثّلها ذلك المزيج. وبينما اعترفوا بالتأثيرات الإدراكية الإيجابية للكافيين على البالغين، فإنهم خلصوا إلى أنَّ العقل خلال مرحلة البلوغ المُبكّر حسّاسٌ للغاية إلى تأثيرات الكافيين، والشعور بالتعب بالنسبةِ لطفلٍ في مرحلة التطوّر هو مؤشّر على الحاجة للراحة، ودليل أيضاً على الحاجة للتخلّص من سيطرة الكافيين.
تتمثّل المشاكل الرئيسة للتطوّر العقلي في ضعف الذاكرة والقُدرة على التعلّم، وذلك شبيهٌ بالمشاكل التي نتعرّض خلال الزيادة المُفرطة في تناول الأطعمة السريعة. ينتج عن المواد التي تسبّب الإدمان تسبّب الاختلال الزمني، فنحن لا نلاحظ المشاكل عندما نكون في خضمها. للمراهقين المدمنين على السكّريات والكافيين والتورين، يُعد البلوغ ببساطة استمرار سلس في ممارسة العادات السيئة التي ساهمت في تشكيل فكرتهم الأولى عن كينونتهم ومهامهم ككائنات.
حيث أن السمنة تغيّر من الحمض النووي للأجيال القادمة ولحين نتخلّى عن حبّنا المسموم لتلك المواد المسبّبة للإدمان، فلا شك أنّنا سنعوّد أجسادنا المتنوعة شديدة الفاعلية التي ساعدتنا على التطوّر على مدار ملايين السنين. وحتّى نغيّر بيئتنا، هنالك فرصة ضئيلة في تغلّبنا على المشاكل الإدراكية والسلوكية التي تعصف بمجتمعنا. يُعرّف التطوّر بأنّهُ صراع من أجل البقاء. في الوقت الراهن ومع انتشار السكّريات، نحن من سنعاني.
المقال باللغة الإنجليزية: هنا