كَتَبَهُ لموقع (بيغ ثينك): فيليب بيري
منشور بتاريخ: 14\1\2018
ترجمة: مصطفى ماجد
تدقيق: عقيل صكر
تصميم: مينا خالد
إن أسطورة الخلق في الكتاب المقدّس مشهورة في جميع أنحاء العالم. كما ساعدت في رسم شكل الحضارة الغربية. وفقاً لكتاب ستيفن غرينبلات، “صعود آدم وحواء وسقوطهما”، “على مدى قرون عديدة، شكلّت هذه القصة الطريقة التي نفكّر بها حول الجريمة والعقاب، المسؤولية الأخلاقية، الموت، الألم، العمل، المتعة، الرفقة، الزواج، نوع الجنس، الفضول، العلاقات الجنسية وإنسانيتنا المشتركة. “ما يدور حوله التساؤل ليس ثأثيره أو أهميته ولكن حول الفكرة الحرفية التي تندرج ضمن إحدى قصص أصل الإنسان الأكثر شهرة.
هل يستطيع شخصان حرفياً ملء الأرض بالسكان؟ هذا أمر مستبعد للغاية. لماذا؟ لسببٍ واحد، فإن مثل هذا السيناريو قد يجعل من الصعب على البشر أن يصبحوا الأنواع السائدة على الأرض. في عام (2013)، حدّد فريق من الباحثين الحدّ الأدنى لعدد السكان المطلوب قبل (60) ألف سنة، بالنسبة للبشر الذين يُغادرون أفريقيا ليصبحوا في نهاية المطاف أرقى الأنواع. ولكي ينجح التوسّع العالمي، سيكون هنالك حاجة إلى (2,250) فرداً للقيام بالرحلة الى شمال، إلى أوروبا، آسيا والشرق الأوسط، بينما يُعتقد أن (10,000) سيبقون في أفريقيا.
يُعتبر هذا تقديراً متحفّظاً، حيث توصّل إليه عُلماء الوراثة السكانية من خلال النظر في أعداد السُكان وحساب تقديرات معقولة لمعدّلات الطفرات والعوامل الوراثية الأخرى، لمعرفة مدى صغر مجموعة سكانية يمكن أن تتواجد بحيث تسمح بمستوى عال من التباين الجيني، الذي نراه اليوم ضمن الأنواع البشرية.
وسبب آخر، من أجل البقاء والازدهار، يحتاج النوع إلى مجموعة متنوّعة من الجينات. أطفال أي زوجين من الناس هم أشقاء ونتاج زواج كل من الأشقاء هم أبناء عمومة. الأطفال الذين يولدون لأبوين متقاربين جينيا، هم أكثر عرضة لأن يعانوا من الإعاقات الجسدية أو العقلية أو المتعلقة بالنمو.
سفاح المحارم محرم في جميع أنحاء العالم لأسباب وجيهة. وجدت إحدى الدراسات التي راقبت الأطفال (التشيكوسلوفاكيين) الذين ولدوا بين عامي (1933 و1970)، إن ما يقرب من (40%) من الاطفال الذين ولدوا من آباء وأُمهات ذو قرابة من الدرجة الأولى يحملون نوعاً من الإعاقة الشديدة. الأمراض الموروثة مثل هذه نادرة الحدوث وعادةً ما تحدث عندما يتم توريث نسختين من نفس الجين من قبل كلا الوالدين إلى الشخص.
لا يمثّل امتلاك المتغايرات الجينية المتنحية مشكلة إذا حصلنا عليها من أحد الوالدين فقط. في الواقع، يحمل كل شخص تقريباً على قيد الحياة اليوم واحد أو اثنين من المتغايرات الجينية التي يمكن أن تكون مميتة [التغاير الجيني: تغير في تتابع القواعد النيتروجينية للحمض النووي وهو مصطلح بديل لمصطلح “الطفرة”]. (المترجم). لكنها لا تكون مؤثرة، لأنّنا ورثنا نسخة واحدة فقط. عندما يكون لدى الشخص اثنين من نفس المتغاير الجيني المتنحي الخطير يظهر تأثيره، وهذا أكثر احتمالاً في حالة زواج الأقارب.
عند النظر في حالة جزيرة (بينجلاب) في غرب المحيط الهادئ. بعد أن قضى الإعصار على كل السكان تقريباً في القرن الثامن عشر، لم ينجو سوى (20) شخصاً، توجب عليهم العمل على إعادة الكثافة السكانية للجزيرة. من بينهم، كان هناك من يحمل مرض عمى الالوان، وهو اضطراب نادر متنحي يسبب عدم القدرة على التمييز بين الألوان. اليوم، يؤثر على (10%) من سكان الجزُر المرجانية. أصبحوا ضحايا لتأثير المؤسس، وهو عندما يؤثّر نقص التنوّع الوراثي على السكان. [تأثير المؤسس: هو فقدان التنوع الجيني للسكان يحدث عندما يَنشأ جيل جديد من السكان من عدد صغير جداً من الأفراد]. (المترجم).
مثال آخر، العائلات المالكة في أوروبا الذين اعتمدوا على الزواج بين الأفراد داخل العائلة المالكة فقط، للحفاظ على السلطة بأيديهم لعدّة قرون. “تشارلز الثاني” هو واحد من أفضل الأمثلة على هذه الحالة. كان لديه عدد من الإعاقات العقلية والجسدية، وكان عقيماً، ولم يتعلّم المشي حتّى سن الثامنة. وكان “معدّل زواج الأقارب” المُرتفع للغاية هو السبب. كان لديه تنوّع جيني أقل ممّا لو كان والداه شقيقين.
في الواقع، يختار البشر شريكه بشكلٍ جزئي استناداً إلى مدى اختلاف جينات الشخص الآخر. نحن ننجذبُ بشكلٍ طبيعي إلى أولئك الذين لديهم جينات مناعية مُختلفة عن التي نحملها نحن. الفكرة هي أن امتلاك مجموعة متنوّعة من جينات الجهاز المناعي سيُعطي الذريّة فرصةً أفضل للبقاء على قيد الحياة.
فلنفترض أنَّ هنالك حدثاً كارثياً قد حدث، أباد جميع البشر على وجه الأرض تقريباً، أو أنّنا أردنا استعمار كوكباً آخر. كم عدد الأفراد الذين سنحتاجهم لإنشاء مجتمع إنساني صحي؟ وقال الدكتور “فيليب ستيفنز” من جامعة دورهام في أستراليا لـ(بي بي سي-BBC) إن (50) شخصاً يُمكن أن يُحافظوا على استمرارية الجنس البشري، دون الوقوع في (تأثير المؤسّس).
بينما مجموعة من (500) شخص سوف توفّر مجموعة جينات مُتنوّعة بما فيه الكفاية للسماح للذرية بالتكيّف مع الأوضاع الجديدة أو البيئة الجديدة. وستكون هنالك حاجة إلى (5000-500) للتغطية على التغيّرات الجينية العشوائية (الطفرات) عندما تنتقل الجينات من جيلٍ إلى جيل.
اليوم، التنوّع الجيني لدى تجمّعات الشمبانزي أكبر ممّا لدى جميع البشر على الأرض والذين يبلغ عددهم سبعة مليارات (والعدد في ازدياد). السبب في ذلك هو أن السكان البشر تباطء نمو اعدادهم بين (50،000 و100،000) سنة مضت. في ذلك الوقت، كان هناك (1000) إنسان فقط على الأرض في أي وقت من الاوقات على مدار حوالي مليون سنة
إذن هذه الأرقام ليست مطلقة. “والدليل قوي جداً على الآثار قصيرة المدى للتنوع الجيني المُنخفض”، قال الدكتور ستيفنز، “لكن كل هذه الأمور محتملة. هناك قصص رحلات مذهلة إلى حافة الهاوية (أي شيء ممكن)”.
على الرغم من أنّه قد لا يكون هنالك (آدم وحواء) بالمعنى الحرفي، فإن جنسنا لديه “آدم الجيني” و “حواء المايتوكوندريا”. آدمنا الجينيي كان رجلاً يمتلك كروموسوم (Y) تم تناقله في سلسلة من التوارثات غير المُنقطعة تبدأ في إفريقيا، تقريباً. من (125،000) إلى (156،000) سنة مضت. على الرغم من أنَّ بعض الدراسات الأخرى تقدّم أُطراً زمنية مُختلفة، فإن النتائج هي نفسها.
لم يكن آدم أوّل رجل على وجه الأرض، ولكن الشخص الذي كان محظوظاً بما فيه الكفاية لتمرير صفاته الوراثية حتى اليوم. بدلاً من كونها أوّل أنثى من نوع ما من الكائنات، فإن “حواء الميتوكوندريا” هي أوّل أنثى تورّث حمضها النووي الموجود في المايتوكوندريا عبر أجيال من الإناث، إلى اليوم.
يعتقد الباحثون أنَّهُ من غير المُحتمل أن يكون آدم وحواء الجينيين يعرف كل منهما الآخر، وبالتأكيد لم يكونا أوّل الأشخاص على هذا الكوكب. كانوا فقط محظوظين بما فيه الكفاية لتوريث جيناتهم ورؤيتهم لهذه الجينات يتم توارثها مراراً وتكراراً في سلالات متواصلة في التاريخ البشري، متواصلة حتى الحاضر وما بعده.
المقال باللغة الانجليزية: هنا