العلماء والفلاسفة يُجيبون على أسئلة الاطفال الاكثر إلحاحاً عن كيفية عمل العالم…
لماذا نقع في الحب؟ مم نحن مصنوعون؟ كيف يكون نظام عمل الاحلام؟ والمزيد من الاسرار الاخرى البسيطة عن كيفية عيشنا، يتسائل بها الصغار.
فمثلا هناك سؤال لفتاة تبلغ من العمر 9 سنوات تقول فيه لماذا لدينا كتب؟ ارجو اجابتي اجابة صحيحة مع فائق الاحترام! ثم تضيف تلك الفتاة الصغيرة سؤالا اخر تقول فيه: “اذا كنت ترغب بعمل فطيرة التفاح من الصفر كيف تفعل ذلك؟” وقد اجابها العالم الشهير كارل ساجان مقدم برنامج “الكون” :” يجب ان يوجد الكون اولا”!.
الاسئلة التي يسئلها الاطفال غالبا ما تكون بسيطة جدا، لكنها اساسية جدا، بحيث تتحول عن غير قصد الى بعد فلسفي عميق، انظر الى تساؤل الفتاة حول اشتراط عمل فطيرة التفاح من الصفر ونوع الاجابة عليه.
لاستكشاف هذا التقاطع الخصب بين البساطة والاتساع طلبت جيما الوين هاريس من الاف الاطفال من المدارس الابتدائية الذين تتراوح اعمارهم بين الرابعة واثنتي عشر سنة، طلبت منهم ارسال اكثر اسئلتهم الحاحا ثم دعت ابرز العلماء والفلاسفة الموجودين اليوم للاجابة عليها والنتيجة هي كتاب” الاسئلة الكبرى من الصغار والاجوبة البسيطة من العقول العظيمة” الكتاب فيه خلاصة وافية من التفسيرات الرائعة للظواهر اليومية البسيطة والمخادعة. ويضم الكتاب اجابات لسلسلة من رموز العلم والفلسفة في العصر الحديث منهم ماري روش، نعوم تشومسكي، فيليب بولمان ، ريتشارد دوكنز وغيرهم الكثير. لقد ذهبت اجزاء كبيرة من العائدات لمؤسسة “انقذوا الطفولة”.
وفي ثنايا الكتاب نجد آلان دي بوتون يستكشف لماذا نحلم:
في اغلب الاوقات، انت تشعر بالسيطرة على عقلك ، اذا كنت تريد لعب الليغو مثلا فدماغك موجود لتحقيق ذلك . لديك رغبة بقراءة كتاب؟ يمكنك من خلال المرور بعينيك على الحروف ان تنشط خيالك فتظهر لك شخصيات من العدم في خيالك. بينما في الليل، وانت في سرير النوم ، ستحدث اشياء غريبة ومدهشة سيصنعها عقلك، واحيانا ستكون من اكثر العروض رعبا التي ستمر بحياتك.
في غابر الازمان، كانت الناس يعتقدون ان الاحلام مليئة بقرائن تدل على المستقبل، اما في الوقت الحاضر فنحن نميل للاعتقاد بان الاحلام وسيلة العقل لاعادة ترتيب وربط الاحداث بعد فعاليات واحداث اليوم الذي عشته.
لماذا تكون الاحلام مخيفة احيانا؟ خلال النهار، يمكن ان تحدث اشياء تخيفنا ولكننا مشغولون جدا وليس لدينا الوقت للتفكير بشكل صحيح عن تلك المخاوف. في الليل، وحين ننام بسلام، يمكننا ان نقوم باشعال تلك المخاوف، او ربما حدث امر جميل خلال نهارك الفائت ولكنك كنت في عجلة من امرك ولم تعطه الوقت الكافي للتفكير، ستجده يطفو على السطح اثناء المنام. في الاحلام، انت تعود للرد على الاشياء التي افتقدتها، او محاولة اصلاح ما تضرر، او خلق القصص عمّن تحب، او استكشاف المخاوف التي عادة ما تضعها في الاجزاء الخلفية من عقلك.
ستجد ان الاحلام اكثر حماسة وروعة او اكثر اثارة للمخاوف من الحياة اليومية، وهذه علامة على ان ادمغتنا الات رائعة وان ادمغتنا لديها قوى وصلاحيات لا نُعير لها الاهتمام غالبا، ونظن اننا نستخدم ادمغتنا لاداء الواجب المدرسي او اللعب بالكومبيوتر دون الانتباه لاهمية الدماغ الحقيقية وقدراته. تُبين لنا الاحلام اننا لسنا المسيطرين تماما على انفسنا واننا لسنا زعماء انفسنا.
***********************************
عالم الاحياء التطورية ريتشارد دوكنز يسعى لاثبات ان جميع البشر والكائنات الاخرى ذات صلة مع بعضهم البعض إذ يقول مجيبا على اسئلة احد الاطفال:
نعم، نحن جميعا متصلون، كنت “ولكن من جد بعيد” ابن عم الملكة ، وكذلك ابن عم رئيس الولايات المتحدة . انت وانا وهم ابناء عمومة مع بعضنا البعض ، يمكنك ان تثبت ذلك بنفسك.
فكل شخص لديه والدان والوالدين كل منهما لديه والدان وهلم جرا .اي يمكنك العودة الى اي عدد من الاجيال السابقة والعمل عليها والبحث حولها لتجد اننا قريبون من شخص ما انت تحدده.
لنفترض اننا نعود لعشرة قرون، لايام القبائل الانجلوساكسونية وقبل الفتح النورماني لانكلترا ، ربما ستجد ان العديد من اسلافك كانوا على قيد الحياة في ذلك الوقت هم أقارب أناس في يعيشون في الطرف الآخر من العالم.
ان عدد سكان العالم زمن يوليوس قيصر كان بضعة ملايين فقط، وكل واحد منا، نحن المليارات السبعة ينحدرون من اولئك. نحن نرتبط فيما بيننا اكثر مما نتوقع. فكل زواج هو زواج بين ابناء عمومة سواء بعدوا او قربوا فعند البحث سنجد ان الكثير من الاقارب يتشاركون بالفعل بنفس الاجداد حين البحث.
وعلى نفس نمط الحجة نحن ابناء عمومة ليس لجميع البشر فقط بل لجميع الحيوانات والنباتات فربما كنت ابن عم للخس الذي تتناوله او ابن عم احد الطيور التي تراها من نافذتك.
**************************
اما ديفيد ايغلمان عالم الاعصاب، فيجيب عن سؤال : لماذا لا نستطيع دغدغة انفسنا؟
لنفهم لماذا، علينا ان نعرف المزيد عن كيفية عمل الدماغ ، فواحدة من مهامه الرئيسية هي محاولة اكتشاف التخمينات الجيدة حول ما سيحدث بعد ذلك. فبينما انت مشغول بامور حياتك، كالنزول للطابق السفلي او تناول وجبة الافطار فاجزاء من دماغك تحاول ان تتنبا بالمستقبل. هل تذكر عندما تعلمت ركوب الدراجة اول مرة؟ ففي البداية تاخذ منك الكثير من التركيز للحفاظ على ثبات المقود وتحريك الدواسات. لكن بعد فترة زمنية معينة، اصبح ركوب الدراجة امرا يسيرا، انت الان لا تمتلك ان تبذل كل ذلك الجهد الذي بذلته للحفاظ على اتزانك في الدراجة ذهابا وايابا . فمن التجربة، تعلّم دماغك بالضبط كيف يتوقع ان يستوي جسمك على الدراجة تلقائيا. فالدماغ يتوقع جميع الحركات التي تحتاج لعملها لقيادة الدراجة.
انت تحتاج الى الوعي متى ما حدث تغيير حول امر ركوب الدراجة كهبوب ريح قوية او ان تمر في طريق فيه زيت مثلا، حيث سيضطر العقل لتغيير التوقعات بناء على ما سيحدث بعد ذلك. اذ عليك ان تتكيف مع الرياح القوية مثلاحتى لا تقع . هل ان هذا الامر مهم لعقولنا “اي التنبؤ لاحداث ستقع بعد ذلك؟ نعم، انها تساعدنا على تقليل عدد الاخطاء، حتى نتمكن من انقاذ حياتنا.
لذا-بالعودة للسؤال حول دغدغة نفسك- فان الدماغ يتوقع جميع الحركات التي تقوم بها لذلك لن يستشعر جسمك النتيجة، لذا لا يمكنك دغدغة نفسك. يمكن للاخرين دغدغتك لانها تمثل مفاجاة لك، لانك لا تتوقع للاخرين كيف سيدغدغونك.
*****************
اما فيزيائي الجسيمات وعالم الكونيات لورنس كراوس فيفسر لنا لماذا نحن مصنوعون من غبار النجوم:
كل شيء في جسمك او كل شيء تراه من حولك، يتكون من اشياء صغيرة جدا تسمى الذرات. الذرات تاتي في انواع عديدة تسمى العناصر، الهيدروجين والاوكسجين والكربون من اكثر العناصر اهمية في الجسم.
كيف نحصل على العناصر تلك في اجسادنا؟ للتعرف على ذلك علينا ان نفهم كيف تكونت الارض. حيث تكونت الارض من نجوم انفجرت منذ ازمان بعيدة وانتشرت مكوناتها في الفضاء، ثم قبل حوالي 4.5 مليار سنة تشكلت مجموعتنا الشمسية. ففي هذا الجزء من مجرتنا بدات المواد بالتشكل بعد الانهيار الذي حدث للنجوم. هذه هي الطريقة التي تشكلت بها الشمس والنظام الشمسي من حوله وكذلك الارض وجميع اشكال الحياة عليها.
لذلك فان الذرات في جسمك تشكلت سابقا داخل النجوم . وقد تكون الذرات في يدك اليسرى من نجم مختلف عن الذرات في يدك اليمنى. انت حقا طفل النجوم.
***************************
لكن اجابتي المفضلة هي على سؤال يجتاح كل شيء، انه سؤال كيف نقع بالحب؟ تُجيب الكاتبة جانيت وينترسون بشاعرية:
انت لا تقع في الحب كوقوعك في حفرة ، بل انه مثل الوقوع من الفضاء . انه مثل القفز من كوكب تعيش فيه الى كوكب يعيش عليه شخص اخر. وعندما تصل الى هناك، سيبدو لك كل شيء مختلف، الزهور والحيوانات ، الملابس التي يرتديها الناس. انها مفاجاة كبيرة ان تقع في الحب لانك كنت تحيا في كوكبك الخاص بك، لكن بعد قفزتك الفضائية تلك تغير كل شيء فقد وقعت في مدار كوكب اخر واندمج الكوكبين معا فيما يسمى “المنزل”
اذا كل ما عليك فعله لتقع في الحب: ان تكون شجاعاً.
***************************
اما المتخصص في علم النفس التطوري وعلم الاجتماع روبن دنبار يوازن بين النظرة الشاعرية والنظرة العلمية للحب فيتحدث عما يجري في الدماغ عندما نحب فيقول:
ما يحدث عندما نقع في الحب هو على الارجح واحد من اصعب الامور للشرح. انه شيء نقوم به دون تفكير. في الواقع، اذا كنا نفكر في الحب كثيرا فعادة ما ينتهي الحب على نحو خاطئ. عندما نقع في الحب فان الجزء الايمن من الدماغ يكون مشغولا جدا ويظهر فعالية عالية، يبدو ان الجانب الايمن من الدماغ له اهمية خاصة لعواطفنا ، بينما اللغة تُحدث نشاطا كبيرا في الجانب الايسر من الدماغ وهذا هو احد الاسباب التي تجعل من الصعب جدا ان نتحدث عن عواطفنا ومشاعرنا فمجالات اللغة في الجانب الايسر لا يمكن ان ترسل الرسائل بصورة جيدة الى المناطق العاطفية في الجزء الايمن من الدماغ، لذا نتعثر بالكلمات في تلك اللحظات الحرجة ونكون غير قادرين على وصف مشاعرنا .
ان الات مسح الدماغ تتيح لنا مشاهدة الدماغ اثناء العمل. حيث نرى اجزاء مختلفة من الدماغ تضيء على الشاشة اعتمادا على ما يقوم به الدماغ. عندما يكون الناس في حالة تكون المناطق العاطفية نشطة جدا فتضيء، لكن الاجزاء الاخرى من الدماغ والتي تكون مسؤولة عن التفكير والقرارات العقلانية تكون اقل نشاطا من المعتاد. لذا فان المناطق التي ستقول لك :”لا تفعل ذلك انه ضرب من الجنون” ستكون مطفئة تقريبا بينما المناطق العاطفية ستقول:”هيا كن شجاعا، انه امر جميل”.
من الاسباب الاخرى للوقوع بالحب هو المواد الكيميائية المتدفقة في ادمغتنا. واحد منها يسمى الدوبامين وهذا يعطينا الشعور بالاثارة. الاخر يسمى الاوكسيتوسين وهذا يكون مسؤولا عن الشعور بالراحة عندما نكون مع الحبيب. لكن كل ذلك لا يُفسّر لنا لماذا نقع في حب شخص معين. حيث تحيط بالامر شيء من الغموض حيث لا يبدو ان هناك سبب وجيه لاختياراتنا.
ان هذا الكتاب اسئلة كبيرة من الصغار هو كتاب رائع حيث يُجيب فيه اكثر من 75 من العلماء والكتاب لتوضيح عجائب العلوم ومن المؤكد ان ذلك سيُريك انك تعرف اقل مما تعتقد ، او على اقل تقدير سيُحيي فيك الكتاب ذلك الفضول الطفولي لمعرفة الانسجة الاساسية للعالم الذي نعيش فيه.
المصدر: هنا