كشفّ موقع لايف ساينس (Live Science) عن أزدياد عدد الآثار المُهربة إلى الولايات المتحدة في السنوات الآخيرة من تركيا- البلد الذي يتشارك حدودًا طويلة مع الدول التي مزقتها الحربّ، العراق و سوريا.
و كشفتّ الوثائق التي حصلت عليها لايف ساينس من مكتب الإحصاء الآمريكي أن الزيادة بدأت في السنوات التي أعقبتّ الأحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 وتصاعدت أكثر بعد بداية الحرب الأهلية السورية في عام 2011. إجمالاً، تكشفّ الوثائق أنه منذ عام 2003، تبلغّ القيمة ألاجمالية للقطع ألاثرية التي تم تهربيها بنجاح من تركيا إلى الولايات المتحدة حوالي 283 مليون دولار. ( وقال المتحدث بأسم الجمارك وحماية الحدود الآمريكية, أن قيمة إعادة بيع القطع الآثرية قد تكون أعلى.)
عملات ذهبية بقيمة 26 مليون دولار وعملات غير الذهبية بقيمة 15 مليون دولار هذه قيمة بعض القطع الآثرية المنهوبة. تفاصيل باقي الشحنات وبنيتها غير معروفة، مع وجود وثائق تفيد بأن عمر المحتويات أكثر من 100 عام، ويُهدف لآستهلاكها بدلاً من عرضها في أي متحف. شُحنت العديد من القطع الآثرية الى مدينة نيويورك، و هي موطن للعديد من أماكن البيع بالمزادات، وتجار الآثار والمعارض الفنية. وليس واضحًا عدد القطع الآثرية التي نُهبتّ.
تشير الوثائق أنه بين عاميّ 1993 و 2002 صُدرت للولايات المتحدة قطعٌ أثرية من تركيا بقيمة 68 مليون دولار فقط. وكانت أخر مرة حدثّ فيها أرتفاع في صادارات القطع الآثرية عام 1992 في أعقاب حرب الخليج الآولى وأنهيار الآتحاد السوفيتي( بلد يتشارك مع تركيا في الحدود) حيث صدرتّ الى الولايات المتحدة قطعٍ أثرية من تركيا بقيمة 85 مليون دولار في عامٍ واحد.
تفشيّ النهبّ
ارتفع النهبّ في العراق وسوريا بعد أن بدأت الحروب وهو مرئي في صور الأقمار الصناعية في كلا البلدين. وقد وَجدت العديد من الدراسات الأكاديمية والتقارير الإعلامية أن بعض القطع الأثرية المنهوبة تم تهريبها إلى تركيا قبل إرسالها إلى بلدان أخرى. تظهر تلك التقارير والدراسات أيضا أن الجريمة المنظمة والمنظمات الإرهابية، مثل داعش، قد أستفادت من عمليات السلب والنهب.
وقال مايكل دانتي، المدير الآكاديمي للمدراس الآمريكية لمبادرات أبحاث التراث الشرقي وهو مشروع يرصد نهبّ و تدمير المواقع ألاثرية في سوريا والعراق ” أن أزمة اللاجئين وعدم الأستقرار في الشرق الأوسط حولت جنوب تركيا إلى شيء أشبه بالجنة لعصابات الآتجار بالبشر وتهريب الأسلحة وكل أشكال التهريب.”
شُحنات ذهبية
شحنات من العملات الذهبية هي التي ساعدت في دفع زيادة النهب والتهريب. بينتّ الوثائق أن بين عامي 1989 و 2002، فقط 2.5 رطل (1.1 كجم) من العملات الذهبية الآثرية صُدرت من تركيا إلى الولايات المتحدة. قفز هذا الرقم إلى 57 رطلاً (26 كلغ) بين عامي 2003 و 2010، ثم إلى 112 رطلاً (51 كلغ) بين عامي 2011 ويوليو 2016.
في حين لم يتم تحديد العدد الدقيق من العملات الذهبية التي شُحنت منذ عام 2003، تظهر الوثائق أن العملات الذهبية تزن 169 رطلاً (77 كلغ)، التي تكون مساوية لأكثر من 13000 من أرباع العملات الأمريكية الحديثة .
ما سبب الزيادة؟
سُكتّ النقود في الشرق الأوسط لحوالي 2500 سنة، وقال دانتي أن المهربين في سوريا والعراق قد أستهدفوا هذه القطع الأثرية في مواقع تعود إلى حدود تلك الفترة الزمنية. نحن نرى الكثير من الحفر الضحلة قرب السطح في المواقع التي أحتلت بشكل كبير مؤخرًا [في غضون ال2500 سنة الآخيرة] ، وأضاف ” لدينا صور للصوص يستخدمون أجهزة الكشف عن المعادن في تلك المواقع ولدينا روايات شهود العيان.”
و قال دانتي ” إن الأسباب لنهبّ القطع النقدية على وجه التحديد هو أن لها سيولة عالية وسوق متطورة، فهي سهلة التهريب، ومن السهل تحديد ما يمكن أن تكون القيمة الإجمالية لعملة واحدة أو الكثير منها.”
وأضاف دانتي ” لدينا معلومات حول ما كانت تقوم به داعش في العام الماضي، تحديدًا كان نهب لآجسام معدنية, وخاصة القطع النقدية، وكانت المجموعات الآخرى تفعل الشيء ذاته.”
و قال “بالإضافة إلى النهبّ، فأن اللاجئين الذين يعبرون الحدود إلى تركيا قد يبيعون العملات الذهبية العتيقة المتوارثة في أسرهم منذ عقود.”
وقال عمر العظم، وهو أستاذ في جامعة ولاية شوني في ولاية أوهايو، الذي درسَ سابقًا في جامعة دمشق في سوريا ” أن عدم أستقرار العملات المحلية في منطقة الشرق الأوسط يمكن أيضا أن يقود الناس إلى تحويل أموالهم إلى الذهب.”
وأوضح العظم أن بعض السبائك المستخدمة في الشرق الأوسط اليوم يتكون من القطع النقدية التي تعود إلى أكثر من 100 عام من أيام الإمبراطورية العثمانية (التي ازدهرت 1299-1921). وقال العظم كانت بعض هذه القطع النقدية العثمانية في أستخدام مستمر لأكثر من قرن، وليس بالضرورة أن تكون نهبت من موقع أثري. وقال إن الناس يمكن أن ترسل هذه السبائك إلى الولايات المتحدة لحفظها.
وقال كل من دانتي والعظم أن مزيدًا من المعلومات حول تاريخ وأصل القطع النقدية يمكن أن تسلط الضوء على ما إذا كانت القطع الأثرية جلبت بشكل غير قانوني الى الولايات المتحدة. منعت قوانين الخصوصية لايف ساينس من الحصول على معلومات أكثر دقة عن تاريخ النقود. ومع ذلك، تظهر الوثائق أن القيمة التي علقها المستوردين على العملات الذهبية كانت أكثر بكثير من وزن القطع النقدية في الذهب.
وقد تفاوتت أسعار الذهب بشكل كبير منذ عام 2003 عندما بدأت زيادة الصادرات. ومع ذلك بسعر اليوم (1,318 دولار للأونصة)، 169 رطلاً من الذهب سيكون قيمتها نحو 3.3 مليون دولار. وأظهرت وثائق أن المستوردين أعلنوا أن سعر العملات ما يقرب من 26 مليون دولار.
في الوقت الحالي
تركيا ليست البلد الوحيد الذي يشهد زيادة كبيرة في صادرات القطع الأثرية. في أغسطس، لايف ساينس نشرتّ تحقيق يبين أن قطعًا أثرية قيمتها 143 مليون دولار تم تصديرها من مصر إلى الولايات المتحدة منذ قيام الثورة المصرية عام 2011، وهي زيادة كانت مدفوعة أيضا في جزء منها بزيادة في العملات الذهبية.
وقد كشفت وثائق مكتب الآحصاء الأميركي أيضًا شحنات قطع أثرية مشبوهة قادمة مباشرة من سوريا والعراق إلى الولايات المتحدة. تم إرسال شحنة واحدة من العراق الى سان خوان، بورتوريكو، في أغسطس 2013، وكان القيمة المعلنة لها3500000 مليون دولار. كانت ببساطة مدرجة على أنها “تحف” عمرها أكثر من 100 سنة.
محاولات لايف ساينس لمعرفة ما الذي تحتويه الشحنة الواردة الي بورتوريكو لم تكلل بالنجاح.
المصدر: هنا