الرئيسية / فيزياء / مقدمة عن المسألة الهرمية في الفيزياء

مقدمة عن المسألة الهرمية في الفيزياء

كثير منا سمع بقانون نيوتن في الجاذبية، قوة الجذب بين جسمين تتناسب طردياً مع حاصل ضرب كتلتيهما وعكسياً مع مربع المسافة بين مركزيهما، وكثير منا يعلم ايضاً ان هناك قانون مشابه له في الصيغة التي تحكم القوة الكهربائية بين شحنتين، حيث تتناسب القوة الكهربائية بين جسمين مشحونين، كإثنان من الالكترونات، طردياً مع حاصل ضرب شحنتيهما وعكسياً مع مربع المسافة بينهما.

من هذا القانون نستطيع ان نستنبط الطاقة الذاتية الكهربائية للجسيم المشحون، وهي الطاقة المكتسبة من تأثير شحنته (اي مجاله الكهربائي) على المسافة المحددة بنصف قطره. لو اخذنا الالكترون كمثال، سنجد ان طاقته الكهربائية الذاتية تتناسب طردياً مع مربع شحنته وعكسياً مع نصف قطره كما في ادناه:

طاقة الالكترون الذاتية = ثابت * مربع شحنة الالكترون \ نصف قطره.

ولأن نصف قطر الالكترون صغير جداً، فهو جسيم شبه نقطي، نستنتج من ذلك ان طاقته الكهربائية الذاتية ستكون هائلة.

ما المشكلة في ذلك؟ لو كنت من عشاق اينشتاين لكنت تعلم انه قال لنا ان الطاقة يمكن ان تتحول الى كتلة والعكس صحيح (من معادلته الشهيرة: الطاقة=الكتلة * مربع سرعة الضوء).

هذا يعني ان طاقة الالكترون الكهربائية الذاتية ستساهم برفع كتلة الالكترون الى درجات كبيرة، وستكون الكتلة النهائية المقاسة تجريبياً للالكترون مساوية لكتلته الاصيلة (اي من دون تأثيرات الطاقة الذاتية) مضافاً لها الكتلة الناتجة من طاقته الكهربائية الذاتية ونكتبها بالشكل الاتي:

الكتلة المقاسة تجريبياً = الكتلة الاصيلة + الكتلة الناتجة من الطاقة الكهربائية الذاتية.

ولكننا نجد في التجارب ان كتلة الالكترون المقاسة (الطرف الايمن من المعادلة) صغيرة جداً بالمقارنة مع الكتلة الناتجة من طاقته الذاتية (الطرف الثاني في يسار المعادلة). لكي يكون طرفا المعادلة متساوي فهذا يستلزم ان تكون كتلة الالكترون الاصيلة (الطرف الاول في يسار المعادلة) سالبة القيمة وتقريباً مساوية (اقل بقليل) للكتلة الناتجة من طاقته الذاتية حتى يكون حاصل طرحهما مساوي لكتلة الالكترون المقاسة تجريبياً والظاهرة على يمين المعادلة.

لو تجاوزنا معضلة طرح مفهوم كتلة سالبة الان، ستبقى النتيجة اننا نحتاج الى كتلة اصيلة للالكترون “مولفة بدقة” بحيث تحذف قيمتها السالبة اغلب كتلته الناتجة من طاقته الذاتية لتبقى كتلة الالكترون كما نقيسها في تجاربنا صغيرة.

رغم عدم وجود سبب فلسفي يمنع فرض التوليف الدقيق هنا، اي ان نقول “هي هكذا” فالعلماء لا يحبذون هذا الطريق في التفسير ويرغبون بتفسير طبيعي natural يفسر هذا التوليف الظاهري. هنا تأتي نظرية الكم لتنقذنا من هذا المأزق، فكيف حدث ذلك؟

نتذكر من الكم ان هايزنبرك اخبرنا ان هناك لا حتمية بين زخم الالكترون والمسافة التي يقع فيها في مبدأه الشهير: مبدأ اللادقة. هناك لا حتمية من نوع اخر في الكم، لكنها هذه المرة بين الطاقة والزمن. هذه اللاحتمية تسمح لنا بكسر قانون حفظ الطاقة لكن لفترة قصيرة من الزمن تحكمها علاقة اللادقة (التقريبية) التالية:

الطاقة * الزمن = ثابت البلانك

هذا يعني انك تستطيع ان تحصل على طاقة من الفراغ لمدة محددة قدرها ثابت بلانك تقسيم الطاقة المراد تحقيقها، هذه الطاقة ستكون على شكل جسيمات وضديد الجسيمات، ومنها الكترونات وضديدها والمسمى البوزترون، تنطلق هذه الازواج (الكترون-بوزترون)، والتي تسمى الازواج الافتراضية، من الفراغ ثم تعود لتلتحم مع بعضها بعد فترة تحددها العلاقة اعلاه. تتوقع النظرية الكهرودانمكية الكمية QED، وهي النظرية التي تدرس العلاقة بين الالكترونات والفوتونات، ان تتولد حول اي الكترون “حقيقي” سحابة من هذه الازواج “الافتراضية”، ولكن قبل ان تعود هذه الازواج الافتراضية للالتحام مع بعضها وتختفي، فانها ستتأثر بشحنة الالكترون الحقيقي السالبة، فتنجذب البوزترونات الافتراضية نحو الالكترون الحقيقي وتبتعد الالكترونات الافتراضية عن الالكترون الحقيقي بسبب قوى التنافر الكهربائي، وتسمى هذه الظاهرة استقطاب الفراغ. الناتج النهائي لهذه السحابة المستقطبة هي انها تضعف شحنة الالكترون كلما اقتربنا منه بدرجة كبيرة، وهذا النقصان في الشحنة سيعادل النقصان في المسافة ( راجع اول معادلة) بدقة كبيرة مما سيؤدي الى حذف تأثيرات الطاقة الذاتية طبيعياً، فوالاه، حللت المشكلة.

هذا النمط من الاشكاليات في الفيزياء يسمى المسألة الهرمية، والمثال اعلاه يمثل درس كلاسيكي يمكن ان نتبناه لفهم كيفية حل مشاكل من هذا النوع في الفيزياء. لكن عندما تذكر المسألة الهرمية فليس مثال الالكترون اعلاه سيكون حاضراً، وانما كتلة جسيم هيكز. فقيمة كتلة هذا الجسيم الشهير المقاسة تجريبياً اقل بكثير من كتلته المحسوبة نظرياً، هنا ستؤدي التصحيحات الكمومية عكس المطلوب وستسبب زيادة مفرطة في كتلة جسيم هيكز نظرياً اكبر مما تم قياسة عملياً( واكبر مما تحتاج اليه الفيزياء النظرية في مجالات اخرى). مرة اخرى نحن بحاجة الى الية طبيعية تفسر كيف تم (معادلة) هذه الكتلة المفرطة، لكنها ستكون تصحيحات ناتجة من فيزياء جديدة من خارج النموذج القياسي.

هناك حلان مطروحان، الاول، وهو الاشهر يقوم على تبني نظرية التناظر الفائق، والثاني مبني على نظرية المبدأ الهوليكرافي. لكن اذا لم تنجح المحاولات هذه فسيكون العلماء مضطرين ان يقولو ان هذه الكتلة (غير طبيعية unnatural) مما سيفتح الباب امام نظريات تعدد الاكوان لتملأ هذا الفراغ. ولكن الان حان ان تشرب كوباً من القهوة، او الذهاب للنوم، ولنا موعد اخر مع اخر تطورات هذا البحث.

 

 

المصدر: هنا

عن

شاهد أيضاً

أرقام غريبة حيرت الفيزيائيون

بقلم بول راتنر 30/12/2018 ترجمة: أحمد طريف المدرس تدقيق: ريام عيسى تصميم الصورة: اسماء عبد محمد هل يعتمد عالمنا، بما في ذلك …

إمكانية السفر عبر الزمن

بقلم: جيم خليلي 11 تموز 2019 ترجمة: ريام عيسى إنه السؤال العلمي المفضل للجميع: هل …