كم عدد الأيام التي قضيتها منتظراً؛ سواءً في المطار أو المحلات أو المكاتب الحكومية؟
العديد من الشركات محقة بسبب قلقها من الإحباط الذي يصيب العملاء خلال فترات الانتظار، فالبنوك والفنادق وشركات الطيران تعلم تماماً كم سيغدو الزبون مستاءً عندما يُطلب منه الانتظار ولو لفترةٍ قصيرة. كما يشكو الطلابُ من اضطرارهم للانتظار «فترة طويلة» لتصحيح أوراقهم. لذا أصبح الغضبُ هو السائد في بعض الأحيان أكثر من الانتظار لمدة وجيزة.
يُعبِّر الأشخاصُ الذين يضطرون إلى الانتظار في المطارات الدولية عن استيائهم. وتحدث بين الفينة والأخرى ثوراتٌ احتجاجية؛ خلافاً للمعتاد من الأشخاص حَسَنِي التصرف اللذين «ضاقوا ذرعاً». فيأخذون بالصراخ والغناء ويندفعون إلى الحواجز الموضوعة كردِّ فعلٍ على جَلَّاديهم.
قُم بزيارة أحد الأماكن التي لا خيار لك فيها سوى الانتظار؛ كوكالةٍ حكومية، أو الأفضل من ذلك؛ المطار. حيث تصل العديدُ من الطائراتِ بذاتِ الوقت. لستَ هنا زبوناً؛ على الرغم من أنك يمكن أن تَدَّعى ذلك. لا يمكنك إلا أن تنتظر، والمسارُ السريعُ ليس متوافراً أيضاً. وستكون مضطراً للمشي رويداً رويداً كالمواطن السوفييتي الذي ينتظر محلاً احتكارياً لتقديم منتجَه البسيطَ غيرَ الشهي.
نحن نقوم باستهلاك المنتجات، ولكننا سنختبر التعامل مع الخدمات في وقتٍ ما. فالتأخير غالباً ما يكون العامل الأهم لتقييم المطعم، والذي يعد كابوساً للإدارة التي تعلم تماماً تكلُفة توظيفِ عمالٍ إضافيين. ولكن تغيرت التوقعات؛ حيث أخذ الناسُ ينجزون أعمالَهم في أماكنِ أخرى؛ حيث يحصلون على ما يريدون: «الإشباع الفوري». و بطبيعة الحال؛ غالباً ما يكون الانتظار سبباً للغضب في الطرقات.
هناك ثلاثُ طرقٍ للنظر إلى أولئك بَارِدي الأعصاب؛ الرزينين؛ اللذين يتحملون عملية الانتظار الطويلة المملة المُضيعة للوقت:
أولاً: لطالما كان الانتظار في الصف مجرد أسطورة. إنها قصة ليست صحيحة؛ لكننا نخبر أنفسنا بها. وهو عبارة عن منتجٍ لأفلام الدعاية الحربية أكثر من كونه واقعاً، فقد كرهنا دوماً الوقوف في طابور الانتظار، وكنّا نتدافع إلى الأمام كلما سنحت لنا الفرصة ونقوم بالتذمر طوال الوقت.
ثانياً: يرتبط الانتظار بالملل، فنحن كالأغنام التي يسوقُها نظامٌ غيرُ فعّال. لذا يجب علينا تبني بيان «يا زبائن العالم؛ اتحدوا» ، ورفض قبول هذه النتيجة من عدم الكفاءة التي لا يستطيع تحملها إلا الحمقى.
ثالثاً: يجب أن نكون فخورين جداً لاكتشاف واحدة من أعظم الفضائل التي لدينا. فالعديد من الناس يعانون من «مرض العجلة» والاندفاعات المختلة ونفاد الصبر الطفولي، لذا يمكننا أن نتعلم الكثيرعن العدالة والمساواة خلال تعلم الانتظار. وفي النهاية؛ يُعد تأخير إشباع الحاجات واحدة من علامات البلوغ.
أما بالنسبة للشخص العصري؛ يمكن وصف الانتظار ببساطة بأنه مزعِج ومحبِط ومثبِط للعزيمة ومُسبِّب للتوتر وذو تكلفة مرتفعة.
وخلص الدارسون لسلوك الانتظار إلى بعض القوانين والملاحظات التي لها بعض التبعات بالتأكيد:
1. الوقت الذي نقوم فيه بعمل ما؛ يبدو أقصر: ما عليك إلا أن تجعل الناس يقومون بعملٍ ما أو أن تشتت انتباههم، كالمشي مرة بعد مرة على مسارات تشبه المتاهة أو مشاهدة التلفاز أو الاستماع للموسيقى. فأسوأ ما يمكن أن تقوم به هو أن تزيد حالة التجهم وإبقائهم منتظرين. فبعدها سيبدأ التململ والحديث مع بعضهم معلنين عن بداية التمرد.
2. يبدو الانتظار أطول في حالة عدم التأكد: فتحديدُنا التقريبي لمدة الانتظار يجعل الناس أكثر تقبلاً لهذا التأخير. ويعلم العاملون في مترو الأنفاق والحافلات ذلك جيداً، فمواعيد الوصول يجب ألاً تكون دقيقة، فالدقة هنا لا تهم. فالمعلومات هنا تزيل الغموض وتعطي للشخص الثقة بأن النظام مازال يعمل.
3. يغدو الانتظار أطول عند الاضطراب: «هل سيأتي طلبي في نهاية الأمر؟» أو «هل سأُجري مقابلتي؟» أو «هل سأقوم أنا بإجراء الاتصالات؟» وهكذا يعمل التفسير وإعادة الطمأنينة. وهنا قد تقوم الموسيقى بوظيفة مساعدة، أما الاعتذارات المتكررة فلا تجدي نفعاً. لذا فمن الأفضل أن تكون من نوعية الوالدَيْن اللذين يعيدون الطمأنينة لأطفالهم، فعندما يقول ابنك الأصغر «أبي، أبي هل اقتربنا من الوصول؟»، وتكونُ على بعد أميال من وجهتك، تائهاً تماماً، فيجب أن تخبره بثقة «اقتربنا يا صغيري، كدنا نصل».
4. يُعد الانتظار غير المتوقع وغير المبرر هو الأسوأ: فقد اكتشفت بعض المنظمات تفسيراً بسيطاً، فمثلا تقولُ: «القطار الذي ستستقله أو رحلة الطائرة قد تأخرت، ونعتذر بشدة عن التأخير». فيسألك «لكن، لماذا حصل ذلك؟»، هنا تُعد تفسيرات «القضاء والقدر» أفضل جواب، والتي تشير إلى خطرٍ محتمل.
5. يكون الانتظار الجائر أو غير المنصف أشدَّ ازعاجاً من الانتظار المنصف أو العادل: فليس هناك ما هو أسوأ من رؤية شخص يتجنب بشكلٍ شبه مشروعٍ صف الانتظار، كالسافرون على الدرجة السريعة اللذين يبتاعون طعامهم في طريقهم إلى الخارج أو طاقم الطائرة الذين يتمتع بمخرجٍ متميز، تُعد روح الجماعة هنا مفيدة.
6. الانتظار بشكلٍ منفردٍ يبدو أطول من الانتظار ضمن الجماعة أوفي حالة اجتماعية: وهذا ما يوضح الغاية من وجود غرفة الانتظار، أو أولئك الذين ينتظرون في غرف انتظار المطارات.
لقد أصبحنا معتادين على السرعة في جميع الخدمات، ونشعر بخيبة أمل بسبب التأخير، ونعرب عن غضبنا علناً وبشدة، و يزداد الأمر سوءً كلما ازدادت توقعاتنا من الإشباع الفوري.
المصدر: هنا